رفع مسدسه بيد مرتجفة وصرخ: (اريد اموالي), ونظر الى حسين بارتباك وهو يرى ابتسامته مالئة وجهه, لماذا لا يخاف حسين من مسدسه؟ واكد له انه سيقتله فورا اذا لم يعد اليه امواله, وسند ايجار مكتبه الذي تنازل عنه مؤكدا انه قبض المبلغ المخصص للتخلي عن المكتب وهو بكامل الأهلية القانونية..في الليلة السابقة خسر سعيد كل امواله على مائدة القمار, ايقن ان حظه يتعثر هذه الليلة فأراد ان ينسحب لكن اللاعب الجالس على يمينه منحه رزمة مالية وطالبه بالاستمرار في اللعب, لم يرغب رفاق اللعبة بانسحابه خاسرا, فأرادوا ان يستعيد ما خسره, وبدأت الرزم المالية الصغيرة تتجمع أمامه, لكنها لا تعوض ما خسره وعليه ان يضرب ضربته القوية ليستعيد المبلغ المفقود. ضربة واحدة وفجأة غابت الرزم المالية من أمامه, ضربة واحدة افقدته كل ما استعاده, ونصحه حسين بان يلعب على مكتبه المعروض للبيع, فإما يستعيد ما خسره او يفقد قيمة هذا المكتب. استمرت السهرة حتى الصباح, وخسر كثيرا, وربح قليلا, ولكنه لم يستعد امواله, اراد ان يربح ما يكفي لاستعادة قيمة المكتب واسترداد ورقة التنازل من حسين, لماذا يجافيه الحظ في هذه الليلة التعيسة؟ انتهت الليلة, وتثاءب الرفاق ولم يجمع ما يكفي لاستعادة مكتبه..وخرج سعيد من دوامة افكاره, وهو يرى حسين واقفا امامه بهدوء شديد, لم يصب بالخوف من مسدسه, وعليه ان يطلق طلقة واحدة في الفضاء ليجبره على اتخاذ خطوة جادة, يريد استعادة مكتبه مهما حدث, ولا يهم ما خسره في تلك الليلة, وسيتوقف عن لعب القمار فورا, انه يخسر كثيرا ولم يخرج رابحا من تلك السهرات المطولة الا في أوقات نادرة, وضغط على زناد المسدس فانطلق صوت الرصاصة مبددا هدوء الليل, تلفت حوله بسرعة, وايقن انه اوقع نفسه في مشكلة عويصة حينما لم ينتبه انه يواجه حسين في حديقة الفيللا المفتوحة على الأفق, ومن المؤكد ان سكان المنطقة سمعوا صوت الرصاصة وسوف يخبرون رجال الشرطة حتما.. نظر الى حسين المتجمد في مكانه وهو يحرك عينيه المستغربتين في كل الاتجاهات وكأنه ينتظر حدوث امر معين, ولم يحدث هذا الأمر, وفجأة أرتفعت ابتسامة على ملامح حسين حينما ظهر صوت قوي يطالبه بالتوقف عن متابعة اطلاق الرصاص لأنه محاصر برجال الأمن, كيف اتوا بهذه السرعة, وعلى الأرجح ان حسين ايقن انه سيقتحم فيللته ليستعيد امواله, فنصب له هذا الكمين الأمني وهو يعرف انه سيزوره بعد منتصف الليل حينما يغادر اكثر الموظفين في الفيللا الى منازلهم..القى سعيد مسدسه على الأرض ورفع يديه وهو يمتثل لأوامر صوت رجل الأمن المنطلق من ورائه, قبل لحظات سمع اصوات تهيئة البنادق والمسدسات لاطلاق الرصاص, انهم مجموعة من رجال الأمن على الأرجح, وعليه ان ينفذ اوامرهم بدقة ورضوخ, ولكنه لم يأت ليقتل حسين والدليل انطلاق الرصاصة في الفضاء. في قسم الشرطة اكد للمحقق وهو يملي على كاتب الضبط اسئلته واقوال المتهم, أنه ليس قاتلا, ولم يقتل طيلة حياته وهذا المسدس يملكه لحماية نفسه بعدما اخذ رخصته القانونية قبل عشر سنوات, ولم يستعمله حتى الآن, واتهمه المحقق بأنه قام بمحاولة قتل حسين واطلق الرصاصة الاولى ولم يصبه, وحينما هم باطلاق الرصاصة الثانية تدخل رجال الأمن الموزعون وراء اشجار حديقة الفيللا لمنعه من ارتكاب جريمته. ثروة ضائعة وراء القضبان قبع يندب حظه العاثر يخسر في القمار دائما, ولم يكون ثروة حتى الآن, وكل ما يجمعه من عمله في هندسة الديكور يصرفه على الموائد الخضراء, كان في البداية يلعب مع اصدقائه على مراهنات صغيرة, عشاء في مطعم, او سهرة في ناد ليلي, او زيارة يوم واحد الى بيروت, كان اللعب يهدف الى التسلية رغم ان خسائره لم تكن قليلة في بعض الأحيان, لكنها تضخمت بسرعة بعدما تعرف الى حسين الذي لم يكن من اصدقائه, ولم يكن يعرفه قبل ما يقارب السنتين, اسس له ديكورات فيللته, وبدأ بالتعرف الى اللاعبين الذين يأتون مرتين او ثلاث مرات في الاسبوع الى الفيللا الهادئة ليمارسوا لعب القمار. دعاه حسين للعب, ومنحه رزمة مالية, وقال له انها ستحسم من تكاليف ديكورات الفيللا حينما يخسرها, او يعيد اليه المبلغ اذا حقق الربح. وانغمس في عالم الأثرياء المتوافدين الى المائدة الخضراء في فيللا حسين, وبدأ يغيب عن نادي الرماية كثيرا ويفقد مواقعه البطولية, وفقد تواصله مع كل هواياته, وابتعد كثيرا عن اصدقائه, ولم ينتبه الى حاجته لتكوين أسرة وتأسيس بيت زوجي, فالليالي الساهرة استحوذت على افكاره وطموحاته بضراوة شديدة. امام قاضي محكمة الجنايات, حاول سعيد تبرير اطلاقه الرصاصة في منتصف تلك الليلة المشؤومة, روى حكايته مع القمار, ومع شلة حسين واصدقاء الماضي. ورقة تنازل وتقدم المحامي وشرح وجهة نظره مؤكدا ان موكله لم يكن يهدف الى قتل حسين, وكان يهدده لاعادة امواله, خاصة ورقة التنازل عن مكتبه, ولكن حسين كان محتاطا للأمر, وربما شعر في ليلة اللعب والخسارة بما سيحدث فاستنجد برجال الأمن, واخرج المحامي من جيبه ورقة ملأى بالخطوط وكأنها خريطة صغيرة, وقال للقاضي وهو يشير اليها: ان موكلي من ابطال نادي الرماية, ولن يجد صعوبة حتما حينما يريد توجيه رصاصته الى أي مكان في جسم حسين, ولكن الرصاصة لامست قمة عمود النور المرتفع عن الأرض ما يعادل ثلاثين مترا, هذا يؤكد ان موكلي لم يكن يريد القتل, مما يسقط عنه جريمة محاولة القتل..حين خرج سعيد من السجن بعدما امضى فترة الحق العام فقط اثر تنازل حسين عن حقوقه في الدعوى, ايقن انه محتاج لتأسيس حياة جديدة, وقرر ان يفتح مكتبا في شقته الصغيرة ليعوض خسائره السابقة ويشتري مكتبا جديدا, لكنه لم يتجه مباشرة الى بيته, ووجد قدميه تتجهان نحو نادي الرماية ليستعيد هوايته القديمة وبطولاته السابقة.