لم يعد يهم المكسب أو الخسارة ممارسة اللعب هو الأهم إلى كل من أصابه داء الطمع والجشع، وباعتبار المال عصب الحياة، وأن له بريقه الساحر يغرق فئة من الناس في بحر الكسب المحرم السريع والسهل، متناسين تعاليم الإسلام، ومهما ارتفعت الأصوات لكن الكاسب الحقيقي في نظر هؤلاء هو صوت المال، بغض النظر عن طريقة الحصول عليه إنهم كالذي يغمض عينه في رحلة نوم أشبه بالموت لا يصحو منها، إنه العاشق المتيّم عاشق القمار والميسر، فحاله مثل حال المرابي والسارق والسالب وقاطع الطريق. فالمقامر هو الذي دائماً يسعى لمكاسب كبيرة ولا تهزه الخسارة فالمهم أن يلعب ويلعب ويواصل اللعب، ولنطلق على بطلنا الولهان اسم أبوبخيت فهو الذي عشق الريال واستمات في سبيل الحصول عليه وبسرعة، وهذا يصدقه قوله تعالى: (وتحبون المال حباً جماً) «الفجر: 20) لم يتردد ذلك المقامر في أن يضع رجله على أول سلم للصعود إلى الهاوية يزعم أنه سيصبح ثرياً لكن هيهات، والغريب أنه عندما يخسر هو وشاكلته ويعض أصابع الندم وربما يبكي كالنساء وضرب يداً بيد على قلة البخت لا ينتهي عن ظلمه لنفسه، بل يصر على مواجهة الأعاصير وحب المغامرة الملعونة. وبطلنا يعمل موظفاً براتبب كبير إلا أنه سرعان ما يطير، إن المقامرين وربما قضى هؤلاء ساعات طوالا في الغفلة واللعب وباعتقادي أن بطلنا أبو بخيت لن يمنعه من اللعب سوى أن يقع مغشياً عليه في اثناء اللعب أو يفارق الحياة يا له من جنون فكلما تسلم هذا المسكين راتبه ذهب ضحية سهلة في فك هؤلاء الذئاب البشرية، الذين يلعبون معه، والغريب أن القمار داء ولكن هؤلاء العمي لم يكفوا عن جريمتهم النكراء ولعل القمار هو تسليتهم الوحيدة اضطربت أحوال صاحبنا أبو بخيت فبخته في احدى الليالي الحمراء كان سيئاً للغاية، حيث قبض راتبه وفي نفس اليوم قُبض على الراتب، قبض عليه أصحابه وهو ينظر إليهم وهو لا يستطيع المقاومة، رغم أن صاحبنا لا يشق له غبار في اللعب فهو مقامر من الدرجة الأولى مع ذلك لم يتعلم درساً ليس أمام أبو بخيت إلا الاستدانة حتى أورثه الله الفقر لم يبق ما يُباع عندما يجلس هؤلاء المقامرون على مائدة القمار ساعات طويلة لا يحسون بآلام ظهر أو رقبة أو عين؛ لأن مائدة القمار هي المكان الوحيد الذي ينسى أو يتناسى المقامر أوجاعه من أجل الثراء السريع واعجبني! أموال تهدر وأوقات تضيع وأعصاب تفور مثل التنور وحسنات تذهب في مهب الريح وسيئات تُكتسب. هلا رجع أمثال هؤلاء إلى عقولهم ونبذوا الطمع والجشع القاتلين هلا طوعوا أنفسهم على القناعة وطلب الرزق بالطرائق المشروعة حتى يكون التوفيق حليفهم وليبارك الله لهم، هلا أذعنوا لقول الحق قال تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) «البقرة: 268» فيغشاهم من الله ماطر رزقه فهو الرزاق ذو القوة المتين، يرزق من يشاء بغير حساب ومهما جريت جري الوحوش غير رزقك ما تحوش، رباه! امنح عبادك قناعة امنح الكفاف من كان أسيراً لشهوة الطمع والجشع وحب التملك، فالوصف الحقيقي لهؤلاء المقامرين إنهم خفافيش الظلام وبهذا الظلام يصبح العيش صعباً للغاية إهدار للمال وحصول عليه بطريق غير مشروع ومن دون وجه حق رحمك الله أيها الراتب، وكأن لسان حالهم يقول ما بالنا نشتكي والداء فينا نحو الهلاك سائرينا نمشي للغمار مثل المجانينا آه أيها الراتب وليت وولَّت أيامك قبض عليك في ليلة سوداء كسواد الفحم ويحك أيها المقامر هلا غسلت منك هذه الشوائب وصافيت الإله كي تنعم برضاه والحمد لله لأنني تعلمتُ درساً من هؤلاء واكتفيت أنا برزقي الذي رزقني إياه المولى عز وجل سواء بوظيفة أو تجارة رابحة حلالاً لأعيش بسلام قبل أن يُقبض علي مثل ذلك الراتب، وأصبح أشتاتاً مبعثرة في يد القمارين.