لم يشهد قطاع صناعي في سويسرا تدهورا مثلما هو الحال مع النسيج، فقد تقلص إنتاجه خلال العشرين سنة الماضية إلى الخُمُس، ولم يتبق سوى 7 معامل للنسيج فقط على قيد الحياة، وبعد أن كان هذا القطاع يوفر 40700 موطن عمل حتى عام 1992، تراجع هذا العدد إلى 18000 فقط في عام 2003. ولا تقتصر هذه الأزمة على معامل النسيج والتطريز فقط، بل تصل أيضا إلى صناعة الملابس، التي تعاني هي الأخرى من الاحتضار، بعد أن قامت أغلب الشركات بنقل خطوط إنتاجها إلى جنوب أو شرق أوروبا، حيث العمالة الرخيصة والمدربة في نفس الوقت وتكاليف الإنتاج المنخفضة. وكان اتحاد مصنعي النسيج قد طالب الحكومة بتقديم المزيد من التسهيلات لإنقاذ مواطن العمل من الضياع، في شكل إعفاءات ضريبية أو دعم لمواجهة نفقات الخدمات المرتفعة في سويسرا، وذلك بهدف الحفاظ على كيان هذه الصناعة في البلاد، مثلما كانت في مطلع القرن العشرين أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني، حينما اكتسب النسيج السويسري شهرة فائقة بسبب دقة تصميمه ونوعية التصنيع العالية التي قدمها للمستهلكين في الداخل والخارج. ومن أكثر الدول التي جذبت أصحاب معامل النسيج والملابس السويسرية إليها أسبانيا والبرتغال، ثم بدت رومانيا وتشيكيا وبولندا أكثر إغراء فتحول إليها البعض، بينما فضل آخرون الخروج بعيدا عن القارة الأوربية ليتعامل مع الهندوالصين. وينظر خبراء النسيج في سويسرا إلى أن التصنيع في دول أوروبا الشرقية أو البلدان ذات مستوى المعيشة المنخفض هو حل مثالي في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة والأسواق المفتوحة أمام كل ما هو مستورد ورخيص، ولا يرغب العاملون في هذه التجارة ترك المجال لمصانع الخارج لتحدد الأذواق والخامات التي تحل على السوق السويسرية، لذلك يتدخلون في التصنيع بشكل أو بآخر. ولهذا السبب تحرص نسبة غير قليلة من الشركات على الإبقاء على البصمة السويسرية على مراحل التصنيع وإن كانت أغلبها لا تتم في الداخل، فالتصاميم والابتكارات والآلات الحديثة المتطورة واختيار الخامات كلها تنطلق من سويسرا، وبعد انتهاء مراحل التصنيع في الخارج، يكون التشطيب النهائي والتغليف في سويسرا، وذلك ضمانا لمراقبة جودة التصنيع، وحفاظا على الاسم التجاري. وإذا كانت تلك اللعبة تسير إلى الآن لفائدة أصحاب الشركات الكبرى وشبكات التوزيع المتعددة المنافذ، فهي تأتي على حساب العمال في سويسرا الذين يفقدون مصدر رزقهم فقط لأن العولمة استباحت ذلك، فإنه من غير المنطقي أن تستمر على المدى البعيد، لاسيما وأن التصنيع بكميات ضخمة بات مصدر إزعاج للكثير من الدول. فقد بدأت الولاياتالمتحدة مثلا في وضع أطر قانونية لفرض رسوم جمركية مرتفعة على منتجات النسيج المصنوعة في الصين، وذلك لحماية منتجاتها الوطنية، وهو ما يضع الشركات السويسرية في مأزق لا مخرج منه إلا بالعودة تدريجيا إلى التصنيع في الداخل، على الأقل لضمان التصدير إلى سوق هامة مثل الولاياتالمتحدة، التي يكون لشعار صنع في سويسرا هناك وقع آخر.