في ذكرى وفاة نزار قباني: أنا الحرف . أعصابه.نبضه تمزقه قبل ان يولدا أنا لبلادي ... لنجماتها لغيماتها ... للندى سفحتُ قوارير لوني نهوراً ومن شرف الفكر ان يصمد . في دمشق في الحادي والعشرين من آذار عام 1923 ولد نزار قباني في حي مئذنة الشحم الدمشقية بين الياسمين والتاريخ الدمشقي العريق، وتوفي في (21 آذار 1998 في لندن ) وقد مرت ذكرى رحيله السادسة هذا العام دون أي احتفالية من وسائل الإعلام السورية،كما جرت العادة في السنوات الماضية، رغم ان كاتبة سورية دعت في احدى الصحف السورية وقبل حلول ذكرى وفاته بشهرين تقريباً دعت الى منحه مساحة من الذكرى والتكريم لانها من حقه، ولكن يبدو ان هذه الدعوى لم تلق الآذان الصاغية فمرت ذكرى رحيله مرور الكرام ، ولكن هل من المعقول ان يُنسى هذا العلم في مسيرة الشعر العربي الحديث والذي اعتبر مدرسة شعرية في حين تقام احتفالية لشاعرة لا تجيد صف الكلمات ، ويُنسى( الشاعر والسياسي والمناضل ) . تخرج نزار قباني في كلية الحقوق بالجامعة السورية عام 1944، والتحق للعمل في وزارة الخارجية السورية، حيث شغل عدداً من المناصب الدبلوماسية في القاهرةوبيروتولندن وأنقرة ومدريد وبكين ، وإثر كتابته قصيدتين (هوامش على دفتر النكبة)و (خبز وقمر) التي هاجم فيهما التقصير العربي بعد هزيمة حزيران عام1967 طالب البرلمان السوري آنذاك بطرده من السلك الدبلوماسي ومحاكمته ، يقول قباني (بعد خمسين عاماً من كتابة الشعر تأكدت بأن مدير الشرطة هو المسؤول عن الثقافة وليس وزير الثقافة) ، ترك العمل الدبلوماسي وآثر التفرغ لعمله الإبداعي فأسس داراً للنشر في بيروت حملت اسمه، ونتيجة لظروف الحرب اللبنانية غادر بيروت عام 1982 ، الا ان الانتقادات لم تكن تطاله من السياسيين فقط ، بل إن العديد من المحافظين هاجموه وثاروا على قصائده التي شكلت خضة في عمق المجتمع العربي، ومن الذين انتقدوه علي الطنطاوي والزيات ،ولم يسلم نزار من الانتقاد حتى معجبيه، وهذا ما دعا أنور المعداوي إلى كتابة مقال (ثناءً وتقديراً ل نزار قباني) في مجلة (الرسالة) طالب فيه الشاعر بتغيير اسم ديوانه إلى (طفولة نهر) . جعل نزار قباني الشعر في متناول كل إنسان يهوى الشعر ويعشق الحرية، كذلك لم يبخل بأمسياته الشعرية التي كان يحرص على تقديمها في كل المدن العربية، وهذا ما جعل قصائده كالخبز والماء و الهواء ، تميز شعره بلغة خاصة تختلف عن لغة سواه من الشعراء من حيث حداثة (صوره وسلاسة عباراته). صدر ديوانه الأول (قالت لي السمراء) عام 1944 ليغير شكل ومضمون القصيدة العربية المتوارثة، حيث ادخل نزار قباني ألفاظاً وصوراً لم تتناولها القصيدة العربية قبله وكان له الفضل في تحويل صورة المرأة من جارية في معظم قصائد الشعر العربي إلى عالم يحتضن في طياته زهوراً وينابيع حنان: "حبيبتي إذا ما نموت ويُدرج في الأرض جثماننا إلى أي شيء يصير هوانا أيبلى كما هي أجسادنا ؟ وما يبست بعد أوراقنا يقولون :من نحن ؟ نحن الذين سنبقى وحين يعود الربيعُ يعود شذانا ،وأوراقنا إذا يُذكر الوردُ في مجلس مع الورد تسردُ أخبارنا ". عُرف عنه بأنه شاعر الغزل الا انه لم يكن بعيدا عن الاحداث التي تعصف ببلاده و شكلت هزيمة حزيران 1967 أثراً كبيراً على قصائده فانتقل شعره من الحب إلى السياسة والمقاومة. حين يغنى الشعر.. يعود لنزار قباني الفضل في تعريف الجمهور العربي على القصيدة الغنائية المفهومة، ففي قصائده الجمع بين اللغة العربية الأم واللغة العامية المحكية، ومن هذا التحول غنى من شعر نزار قباني اغلب الفنانين العرب من عبد الوهاب الذي قال لمنتقديه عندما غنى قصائد نزار قباني (هذا الزمن هو زمن شعر نزار) أما العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ فقد غنى قصيدتين لنزار قباني (قارئة الفنجان) ( ورسالة من تحت الماء) وكان يقول (أنا أكتب الشعر ونزار يغني) ،كوكب الشرق أم كلثوم غنت لنزار قباني قصائد سياسية ومنها قصيدته المعروفة (طريق واحد) التي غنتها أم كلثوم بعنوان (إلى فلسطين خذوني معكم) وقصيدة (والدنا جمال عبد الناصر) ،أما علاقة نزار قباني مع صوت فيروز والمدرسة الرحبانية فقد كانت أقرب من الروح إلى الجسد بل كانت مخاطبة الروح للجسد، فغنت له السيدة فيروز (لا تسألوني ما اسمه حبيبي)،وكذلك فقد غنت نجاة الصغيرة بصوتها الرقيق عدة قصائد منها (ماذا أقول له) و( ارجع إلي) و(أسألك الرحيل ) كما غنت له ماجدة الرومي عدة قصائد منها (كلمات) وغنى له خالد الشيخ (عيناكِ) . كان نزار قباني مفاخراً بشعره المغنى حيث قال (كنت أذهب لبيروت لأحافظ على لياقتي الشعرية وأتأكد بان الأمواج التي تنكسر على شطآن عين المريسة وصيدا وصور وطبرجة وجونية وطرابلس لا تزال تحفظ النوتة الموسيقية ل(رسالة من تحت الماء وقارئة الفنجان). وعلى الرغم من ان عمالقة الفن العربي امتعوا المستمع العربي بروائع نزار قباني سبعينيات القرن الماضي الا ان من اعاد الجيل العربي الذي تبع اغلبه الموسيقى الغربية هو الفنان العراقي كاظم الساهر بصوته الجميل وألحانه الرقيقة وإحساسه العالي فقد استطاع الساهر ان يقدم للشباب اجمل قصائد نزار ،وعن تعامله مع نزار قباني يقول كاظم الساهر: (كان يجلس أمامي مثل الملك يراقب عملي) .غنى كاظم الساهر أغاني عديدة وحصد عدة جوائز تقديراً لذوقه ولفنه المحترم. وفي ليلة باردة من ليالي لندن، وبعد صراع طويل مع مرض القلب الذي أتعبته السياسة وكان يداويه الحب الدافئ الا ان لغة السياسة الباردة الجامدة مثل صقيع لندن انتصرت عليه ورحل تاركاً خلفة قصائده ومحبيه: لا تشهقي... إذا قرأت الخبر المثير في الجرائد اليوميَّة قد يشعر الحصان بالإرهاق يا حبيبتي حين يدقُ الحافر الأول في دمشق والحافر الآخر في المجموعة الشمسية أرجوك أن تبتسمي .... أرجوكِ أن تبتسمي يا نخلة العراق، يا عصفورة الرصافة الليلية فذبحة الشاعر ليست أبداً قضية شخصية أليس يكفي أنني تركت للأطفال بعدي لغةً وأنني تركت للعشاق أبجدية. تقلد نزار قباني العديد من الأوسمة والشهادات تكريماً لإبداعاته الخلاقة منها جائزة جبران العالمية -سيدني -أستراليا. وسام الاستحقاق الثقافي الإسباني عام 1964. جائزة سلطان بن علي العويس للإنجاز العلمي والثقافي دبي 24/آذار1994. ميدالية التقدير الثقافي -الجمعية الطبية العربية الأمريكية عام 1994. وسام النار 27-أيار عام 1994. عضوية شرف في جمعية خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1994.