يعتبر الفكر التكفيري من اعظم البلايا التي ابتليت بها بلاد المسلمين خاصة هذه الاوقات.. وقد تميز ائمة الفكر التكفيري بمجاباة الحق وطريق الهداية.. وسلكوا طريق العنف والتطرف والاكراه والبعد عن السنة والجماعة بالرغم من حث الاسلام على الموعظة الحسنة في الدعوة.. (اليوم) التقت بوكيل جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية الدكتور سليمان ابا الخيل وتحدث عن الموضوع على هامش المؤتمر العالمي الذي تنظمه الجامعة عن موقف الاسلام من الارهاب والذي يقام اليوم الثلاثاء بحضور وفود محلية وعربية ودولية وكان هذا الحوار: فتن كبرى @ التكفير من الفتن التي اثرت على الامة ونخرت في جسدها منذ العصر الاول، فما قولكم في هذا الشأن، وما موقف الاسلام من هذه الفتنة؟ التكفير يعتبر من اعظم الاهواء والادواء والبلايا والرزايا الواقعة بين بعض ابناء الامة، ولقد جر عليها من الويلات والفتن العمياء والحروب الطاحنة الشيء الكثير، واوقعها في كل مذموم من الشقاق والارواح والممتلكات، وتدميرها دون وازع او رادع بل يتخذونه قربة يتقربون به الى الله، ودينا يدينون له به، بل انهم يشرون انفسهم بالانتحار والقتل ليصلوا بزعمهم الى الجنة، فبئس الشراء، وما اسوأ هذا الزعم. ان فتنة التكفير من اوائل البدع التي ظهرت في الاسلام على يد الخوارج، وكان ذلك في النصف الاول من القرن الهجري الاول، والذي اوردهم هذا المورد الخطر هو قلة فقههم في الدين وعدم معرفتهم بسنة سيد المرسلين، مع غرورهم، واستبدادهم بعباداتهم، وتمسكهم بظواهر النصوص. موقف واضح @ للعلماء من السلف والخلف موقف واضح وصريح من التكفير والتساهل فيه مما يعتبر طريقا لكل من اراد الحق في هذه المسألة فما قولكم في ذلك؟ انطلاقا من النصوص القواطع والحجج الدوامغ، والبراهين السواطع، سطر علماء الامة المحققون، وأئمتها العارفون بمقاصد الدين، المدركون لمصالحه، الفاهمون لنصوصه القادرون على تطبيق احكامه على المسائل الحادثة كبيرة كانت او صغيرة، مايبين للمسلم وبصورة واضحة جليلة لا شك فيها ولا التباس الموقف الصواب من فتنة التكفير وبالتالي يسير في ذلك وغيرها على هدى وبصيرة، فينبغي لطالب العلم الا يتسرع في الفتوى وان يتخلص منها ما امكن لانه اذا افتى انسانا تحمل معه اثار ما افتاه به، واذا وجد من يكفيه الفيتا فهذا خير ساقه الله له واذا لم يجد ذلك ووجد نفسه ملزما بذلك فليفت وليتق في ذلك الله. أسباب ودوافع @ الوقوع في التكفير له اسبابه ودوافعه التي تجعل بعض الناس يتهاون فيه او يكون همه تتبع الاخطاء وتصيدها واصدار الاحكام على الحكام او العلماء او المجتمعات او احاد الناس فما تشخيصكم لهذه الاسباب؟ من المعلوم انه لايمكن التعرف على حقيقة اي امر مادي او معنوي علمي او عملي، والالمام بجوانبه، ومعرفة خلفياته وآثاره ونتائجه الا اذا كشف الستار عن اسبابه ومسبباته، ووضحت دوافعه بصورة جلية لاشك فيها ولا التباس، وذلك بموضوعية واتزان يوضح كل امر من خلالها في نصابه ويعطى كل ذي حق حقه، فيتبين الخير ان وجد فيتبع ويؤخذ به، ويظهر الشر والفساد فيمنع ويحذر منه قال ابو محمد اليماني في مقدمة كتابه (عقائد الثلاث وسبعين فرقة) واصفا عمله في هذا المؤلف وما قصد منه: وبينت ماشككوا فيه واوهموا به على اهل السنة والجماعة من اقاويلهم الفاسدة وتأويلاتهم الباردة تلبيسا منه على كل حائر فكر ضعيف لب ليتبعهم حتى استنفروا كثيرا ممن جهلوا امرهم وشككوا عليهم دينهم بما القوا اليهم من مشكل القرآن على غير اشكاله، ومتشابهه على ظاهره، وظاهره على متشابهه، وضربوا عليهم القرآن بعضه ببعض، واحتجوا بالمنسوخ على انه محكم وبالناسخ على انه منسوخ وبالعام على انه خاص والخاص على انه عام وبآخر الاية دون اولها، وبأولها دون آخرها، ومعنى آية على آية وغيرها، وبغيرها على معناها بجوابها؟ وتركوا سببها وتسببها وتركوا جوابها ولم ينظروا لا مايفتح القرآن ولا ما يختتمه ولا مايورده ولا مايصدره وادعوا في متشابهه ما ادعاه المؤمنون في محكمه وفي محكمه ما ادعوه في متشابهه. يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظا ما ذكروا به وقربوا اليهم مابعد وبعدوا عليهم ماقرب وقبحوا لهم ما حسن وحسن لهم ماقبح وحرموا عليهم ما ابيح واباحوا لهم ماحرم عليهم وحرموا عليهم ما ابيح واباحوا لهم ما حرم عليهم واخترعوا لهم من ذلك الادلة الفاسدة والقياسات الباردة قال الله تعالى: (ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل).. فهذه حال اهل البدع في الاقوال والافعال وما وقعوا فيه من الشر العظيم والخطر الداهم والذي جاء نتيجة لتنكبهم الصراط المستقيم والمنهج القويم وبعدهم عن الحق واهله ومن خلال ذلك نستطيع ان نقول ان اسباب الغلو ودوافعه تنطلق من الامور التالية: اولا: اتباع المتشابه وهذا يحصل من اصحاب القلوب المريضة، والانفس الامارة بالسوء، والتي خالفت الفطرة السليمة فراغت وزاغت عن الهدى الى الضلال، وعن الحق الى الباطل وعن النور الى الظلام وعن الخير الى الشر وعن صراط الذين انعم الله عليهم الى طريق المغضوب عليهم والضالين ولذلك اتبع اصحابها المتشابه واخذوا به وجعلوه طريقهم ودليلهم وقائدهم الى كل حكم ديني ودنيوي منطلقين منه في تصوراتهم وتعاملاتهم وجميع احواله كل ذلك من اجل الفتنة ومحبة للتأويل وقصدا للولوج في حبائلهما وماينتج عنهما غير عابئين ولا مكترثين باوامر الله ونواهيه ولا مدركين لما ينطوي عليه عملهم من الشرور والاضرار الخاصة والعامة ولذلك وصفهم الله سبحانه وتعالى بكل ذلك فقال: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) وايضا عرف بهم الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر منهم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) الى قوله (أولوا الألباب).. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم". فهل بعد هذه النصوص القواطع، والحجج السواطع لزائغ متبع للمتشابه من عذر على فعله هذا؟ او لغال مريد للفتنة، قاصد للتأويل من دليل على ماهو عليه من الضلال والاضلال، والفساد والافساد؟. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (سيأتي اناس يجادلونكم بشبهات القرآن الكريم فجادلوهم بالسنن فان اصحاب السنن اعلم بكتاب الله). قال ابو محمد اليماني: فمن هذا الباب دخل اصحاب البدع والاهواء على ضعاف الناس في افساد اديانهم والاحتجاج منه بمقالتهم لاسيما على من جهل غموضه ومشكله ومتشابهه (يعني القرآن) وخاصه وعامه وقد علم الله تعالى انه يكون في هذه الامة قوم يدعون في متشابه القرآن الكريم وما يدعي المؤمنون في محكمه فذكرهم سبحانه وتعالى فقال: (يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة) هاهنا حملهم الناس على القول بالمتشابه على غير معناه فرحم الله امرءا حذرهم ولم يغتر بهم والزم نفسه الطريق المستقيمة واستفتى فيما اشكل عليه اهل الملة القويمة مع توفيق الله تعالى له فنحن به واليه وانما قصدت بما انا ذاكره عنهم في كتابي هذا تحذيرا لمن هو جاهل عن خدعهم فلا يغتر بهم فيقع في شركهم او تذكروا قد وقع فيراجع نفسه عن غيها ويجانبهم. فليس لأحد نجاة ولا فلاح ولا سعادة في الدنيا ولا في الاخرة الا بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والصدور عنهما في العبادات والمعاملات والاقوال والافعال والسكنات وجميع التصرفات. ثانيا: الجهل بالسنة ومعارضتها بالقرآن وعدم الاخذ بها: ان من الآفات العظيمة والفتن الخطيرة التي ضربت بها الامة الاسلامية منذ عصورها المتقدمة وحتى يومنا هذا ومن خلال طوائف ضالة مبتدعة متطرفة ومتشددة بعيدة كل البعد عن المنهج الالهي نسف السنة النبوية المطهرة وعدم الاعتراف بها والاخذ بما جاءت به ولعل قراءة علمية موضوعية لحال ومعتقد احد تلك الفرق تعطينا المثال الحي على واقعهم وما وقعوا فيه من شر عظيم قال ابو محمد اليماني: ان اول ما اذكر لك بعون الله من هذه الفرق فرق الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) وانما لزمهم هذا الاسم لخروجهم على علي بن ابي طالب رضي الله عنه يوم الحكمين حيث كرهوا الحكم والتحكيم وقالوا: لا حكم الا لله وخرجوا عن قبضته وحوزته وقالوا شككت في امرك وحكمت في عدوك نفسك فسموا ايضا الشكاكية ومضوا عنه رضي الله عنه فنزلوا بارض يقال لها حرورا فسموا ايضا حرورية وقالوا: انا شرينا انفسنا من الله تعالى فسموا ايضا شراة فلما استقروا في حرورا وهم ثمانية آلاف وقيل: ستة آلاف مقاتل مضى اليهم علي بن ابي طالب رضي الله عنه وخطبهم متوكئا على قوس قال: هذا يوم من فلح فيه فلح يوم القيامة انشدكم الله تعالى هل علمتم ان احدا كان اكره مني للحكومة؟ فقالوا: اللهم لا، فقال: هل علمتم انكم اكرهتموني عليها حتى قبلتها؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فلم خالفتموني ونابذتموني؟ قالوا: انا اتينا ذنبا عظيما فتبنا منه، فتب انت الى الله منه واستغفره نعد اليك، فقال رضي الله عنه: فاني استغفر الله من كل ذنب فرجعوا معه، فلما رجعوا الى الكوفة اشاعوا ان عليا رجع عن التحكيم وتاب منه، ورآه ضلالا فأتاه الاشعث بن قيس وقال يا امير المؤمنين ان الناس قد تحدثوا عنك انك رأيت الحكومة ضلالا والاستقامة عليها كفرا وانك قد تبت منها فقام فخطب الناس وقال من زعم اني رجعت من الحكومة فقد كذب ومن رآها ضلالا فهو اضل منها فلما سمعت الخوارج منه هذا خرجت عن المسجد فقيل له رضي الله عنه انهم خارجون عليك فقال: لا اقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون. فوجه اليهم عبدالله بن عباس رضي الله عنه فلما وصل اليهم رحبوا به واكرموه وقالوا له: ماحاجتك يا ابن عباس؟ قال: جئتكم من عند صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، واعلمنا بربه وسنة نبيه ومن المهاجرين والانصار قالوا له ايا ابن عباس انا اتينا ذنبا حين حكمنا الرجال في دين الله تعالى فان تاب كما تبنا ونهض بمجاهدة عدونا رجعنا اليه قال ابن عباس انشدكم الله الا ما صدقتم انفسكم اما علمتم ان الله تعالى امر بتحكيم الرجال في ارنب تساوي ربع درهم تصاد في الحرم فقال عز من قائل: (يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) وكذا في شقاق الرجل وامرأته بقوله: (فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) فقالوا نعم فقال: انشدكم الله تعالى هل علمتم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امسك عن قتال اهل الهدنة بينه وبين اهل الحديبية، قالوا: اللهم نعم، ولكن عليا محا نفسه عن الخلافة بالتحكيم. قال ابن عباس: ليس ذلك بمزيلها عنه لان الرسول صلى الله عليه وسلم محا اسم النبوة يوم الصحيفة فلم يزل ذلك عنه اسم النبوة حيث كتب الكاتب: هذا ما هادن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له سهيل بن عمرو: لو علمت انك رسول الله ما حاربتك: اكتب اسمك واسم ابيك فقال عليه الصلاة والسلام للكاتب: اكتب محمد بن عبدالله، فقال الكاتب: لا والله لانعطيهم الدنية في ديننا فقال لهم رسول الله: ضعوا يدي عليها فوضعوا يده عليها فمحاها رسول الله صلى الله عليه وسلم باصبعه، فلما فرغ الكاتب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والعقد بيننا كشرج العيبة). يعني: اذا حل بعضه انحل جميعه فاتقوا الله واطيعوه فعاد منهم الفان وبقي اربعة آلاف فاجمع رأيهم على البيعة لعبدالله ابن وهب الراسبي فبايعوه وخرج بهم الى النهر فاتبعهم علي بن ابي طالب رضي الله عنه فوقع به فقتل الفين وبقي اربعة آلاف وثمانمائة فيه ذو الثدية بعد ان قال له علي بن ابي طالب رضي الله عنه: ارجعوا وادعوا الينا قاتل عبدالله بن خباب قالوا كلنا قتله وشركة في دمه وذلك انهم لما خرجوا الى النهروان لقوا مسلما ونصرانيا فقتلوا المسلم واطلقوا النصراني واوصوا به خيرا وقالوا احفظوا وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم لقوا بعده عبدالله بن خباب بن الارت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقه مصحف ومعه جارية وهي حامل قالوا: ان هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك فقال: احيوا ما احيا القرآن واميتوا ما امات القرآن قالوا: حدثنا عن ابيك فقال لهم: نعم قال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تكون فتنة بعدي يموت قلب الرجل كما يموت بدنه، يمسي مؤمنا، ويصبح كافرا فكن عبدالله المقتول، ولا تكن عبدالله القاتل. قالوا فما تقول في ابي بكر وعمر فاثنى خيرا قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وفي عثمان قبل الحدث؟ فاثنى خيرا ايضا قالوا فما تقول في الحكومة؟ قال اقول علي رضي الله عنه اعلم منكم واشد توقيا على دينه قالوا: انك لست تتبع الهدى فاخذوه الى شاطئ النهر فذبحوه فاندفر دمه على الماء وجرى مستقيما وقتلوا جاريته. هذه هي حال اهل الاهواء اليائسة البائسة ومناهجهم الخاوية الفاسدة وطرائقهم المشوهة والعقيمة التي يمثل الجهل ابرز سماتها وعنوان علومها ومعارفها والسائد على مبادئها والقائد والرائد لكل اعمالها وتصرفاتها فتظلم في موضع العدل وتتكلم في موضع الصمت وتقدم في وقت الاحجام وتحجم اذا دعي داعي الاقدام تفرق ولا تجمع وتهدم ولا تبني وتتجاوز كل القيود والاحكام لتقع في الهوام والطوام من الافعال كقتل المسلمين والابرياء وترك الاعداء مدعية التقرب بذلك الى الله وتكفير كل مخالف لما هي عليه مهدرة بذلك الدماء المعصومة مثيرة نيران الحروب والفتن غير ناظرة او عابئة بالنتائج الوخيمة والعواقب العظيمة ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها). أوصاف المتطرفين @ لاشك ان منشأ التكفير هو الغلو ومجانبة الصراط المستقيم وعدم قيام اصحاب هذا الفكر على العلم الشرعي الصحيح، فما الاوصاف التي يتصفون بها؟ المتأمل في حال الغلاة والفرق الغالية يجدهم على مر العصور وعبر تاريخ الامة تجمع بينهم خصائص معينة وتجمعهم اوصاف بينة تكاد تطرد فيهم وقد ذكر العلماء لهم اوصافا اجمالية وتفصيلية ابرزها واظهرها في كثير من الغلاة وصفان يجمعهما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابو سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الرجل الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم واعطائه لصناديد نجد اكثر من غيرهم فقال: اعدل يا محمد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن يعدل اذا لم اعدل ثم ادبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله يرون انه خالد بن الوليد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من ضيضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لايجاوز حناجرهم يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية والله لئن لقيتهم لاقتلنهم. فالاول من تلك الاوصاف قوله صلى الله عليه وسلم يقرؤون القرآن لايجاوز حناجرهم: اي انهم يأخذون انفسهم بقراءة القرآن واقرائه وهم لايفقهونه ولا يتفقهون فيه ولا يعرفون مقاصده. قال النووي رحمه الله : المراد انهم ليس لهم حظ منه الا مروره على السنتهم لايصل الى حلوقهم فضلا على ان يصل الى قلوبهم لان المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب. وعدم فهمهم للقرآن يجعلهم يأخذون آيات نزلت في الكفار فيحملونها على المسلمين قال ابن عمر رضي الله عنهما في الخوارج: انهم انطلقوا الى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين كما انهم يتبعون متشابه القرآن كاستشهادهم على ابطال التحكيم بقول الله سبحانه: (ان الحكم الا لله) فالمعنى المأخوذ من الآية صحيح في الجملة واما على التفصيل فيحتاج الى بيان ولذلك رد عليهم علي بن ابي طالب رضي الله عنه فقال: كلمة حق اريد بها باطل. قال ابن حجر رحمه الله : وكان اول كلمة خرجوا بها قولهم لاحكم الا لله انتزعوها من القرآن وحملوها على غير محلها. ويؤدي بهم هذا القصور في فهم القرآن الى الخروج عن السنة وجعل ما ليس بسيئة سيئة وما ليس بحسنة حسنة فهم انما يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلغه من القرآن دون ماشرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن وما كان اعتراض الرجل على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم الا من هذا القبيل فقد خرج عن السنة وجعل ما ليس بسيئة سيئة وهذا القدر (اي تحسين القبيح، وتقبيح الحسن) قد يقع فيه بعض اهل العلم خطأ في بعض المسائل لكن اهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة. الوصف الثاني: التكفير واستحلال الدماء يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان) وهذا نتيجة لتكفير المسلمين الذي يكاد ان يكون وصفا مشتركا بين طوائف الابتداع والغلو. وكان ايوب السختياني يسمي اصحاب البدع خوارج ويقول: ان الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا في السيف. وبهذا يتبين انهم يجمعون بين الجهل بدين الله والجرأة على تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وظلم عباد الله ولاشك ان هذه امور عظام تفرق ولاتجمع وتهدم ولا تبني وتقوض مبادئ الشريعة واحكامها من اسسها واصولها يقرر ذلك شيخ الاسلام ويصفه قائلا: (طريقة اهل البدع يجمعون بين الجهل والظلم، فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب والسنة، واجماع الصحابة، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم). ويزيد شيخ الاسلام هذا الامر بيانا وتجلية عندما يجعل هاتين الصفتين اصل البدع والعلامتين المميزتين للمبتدعين والغلاة. قلة العلم @ لاشك ان قلة العلم والجهل بمقاصد الشريعة، ودلالة النصوص توقع الانسان في الخطأ ويتصور الامور على غير حقيقتها فهؤلاء الذين وقعوا في التكفير قادهم الى ذلك عدم الفهم الصحيح للآيات الثلاث الواردة في سورة المائدة فما قولكم في ذلك؟ ومتى يحكم بالكفر على اي شخص؟ ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة وعبر ثلاث آيات احكاما تتعلق بمن لم يحكم بما انزل الله وهي: الحكم الاول: الكفر. الحكم الثاني: الظلم. الحكم الثالث: الفسق. يقول الشيخ محمد العثيمين رحمه الله : وقد اختلف العلماء هل هذه الاحكام اوصاف لموصوف واحد وان من لم يحكم بما انزل الله فهو كافر، والكافر ظالم كما قال تعالى: (والكافرون هم الظالمون). والكافر فاسق كما قال الله تبارك وتعالى: (واما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما ارادوا ان يخرجوا منها أعيدوا فيها). اوهي احكام لموصوفين متعددين وان الحكم بغير ما انزل الله على حسب ماعند الحاكم من اسباب اوجبت ان يحكم بغير ما انزل الله. فاذا كان حكمه بغير ما انزل الله رضا بمخالفة ما انزل الله عز وجل وكراهة لما انزل الله فهذا كفر لقوله تعالى: (ذلك بانهم كرهوا ما انزل الله فأحبط اعمالهم) ولا حبوط للعمل الا بالكفر كما قال تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون). واما ان يكون حكمه بغير ما انزل الله للتعسف والظلم مع رضاه بحكم الله عز وجل واعتقاده انه هو الخير لكن في نفسه ظلم وجور وتسلط بغير حق فهذا لايكون كافرا ولكنه ظالم. واما ان يكون حكمه بغير ما انزل الله لهوى في نفسه ومصلحة ذاتية ولا يريد ظلم احد ولا يكره ما انزل الله بل هو راض به معتقد انه حق فهذا يكون فاسقا ولايكون ظالما وقد نقل اهل العلم القول المشهور عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) بانه ليس الكفر الذي يبيح الدم والمال ولكنه كفر دون ذلك ولهذا يجب على الانسان ان يتوقف عن التكفير وان لايجرؤ عليه لانه لايجوز الحكم بالتكفير الا بشرطين. الشرط الاول: دلالة النصوص على ان هذا الشيء كفر اكبر مخرج عن الملة. الشرط الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين الذي فعله فاستحق به ان يكون كافرا مرتدا وعلى هذا فلابد ان يكون لدى الانسان علم بقواعد الشرع واصوله والجمع بين النصوص حتى يعرف الكفر الذي جاء في الكتاب والسنة هل هو الكفر الاكبر المخرج عن الملة أم لا؟ ولاة الامر @ الذين يتبنون الفكر التكفيري وخصوصا تكفير المعين هم اجرأ الناس على مسألة الخروج على ولاة الامر والحكام وأهل السنة والجماعة بينوا بصراحة ووضوح مايتعلق بهذا الموضوع فما الضوابط التي وضعوها لذلك؟ وما التوجيه الشرعي الصحيح للوقوف امام هذه الافكار الضالة؟ السمع والطاعة لولاة الامور في المعروف والتي تمثل اصلا من اصول اهل السنة والجماعة ومنهجا واضحا للسلف الصالح واساسا قويا وعاملا مؤثرا في تحقيق الامنين الفكري والمادي ولا نريد في ذلك ضوابط وتنظيمات من صنع البشر قد يقودها الهوى او تسوقها الشهوة والشبهة او يكون رائدها الجهل المدفوع بالعواطف وانما يجب علينا وعلى جميع افراد المجتمع ذكورا واناثا صغارا وكبارا طلاب علم او عامة وخصوصا ممن يخوضون في هذه المسألة الدقيقة والحساسة التي هي مزلة للاقدام ومعترك للافهام ان ننطلق من نصوص الكتاب والسنة الواضحة الصحيحة الصريحة الفاصلة وما فهمه السلف الصالح منه بعدل وانصاف ونزاهة وموضوعية بعيدا عن الترهات والمزايدات والمبالغات ولي اعناق النصوص والاخذ ببعض الدليل وترك البعض الآخر. وبناء على ذلك يكون القول الحق: ان ادلة الشرع ابانت هذا الاصل ايما ابانة ووضعت له اصولا وقواعد ينطلق منها فيه الامر الذي معه وضعت النقاط على الحروف فلا مجال للاخذ والرد والقيل والقال حيث اوجب الاسلام على كل مسلم ان يسمع ويطيع لمن ولاه الله امره في غير معصية الله في كل الاحوال والاشكال والازمان برضا وتسليم معتبرا ذلك دينا يدين الله به وعبادة يتقرب فيها اليه. الموعظة الحسنة @ الحكمة في التعامل مع الناس ودعوتهم الى الخير حث الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهما ونتائج هذه الحكمة دائما تكون ايجابية وبناءة ولكن بعض الناس يرى ان التلبس بالحكمة والتعامل من خلالها مع الاشخاص والحوادث والنوازل والوقائع على مختلف انواعها انهزامية وضعف وعدم قدرة على المواجهة وابتعاد عن الاخلاص في القول والعمل، فهل هذا صحيح؟ وما الرأي الشرعي المدعوم بالدليل لبيان ذلك؟ قبل الجواب على هذا السؤال لابد من بيان الحكمة ومالها من اثر على النفوس فالحكمة هي: كل كلمة وعظتك او دعتك الى مكرمة او نهتك عن قبيح. وادق من هذا قول ابي جعفر محمد بن يعقوب: (كل صواب من القول ورث فعلا صحيحا فهو حكمة).. وفي قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا). والحكمة كلمة عظيمة معناها الدعوة الى الله تعالى بالعلم والبصيرة والادلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق والمبينة له. وهي كلمة مشتركة تطلق على النبوة وعلى العلم والفقه في الدين وعلى الورع وعلى اشياء اخرى. وهي في الاصل كما قال الشوكاني رحمه الله الامر الذي يمنع عن السفه هذه الحكمة. والمعنى: ان كل كلمة وكل مقالة تردعك عن السفه وتزجرك عن الباطل فهي حكمة وهكذا كل مقال واضح صريح صحيح في نفسه فهو حكمة فالآيات القرآنية اولى بان تسمى حكمة وهكذا السنة الصحيحة اولى ان تسمى حكمة بعد كتاب الله وقد سماها الله تعالى حكمة في كتابه العظيم كما في قوله جل وعلا: (ويعلمهم الكتاب والحكمة) فالادلة الواضحة تسمى حكمة، والكلام الواضح المصيب للحق يسمى حكمة. وبمعنى آخر: فان الحكمة اتقان العلم، واجراء الفعل على وفق ذلك العلم، ومن شاء الله ايتاءه هذه الحكمة اي: خلقه مستعدا لذلك قابلا له من سلامة التفكير واعتدال القوى والطبائع فيكون قابلا لفهم الحقائق منقادا الى الحق اذا لاح له لايصده عن ذلك هوى ولا عصبية ولا مكابرة ولا انفة ثم يسر له اسباب ذلك من حضور الدعاة، وسلامة البقعة من المعاندين العتاة. فاذا انضم الى ذلك توجهه الى الله بأن يزيد اسبابه تيسيرا ويمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التيسير وحينئذ يتحقق له الخير الكثير كما في قوله سبحانه: (فقد أوتي خيرا كثيرا) فالخير الكثير منجر اليه سداد الرأي والهدى الالهي. ومن تفاريع هذا الخير مايتولد من قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار التوغل في فهمها واستحضار مهمها. ويتبين من مجموع ماسبق: ان الحكمة كلمة عامة تشمل الاقوال التي فيها ايقاظ للنفس ووصاية بالخير واخبار بتجارب السعادة والشقاوة وكليات لاصول الآداب فهي معرفة خالصة من شوائب الاخطاء وبقايا الجهل في تعليم الناس وتهذيبهم وتوجيههم. انها اسم جامع لكل كلام او علم يراعى فيه اصلاح حال الناس واعتقادهم صلاحا مستمرا لايتغير. والناس متباينون في طبائعهم مختلفون في مداركهم في العلم والذكاء في الامزجة والمشاعر مختلفون في الميول والاتجاهات مما يدعو رجل العلم والدعوة الى تخير المداخل المناسبة لتلك النفوس المختلفة والعقول المتباينة فان فيهم الغضوب والهادي وفيهم المثقف والامي وفيهم الوجيه وغير الوجيه بل ان ثمة كلمة لعلي رضي الله عنه يصف فيها القلوب كل القلوب بأنها وحشية فهو يقول: (القلوب وحشية فمن تألفها اقبلت عليه). انه يصورها رضي الله عنه وكأنها دواب متوحشة لاتعرف الالفة في طبعها. احدى ضحايا الارهابيين تدمير وتخريب يطال كل شيء