لا يختلف عاقل على ان التوعية هي الاداة الوقائية من كافة اشكال الانحرافات الفكرية والسلوكية خاصة في ظل الفوضى الفكرية وازدواجية المعايير التي يشهدها العالم ومجتمعنا السعودي جزء منه. وتزداد أهمية التوعية في خضم ما تمر به بلادنا من نتاج فكري شاذ ومنحرف لا يقره دين سماوي او ارضي او عقل ومنطق. هذا الارهاب الفكري هو الذي قاد الى الارهاب الجسدي والمتمثل في الحوادث المؤسفة التي تمر بها هذه البلاد ومعظم بلاد العالم. ولعلنا نتفق على أن الارهاب الفكري هو الاداه المؤسسة لكافة انواع الارهاب ويقابله الامن الفكري والذي تعد التوعية من اهم وسائله. ومن هنا جاءت اهمية التوعية كسلاح ايجابي لتعزيز الامن الفكري في المجتمع من خلال التوعية وتفويت الفرصة على المتخرصين. ولكن ماذا نعني بالتوعية بالعولمة. بل قد يتساءل الكثير من التقليديين والذين اشبعوا ابناءنا بكلام فظ غليظ بدءا من المعلم في الفصل وانتهاء ببعض وسائل الاعلام وباساليب لا تتناسب مع الفكر الشبابي الذي يحاكي الانترنت والفضائيات والاعلام المفتوح والعالم الذي اصبح قبة متعولمة لايمنعها أحد عن الآخر. في هذا الوقت يتساءل بعض التقليديين بان التوعية بدأت ومستمرة منذ عقود ولم تتوقف. نعم قد يبدو هذا جميلا ولكن اي نوع من التوعية هذه؟ وهل طرأ التغيير على فلسفتها ومفاهيمها لتتناسب مع المتغيرات المتعولمة في عصرنا الحاضر؟ هل تم تحديث الفكر التوعوي وأساليبه؟ ام انه الجمود المؤدي للملل. وهؤلاء تنطبق عليهم المقولة بانهم تكلموا كثيرا وعملوا قليلا وكانت حكمتهم ثرثرة غير مجدية ولا منتجة. وهناك العديد من التساؤلات للرد على التقليديين بان اساليبهم التوعوية لم تتناسب مع عقول الشباب في وقتنا الحاضر وينبغي علينا ان نصل الى هذه العقول بما يتناسب مع طموحاتها حتى نفوت الفرصة على المغرضين لاستغلال اي فراغ فكري. فالشاب اذا لم يتفاعل مع الفكر التوعوي سينصرف بجهالة الى خفافيش الانترنت والفضائيات المشبوهة والتي تحاول أن تستغل كل فراغ فكري ناتج من سلبية الفكر التوعوي لتشبع بذلك رغباته وتتخاطب معه بالاسلوب الذي يريد وبالوسيلة التي يفضلها. وقبل ان نصل الى عمق هذه المقالة لعلنا نقف على تعريف محدد لمصطلح العولمة والذي تعددت تعريفاته ولم يعد الكثير من العامة يدرك هذا المعنى. ولن استطرد في ذلك كونها (العولمة) ليست بالموضوع الرئيسي ولكن لاغراض هذه المقالة فانني اقول إن العولمة هي التدفق الحر من الفكر والافراد ورؤوس الاموال. هذه هي العولمة بكل بساطة وبدون اسهاب في التفاصيل وبالمناسبة، فالعولمة ليست اختيارية لتترك لكل دولة او مجتمع حرية فكره ابدا فهي قد بدأت حتى على المجتمعات الرافضة لها او تحاربها وتحاول ان تبرر رفضها بان العولمة ماهي الا الهيمنة وغيرها من المصطلحات التي تندرج تحت لواء نظرية المؤامرة المطلقة التي انهكتنا وجعلتنا نجري دون ان نصل. وعلى اية حال فالانترنت والفضائيات والاعلام المكثف ووسائل الاتصالات ماهي الا ادوات تحرك عناصر العولمة التي نعيش بين ظهرانيها ومن جانب آخر نرفضها. نعود مرة اخرى الى مسألة توظيف العولمة لاهداف التوعية انطلاقا من اهميتها كونها الدرع الواقية ضد الارهاب الفكري، فالمجتمع والشباب جزء منه لم يعد يتحمل ان يستمع الى مفكر الدرع الواقي ضد لارهاب الفكري فالمجتمع والشباب جزء منه لم يعد يتحمل ان يستمع الى مفكر او مثقف يمسك بمكبر الصوت ويجلس أمامهم ويكرر كلاما يستمع اليه الشباب بمدارسهم ومنازلهم منذ نشأتهم وفي كل زمان او مفكر ثابت بلا حراك على كرسيه في شاشات التلفاز لايستطيع ان يتحرك لكي لا يحيد على الطابع الرسمي الذي يرى انه هو الاصل في مثل هذه اللقاءات والحذر اللامتناهي في الكلام والتردد في اطلاق الافكار حتى تفقد هذه الفعالية عناصر كثيرة من عناصر جذب الشباب ومنها عنصر الاثارة والتشويق والذي استغل في غير مجتمعاتنا. وأوكد أن على مثقفينا ومفكرينا ان يتقصوا خلف الاسباب التي تشد فئات المجتمع الى افكارهم المستمدة من الاهداف الوطنية وتوجيه ذلك بالاخص الى فئات الشباب ولا يكونوا كمعدات التفريخ والتي لا يهمها الا الانتاجية دون النظر ان كانت هذه الانتاجية تحقق عائدا ومن هذه المقالة لعلي أحدث فئة المفكرين والمثقفين بان تحملوا لواء توجيه الشباب من خلال توعيتهم باساليب عصرية وعولمية وباللغة التي يفضلونها ومحاكاة عقولهم وإشباع رغباتهم الفكرية حتى لا نعطي لخفافيش الانترنت والفضائيات المهاجرة ان تعبث بهذه العقول. ولعل اول ما نحتاجه هو تأطير العمل التوعوي من خلال استراتيجية موحدة تحدد الاهداف المرجوة والسياسات المتعلقة للوصول الى هذه الاهداف واجراءاتها التنفيذية ومؤشرات نجاحها والاساليب المؤدية الى هذه المؤشرات لتنطلق من هذه الاستراتيجية خطط عمل تنفيذية تتحدد موضوعاتها ومتحدثيها المتعولمين وفئاتها المستهدفة وحتى الأساليب المتبعة لتنفيذها ونؤكد على مسألة الموضوعات التي تحاكي عقول الشباب. نحن لسنا بحاجة الى محاضرات تنبذ النقد الصالح لتأتي بنتائج عكسية ضد اهدافها فليس هناك ما يمنع بان نبدأ الحديث بنقد الذات والذي يثير التشويق للمستمع وباسلوب علمي ممتع ونواصل ذلك الى ان يلامس كلامنا عقول الشباب ومن ثم نعمل على ايصال رسالتنا ولم يخطئ من قال إن للمحاضرة فن إلقاء وابداع في الحوار ولقد وظفت بعض الفضائيات المغرضة مثل هذه الاستراتيجيات وحصدت نجاحات خبيثة على حساب جمود البعض الذي يناهض افرازات العولمة. ينبغي على مثقفينا ومفكرينا ان لا يروا العالم كما يريدون ولكن كما هو. نعم انهم يحملون اهدافا محددة ومرسومة سلفا ويرغبون في تحميلها للمجتمع وفرضها على انها هي الخيار للخروج من الأزمة، وهي ليست كذلك ولكن كون بعضهم لايستطيع ان يرى غير ذلك لانه اساسا لايعرف عن كيفية هذا التعامل فلذلك يتمسك بما لديه وفي حدود معارفه رافضا التعولم وواهما بان ما لديه هو الافضل وتناسوا بان الافضل هو المستمد من رؤية المجتمع واحتياجاته حتى اذا ترجمت هذه الاهداف الى سياسات توعوية نجد من يتفاعل معها وليست من رؤيتهم التي يعتقدون. ولعلي ازيد بمشاركة المجتمع في تنفيذ هذه الاهداف من خلال الاستغلال الحسن للمساحة الفكرية والابداعية التي اطلقتها الدولة في كافة المجالات. نحن امام تحديات متعاظمة سواء من الداخل او من الخارج ولعمري ان هذه التحديات لا تزيد المجتمع السعودي الا تماسكا ويخطئ من يردد غير ذلك وما خفافيش الانترنت والفضائيات المهاجرة الا برهان على اننا الشجرة المثمرة التي يحاول كل حاسد وبغيض ان يرمي ثمرها. وامام هذه التحديات تتعاظم المسؤولية المجتمعية من كافة فئات المجتمع سواء من رجال امن بواسل او من رجال فكر وثقافة يعملون سويا من اجل تحقيق هدف سام واحد وهو رفعة شأن الوطن مستفيدين من العولمة وافرازاتها. ولعلنا نقف عند مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والتي يحاكي بها المستقبل الذي نعيش فيه عندما قال لاصحابه: علموا أبناءكم على غير ما تعلمتموه فانهم سيواجهون أياما غير أيامكم هذه.