كيف سيكون تصرفك حين تشتاق إلى صديق وتقصد بيته طارقا الباب, وحين يفتح لك يخاطبك قائلا: تفضل ياطرطور؟ هناك احتمالات عديدة للاجابة على هذا السؤال: الاحتمال الأول هو ان تمتلئ غضبا وذهولا وتعود مسرعا إلى بيتك. أما ثانيها فهو ان تكيل له الصاع صاعين بحفنة من الألفاظ الغليظة ذات الرنين الموجع. أما ثالثها فهو ان تكون واسع الصدر مرح المزاج وتدخل إلى البيت قائلا: شكرا ياطرطورين. لماذا هذا التخيل؟ إنه ليس تخيلا, بل هو واقع يمكن ان يحدث لك ولي حين لانلاحظ في مخاطباتنا (التحول اللغوي) الذي يجعل المفردات تنداح من معانيها الاصلية إلى معان اخرى قد تكون عكس الأولى في الدلالة. كلمة طرطور في اللغة تعني: الطويل الدقيق. وطرطر الرجل, معناها فاخر. أما طرطور حسب الاستعمال الشعبي فهو التافه الذي لاموقف له من الأمور المهمة المحيطة به والفرق كبير بين المعنى الأصلي للمفردة وبين المعنى الحادث غير ان الأهين يسرع حين سماعها إلى معناها الثاني: وقد سقت هذه القصة لاصل منها الى مايلي: إن معظم الخلافات في الرأي التي نشاهدها في الحياة الفكرية والثقافية, وعلى كل صعيد ذات منشأ واحد هو عدم تحديد معاني المفردات بين المتحاورين فكل منهم يطلق المفردة وهو يقصد منها معنى غير الذي يقصده الاخر. هذا ليس فقط بين المتحاورين المحدثين, بل إنك حين تقرأ الصراعات في كتب التراث, تلك الصراعات التي تصل أحيانا كثيره إلى التناحر الدموي تجد انها ناشئة من هذه البؤره بؤرة عدم تحديد معاني المفردات. هذا الحديث يمتد بنا إلى مستوى آخر من النزاعات. هذا المستوى يتمثل في اقتطاع جزء من الكلام من سياقه وتحميله معنى آخر غير معناه في السياق, وهذا من أخطر ما يقوم به بعض الافراد الذين في قلوبهم مرض أو في عقولهم وهن ليحرفوا الكلم عن مواضعه. في كتب التراث كثير من هذه المواقف ولكن عصرنا الحاضر بلغ مستوى لم يبلغه الماضون في تقطيع الكلام وتدمير سياقه ثم تحميله معنى آخر لايمت بصلة إلى معناه في السياق. وهذا ما يفعله الاعلام والصحافة الامريكية في هذه الايام تشويها لاقوال الاخرين بدون حياء أو ضمير.