لم يعد الرئيس السوري بشار الأسد جزءًا من الحل، ولاجزءًا من المستقبل، ولعل مايؤكد ذلك أن موسكو اضطرت لدفع الرئاسة السورية لتكذيب وكالة «انترفاكس» الروسية التي نقلت عن الأسد قوله لوفد برلماني روسي: بأنه ليس في وارد التنحي عن الحكم، ولو أراد التنحي لكان ذلك منذ البداية، وأن من يقرر تنحيه هم المواطنون السوريون، وكأن للسوريين قرارًا في بلادهم يمكنهم الفصل في هذه المسألة، غير قرارهم في مواجهته وضرورة تغييره، وهو الموقف الوحيد الذي يجمع عليه غالبية السوريين، باختلاف أطيافهم ومذاهبهم، بعدما كانوا قد منحوا الأسد الفرصة الكافية ليتحرر من جلباب أبيه. يسهب الرئيس السوري في التصريحات قبيل انعقاد جنيف 2حول إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسة السورية وعلى جناح السرعة وبضغط وتأنيب من موسكو، أصدرت بيانًا أكدت فيه أن الرئيس لم يدلِ بأي حوار أو مقابلة مع «انترفاكس»، لكن الرئاسة لم تنفِ أن الرئيس الأسد لم يقل هذا الكلام أمام الوفد البرلماني الروسي، ومع ذلك سارع للنفي؛ لأن جنيف 2 مبنية على جنيف 1 التي نصت على انتقال سياسي للسلطة، وأن الذهاب لجنيف 2 بلا شروط، ومع ذلك جاءت تأكيدات جون كيري لتوضح ملامح جنيف 2 مؤكدًا أنه لن يكون هناك حل سياسي ما لم يكن هناك انتقال سياسي، وإذا ظن الأسد أنه سيكون جزءًا من هذا المستقبل، فهذا لن يحدث. ترى هل تم الاتفاق فعلاً على الانتهاء من مرحلة الأسد؟ لماذا طلبت موسكو من دمشق الصمت وعدم التحدث عن المستقبل؟ ولماذا تحاول طهران جاهدة إفشال المؤتمر قبل انعقاده؟ ولماذا انسحبت بعض فصائل داعش للأنبار لتكون أداة ابتزاز في يد حكومة نوري المالكي؟ ولماذا استعجلت طهران الإفراج عن 900 معتقل؟ كان الشرط الأمريكي أن يكون بينهم مهدي كروبي ومير حسين موسوي، ولماذا يصمت حزب الله وهو يرى بأن دوره في لبنان سيتغير عما كان عليه سابقًا، في ظل ملامح اتهامية واضحه له بمقتل الحريري؟ بينما يجري مندوبون عنه اتصالات بالسفارة الأمريكية للتفاهم على هذا الدور ،بعد أن يستثمر الأمريكان النفط والغاز اللبناني والاسرائيلي. الحراك الدبلوماسي الإيراني ناحية بيروتودمشقوموسكو، الأسد وحسن نصر الله فيه عبارة عن أوراق وأدوات لإكمال الصفقة، ولا يعني ذلك أن إيران ستنهي حضورها السلبي في سورياولبنان، بقدر ما ستبقي على أدواتها الفاعلة والمؤثرة، فهي تتوقع أن الضغط الأمريكي عليها لفتح ملف حقوق الإنسان والحريات سيكون له ضريبة داخلية، ولذا فهي ترفض الحوار والتفاهم الحقيقي مع دول الخليج والمملكة؛ لأن لهذه الدول شروطًا واضحة للحوار. إيران لا ترغب الالتزام بها، لا بل إن الرياض فتحت ذراعيها ذات مرة للإيرانيين وبعد إلحاح كبير من طهران، قدموا للمملكة ووقعوا اتفاقيات، لكن الرياض كانت تدرك أن إيران لن تفي بعهودها، ولم يصل الوفد الإيرانيلطهران حتى تراجعوا عما اتفقوا عليه. لهذا السبب ترغب إيران بالتضحية ببعض أوراقها أو تدوير استعمالاتها، لكن بثمن دولي وإقليمي، لكنها في ذات الوقت متخوفة من الداخل، وترى أن صمام الأمان لها بإبقاء علاقاتها متوترة مع الخارج، وبخاصة دول الخليج، وإذا كانت طهران وافقت للأمريكان ضمنًا على التغيير في سورياولبنان، فإن طهران ترى أن الثمن ليس في الملف النووي والحريات العامة فقط، وإنما في التغاضي عن ضبط الشارع الإيراني بالقوة، في رفع الحصار الاقتصادي الذي حرك المياه الساخنة داخل إيران. لم يعد الأسد جزءًا من الحل، ولا جزءًا من المستقبل. هذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لكن إيران معنية بأن تكلل جهودها في جنيف 2 بأنها دولة إقليمية مؤثرة لايمكن تجاهل حضورها، ولهذا كانت تصريحات وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بأن جنيف 2 لن يكتب له النجاح دون حضور فاعل لإيران، في وقت ترى طهران أن هناك متغيرات إقليمية قد لاتكون في صالحها مستقبلاً، مثل دعم واشنطن لخارطة الطريق المصرية، وضغط أمريكي باتجاه إدخال تعديلات على العملية السياسية في العراق. كما يسهب الرئيس السوري في التصريحات قبيل انعقاد جنيف 2، حول إمكانية ترشحه للانتخابات القادمة، وعدم اعترافه برئاسة وزراء تنفيذية من المعارضة، وانه ماض لمحاربة الإرهاب، الإرهاب الذي صنعته مؤسساته الأمنية بالتعاون مع إيران، حيث تكشف التقارير الاستخباراتية الغربية أن مندوبين عن هذه الدول جابوا دولاً غربية وعربية محددة لتجنيد مقاتلين في صفوف بعض التنظيمات الجهادية، بهدف ابتزاز هذه الدول واتهامها بدعم الإرهاب، وفي ذات الوقت لإحداث تعقيدات ميدانية تحول دون إنهاء حكم الأسد، إلا أن الواقع بدأ يختلف ويتغير عن رغبة الأسد. بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة السورية، ومقتل أكثر من 120 ألف مواطن سوري، ونزوح ما لايقل عن 5 ملايين مواطن، وخسائر اقتصادية تفوق 110 مليارات دولار، غير عن عمليات النهب المنظم التي تمت، سيستلم الحكم والسلطة السورية الجديدة دولة هشة مدمرة، وهي بحاجة لمشروع مرشال إقليمي ودولي لإعادة مادمره الأسد والتنظيمات المتطرفة. هل سيكون جنيف 2 ترتيبًا سياسيًا ومستقبليًا لسوريا، باعتقادنا أن مؤتمر الكويت الأخير الذي وضع 3 مليارات دولار للخدمات الإنسانية للاجئين السوريين، وغيرها من الجهود الدولية ستكون كفيلة بوضع خطة موازية للخطة السياسية كي تتمكن مؤسسات الدولة الجديدة من استعادة الحياة، واستعادة الثقة في الاقتصاد السوري. ولعل السوريين رغم اختلافاتهم السياسية والمذهبية يملكون قدرة على التواصل وعلى التفاعل، وعلى التوافق السياسي، ولهذا فإن قوة الجانب الحضاري والمدني والصناعي في المجتمع السوري سيكون له الدور الأكبر في تعزيز معالم الاستقرار، وفي المقابل فإن الاتفاق على المرحلة الانتقالية يجب أن يكفل نموًا طبيعيًا للقوى المدنية لتساهم في إضعاف القوى المؤدلجة والمسلحة فيه لتنتهي بذلك دولة الأسد وإلى الأبد. [email protected]