في أماكن معروفة، وفي مواعيد محددة سلفاً، يتجمع هواة التفحيط وقائدو الدراجات، أغلب المواعيد تكون في العطل الأسبوعية، إلا ان الأماكن تتغير بشكل دائم، تجنباً لملاحقة رجال الأمن. ومن أجل الهروب من الملاحقات الأمنية، لجأ بعضهم للأحياء السكنية الضيقة، لصعوبة وصول سيارة دوريات الأمن لها، أو لسهولة فرار المخالفين من الموقع. ولا تخلو مواجهة رجال الأمن من العنف، الذي يبديه الجمهور، الذين يفوق عددهم في بعض الأحيان 1000 متفرج. فخلال السنوات العشر الأخيرة شهدت محافظات المنطقة الشرقية، كما هو الحال في أغلب دول الخليج، تزايداً ملحوظاً في أعداد هواة التفحيط بالسيارات، أو القيادة المحترفة للدراجة النارية، رغم كل الضغوط المعارضة لهذا التوجه، من قبل الأهالي ورجال الأمن. هذا الانتشار الواسع دفع أهالي بعض الأحياء السكنية إلى مطالبة البلديات بإضافة أرصفة لشوارع أحيائهم، لتضييق الشوارع الواسعة، أو وضع مطبات اصطناعية إضافية، لوضع حد لممارسي التفحيط أو التقليل من إزعاجهم. لذلك يواجه الأهالي الرافضون لهذه الممارسات ردة فعل عنيفة من قبل المتجمهرين، تصل للعنف أحياناً، فهم لا يتوانون عن قذف الحجارة على أي سيارة يتذمر صاحبها، بل تصل في بعض الأحيان إلى المجابهة والمشاجرات والضرب المبرح، حتى وإن كان يسير مع أطفاله. الهواية تزداد انتشاراً وتزايدت المطالبات بمنع المفحطين وقائدي الدراجات النارية في الأحياء أو الأماكن العامة بصورة شفهية لرجال الأمن، وعن طريق الشكاوى في الصحف المحلية على مدى السنوات الخمس السابقة. ومع ارتفاع وتيرة الرفض لحركات التمرد المراهقة والشبابية في الساحات والشوارع العامة، تأخذ ظاهرة قيادة الدراجات النارية والتفحيط انتشاراً بشكل أوسع، وتلقى ترحيباً أكبر، ليس لدى فئة الشباب أو المراهقين فحسب، بل وحتى لدى الكثير من الفئات العمرية، وبمختلف المستويات العلمية والمناصب الإدارية والاجتماعية. مواقع على الإنترنت وتتسع دائرة الرغبة لدى كثير من المحبين للهواية، أو الممارسين لها، ولا أدل على ذلك من انتشار المواقع الإلكترونية، التي تحكي بالصوت والصورة مشاهد الإثارة التي التقطتها مئات العدسات العاشقة. وتقوم هذه المواقع بالتعريف بأشهر المفحطين وقائدي الدراجات النارية، وتعرض حركاتهم الأكثر إثارة وتشويقاً. كما تنتشر أشرطة الفيديو والأشرطة الحاسوبية المدمجة (cd)، التي تعرض مشاهد التفحيط والاستعراض بالدراجات النارية، بإخراج فني يشد محبي ومتابعي الهواية. ولا يقتصر تداول هذه المشاهد على المنطقة، بل تتعداها لدول الخليج وأنحاء مختلفة في المملكة، وبأسماء مطلوبة وذات شهرة عالية بين أوساط الشباب. وتعرض أشرطة الفيديو التي تم تسجيلها خلال الاستعراضات غير النظامية في الشوارع، وعلى الكورنيش مهارات عالية في الدقة، وفي غاية الخطورة، وتبين درجة المخاطرة التي يتعرض لها الشباب أثناء ممارسة هذه الهواية، بدون ارتداء الخوذة الواقية، أو اتباع وسائل السلامة وأنظمتها، وموضحة مدى ما قد تحدثه هذه المشاهد من إرباك لحركة السير، أو إزعاج لمرتادي الكورنيش والأماكن العامة، أو الأحياء السكنية. تبادل الزيارات وأسهمت الأشرطة في التعريف ببعض الشخصيات المحترفة، وأثرت تأثيراً كبيراً عليهم، مما دفع عددا من الشباب في المناطق البعيدة أو الدول الخليجية المجاورة إلى زيارة المدن التي تقام فيها الاستعراضات، فقط من أجل مشاهدة هذه المهارات مباشرة. علي حيان، أحد اكبر مشاهير هذه الهواية، يقول: العروض التي يقدمها المحترفون في محافظة القطيف نادرة، وتستقطب عددا كبيرا من الشباب من مختلف المناطق، لمشاهدتها مباشرة، بعد أن ذاع صيتها، وانتشرت الأشرطة التي تعرف بها، وبالأشخاص الذين يقومون بها في المناطق الأخرى. فقد أتاحت هذه الهواية فرصة التعارف بين الشباب، ليس بين المناطق فحسب، بل وبين مختلف الدول الخليجية القريبة والبعيدة. ويحرص عدد من الشباب على المشاركة في كثير من النوادي الخليجية التي تهتم بهذه الهواية، بل إن كثيرا من الهواة يشارك في بعض المهرجانات الاستعراضية التي تقام في بعض الدول الخليجية، مثل مهرجان (هلا فبراير)، الذي يقام سنوياً في دولة الكويت الشقيقة. نادي تفحيط هذه المشاركات دفعت عددا من المحترفين في محافظة القطيف إلى المطالبة بإقامة ناد لهواة الدراجات النارية والسيارات، على غرار بعض النوادي الموجودة في الخليج. وأكد عدد ممن يمارسون التفحيط وحركات الاحتراف في قيادة السيارة والدراجة النارية الذين التقت بهم (اليوم) أن تحقيق مطلب كهذا سيلبي رغبة أغلب الشباب، كما سيحقق فوائد جمة، منها التقليل من المضايقات التي يسببونها للأهالي، وتحقيق مكاسب رياضية على مستوى الخليج أو على مستوى العالم. ويأتي إصرار الشباب على ممارسة الهواية على حساب النظام المروري، والحفاظ على سلامة الآخرين، وباءت كل المحاولات الضاغطة من أجل القضاء على هذه الرغبة، أو الحد منها إلى الفشل الذريع، فأصبح كثير من التجاوزات الشبابية المضايقة لبقية السائقين، والتي تعرقل حركتهم، مشهداً مألوفاً ومعتاداً، بل واستشرت الرغبة لدى كثير ممن هم دون سن الرشد في التقليد أو المحاكاة، حتى وصلت إلى سن الطفولة، فلم يعد من المستغرب أن تجد طفلاً يعبر بطريقته عن رغبته في المحاكاة، أو أن تشاهد ناشئاً يحاكي بدراجته الهوائية ما شاهده ممن يكبره سناً، من مهارات استعراضية. مأساة متكررة ورغم صور المأساة التي تخلفها بعض مجازفات التحدي الشبابي في هذا المضمار، والذي ينتهي بعضه بالموت المباشر، أو الإعاقة المزمنة، ورغم أن هؤلاء الهواة والمحترفين على اطلاع دائم، ودراية تامة بهذه الحوادث، مما يجعلهم أعلم الناس بعواقبها المفجعة، إلا أن ذلك لم يكن ليترك أي تأثير في نفوسهم، ليثنيهم عن هذه الهواية، فترى أحدهم يصر على مواصلة قيادة الدراجة، وبسرعة، ومن غير خوذة، مع أن شقيقه قضى نحبه بهذه الطريقة نفسها، وآخر يمارسها بإدمان، وبشكل جنوني، فهو لا يلبث أن يخرج من المستشفى إثر إصابته بحادث ارتطام أو انقلاب، حتى يعود في نفس الأسبوع، وبحماس أشد من ذي قبل. وتتعدى هذه الرغبة المراهقين، فقد تشاهد أبا في الثلاثين من عمره، يحمل طفله الصغير على دراجة نارية، مستعرضاً بحركات خطرة قد تهلكه وابنه في أقل من ثانية، ويتكرر المشهد ويتواصل. إنشاء ناد وفي محاولة لقراءة أفكار هؤلاء الشباب، واستطلاع آرائهم عن كثب، التقت (اليوم)، لمناقشة رؤاهم، فكانت النتيجة أن طالب كل من التقينا بهم بإنشاء ناد لهواة الدراجات والسيارات، على غرار ما وفرته بعض دول الخليج للشباب في هذا المجال. فعلي حيان يطالب بإنشاء ناد، يحتضن ما سماهم بالموهوبين والمبدعين.. مبدياً استعداده للتعاون مع الجهة الرسمية التي تتبنى هذا المشروع، في وضع الأسس التي يقوم عليها النادي. وأيده علي العصفور (26 عاماً) الذي يحترف قيادة الدراجة النارية.. مؤكداً رغبة كل الشباب لمثل هذه النوادي.. مبدياً امتعاضه من الطريقة السلبية التي يتعامل بها رجال الأمن وغالبية الناس مع قائد الدراجة النارية، حتى وإن لم يخالف الأنظمة والقوانين.. مؤكداً على أن قيام مثل هذا النادي من شأنه أن يحد، وبشكل كبير، من كل الظواهر التي يبدي الناس ورجال الأمن انزعاجهم منها. ويستعرض العصفور فوائد إنشاء النادي، سواء من ناحية السلامة، كونها عنصرا مفقودا بين أوساط الشباب، كما أن النادي سيستقطب عددا من الشباب المؤهلين، الذين يمكن المشاركة بهم في مسابقات واستعراضات على مستوى العالمية، حسب تعبيره. وتوقع أنه سيكون لهؤلاء الهواة احترامهم بين أوساط المجتمع، حين يعترف بهم قانونياً، ويشاد بقدراتهم وإنجازاتهم الرياضية. في انتظار المشروع ويقترح الشاب حسين آل حيدر (24 عاماً) أحد متابعي التفحيط، أن يقام هذا المشروع في مكان بعيد عن المنازل السكنية، حتى لا يتسبب ذلك في إزعاج الأهالي وتذمرهم.. مشيراً إلى الأماكن الصحراوية الشاسعة، والتي يمكن استغلالها في هذا المجال. ويؤكد آل حيدر أن هواة هذه الهواية ينتظرون قيام هذا المشروع منذ زمن، وأنه وكثيرا من محبي هذه الهواية مستعدون لتقديم المساعدة في سبيل قيام هذا المشروع. كل الإمكانيات متوافرة ويرحب علي أمان رئيس الشؤون الرياضية بمكتب رعاية الشباب بمحافظة القطيف بالفكرة، ويرى أن قيام هذا المشروع يعتمد على ركيزتين متوافرتين في منطقتنا، الأولى توفر العنصر الشبابي المتلهف والمحترف في هذا المجال، والذي يتزايد عدده يوماً بعد يوم، والثاني هو توفر المساحات الصحراوية الشاسعة.. يقول: نمتلك هذين العنصرين الهامين، وتتوافر في المنطقة الشرقية مساحات شاسعة، يمكن استغلالها في هذا المجال. ويشير أمان إلى أن قيام مثل هذا المشروع يكفل تنظيم هذه الطاقات الشبابية، وإخراجها من حيز المخالفة النظامية والمقت الاجتماعي، إلى حيث يمكن المنافسة بهم على مستوى العالم.. متسائلاً: ما المانع في النظر لمطلبهم، وتحقيقه إذا كان مناسبا، فما يقومون به يعد إحدى الرياضات العالمية المحببة لدى الشباب، في أغلب دول العالم.. مضيفاً: ان مثل هذا المسعى يعد أحد أهداف إدارة الترويح والرياضة للجميع في الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. حاثاً رجال الأعمال على التبرع بأرض مناسبة، يتم تسليمها للرئاسة، وتقوم على إعدادها لهذا الشأن، وفق المتطلبات. وحول آلية القيام بهذا المشروع يقول أمان: متى ما توافرت الشروط اللازمة للأرض، من حيث الموقع والمساحة والإمكانية، فإن كثيرا من الشركات المتخصصة يمكنها إعداد هذا المشروع بشكل متكامل.. مشيراً إلى ضرورة إشراك الشباب في الرأي والمشورة، ومحاورتهم، وأخذ مقترحاتهم. إشراك الشباب وحول الاقتراب من العنصر الشبابي المتحدي للنظام يؤكد أمان على ضرورة إعطاء الشباب دورا رياديا، للتقليل من حالة العصيان والتمرد.. ضارباً لذلك مثلاً بإتاحة الفرصة أمام أصحاب الدراجات النارية بعمل استعراض جماعي، من خلال مسيرة دراجات نارية، بزي موحد، وتشرف على ذلك الجهات المعنية في بعض المناسبات، فمن شأن ذلك أن يقنعهم بدورهم الفاعل في المجتمع. وحول الفوائد التي يمكن أن نجنيها من قيام النادي يقول علي أمان ان هذا المشروع سيعيد للشباب الثقة بأنفسهم ويعطيهم الصبغة القانونية التي يحترمهم من خلالها أفراد المجتمع.. ويضيف: بقيام هذا المشروع سنكسب نشاطا جديدا، ليس له سابقة، كما إن هذه الأنشطة يمكن أن تقلل من مشاكل الشباب، التي تؤدي بهم في النهاية للانحراف. النادي وحده لا يكفي من الناحية النفسية يوضح اختصاصي علم النفس أسعد علي النمر أن إنشاء ناد لهواة السيارات والدراجات النارية من شأنه الحد من الظواهر السلبية، مثل التفحيط في الأماكن العامة، وكذلك القيادة غير النظامية.. لافتاً النظر إلى أن هذه النوادي لا تعتبر حلاً حقيقياً، ما لم ترافقها إجراءات أخرى، مثل الحد من مصادر الضغوط الاجتماعية، التي يعتقد أنها من الأسباب الرئيسية لتمرد المراهقين على أنظمة المجتمع، كتوفير فرص عمل للعاطلين.. مؤكداً على البدء العملي، لفهم سلوك المراهقين، على ضوء بيئاتهم المحلية من خلال إجراء دراسات ميدانية منضبطة، تشرف عليها الجامعات. ويرى النمر أن افتراض أن مثل هذه النوادي سيكون الحل الشافي لامتصاص طاقة المراهقين، وهو افتراض تشوبه الدقة.. معللاً ذلك بأن مشكلات المراهقين ليست محصورة في هذه الممارسات، بل في وجودهم ككائنات بشرية، لديها طاقة نفسية وجسدية شاملة، تحتاج إلى فهم واستيعاب، ثم إلى برامج شاملة خاصة بهم، تعيد توجيهها، فتجعلها في مسارها الصحيح. التفحيط مظهر للتنفيس وعن نزوع الشباب والمراهقين إلى الاستقلالية عن سلطة الكبار، يقول النمر: إن عدم الاعتراف بأهمية توفير آليات اجتماعية تضمن تنمية الاستقلالية لدى المراهقين (عبر أنظمة التعليم مثلاً)، ستجعل منهم جماعات وأفرادا مناهضين للمجتمع.. مشيراً إلى خطورة إهمال تكرار الفشل الذي يواجهه الشاب، فمن شأنه أن يحوله إلى كائن عدواني، وقلق على وجوده.. واصفاً التفحيط والمخالفات المرورية للمراهقين قائدي الدراجات النارية والسيارات، بأنها مفرزات إحباط طاقتهم، ورغبة منهم في إثبات وجودهم.. معبراً عنها بأنها تنفيس انفعالي، وتأكيد للذات بطريقة عدوانية. وحول التبصير في هذا الشأن يوصي النمر بضرورة عقد اللقاءات المقننة بين المربين في الأسر وذوي الاختصاصات النفسية والتربوية، لتعريف المربين بدورهم التربوي الصحيح حيال أبنائهم الأطفال والمراهقين. الأطفال و التقليد ويبدي بعض الأحداث والأطفال رغبة، ومن سن مبكرة لممارسة التفحيط، والقيام ببعض أدوار الكبار في قيادة الدراجة النارية، ويلحظ بعض الآباء أبناءهم، ممن هم دون السادسة، وهم يحاكون بألعابهم الحركات نفسها التي يقوم بها الكبار في التفحيط. وأصبح من المشاهد المألوفة أن ترى كثيرا من الأحداث يمارسون التفحيط بطريقتهم الخاصة، سواء بلعبة تحاكي تلك الحركات المحترفة، أو عن طريق الدراجة الهوائية، التي استطاعوا من خلال بعض التجهيزات إعدادها بالشكل الذي يتمشى مع تحقيق المهارة المطلوبة في ذلك. وفي هذا الصدد يقول النمر: يتعلم الأطفال خبراتهم الجديدة، من خلال طرق مختلفة، منها ملاحظتهم للنماذج السلوكية التي تمر عليهم خلال حياتهم، سواءً في البيت أو الشارع أو المدرسة، والأطفال حينما يلحظون ما يفعله الكبار (المراهقون)، وهم يقودون سياراتهم ودراجاتهم النارية بطريقة معينة، فإن احتمال تعلم الأطفال هذه الأفعال كبير، ومن ثم يقلد الطفل هذه التصرفات. ويؤكد النمر على دور المؤسسات العلمية والمهنية في الحد من انتقال أثر تعلم الملاحظة لأفعال المراهقين، كما تتحمل نفس المقدار من المسؤولية كل من الأسرة والمدرسة الابتدائية، بهدف تنمية مهارات الطفل في اختيار أهدافه، وطريقة استجاباته، التي تشبع حاجاته بأقل الأضرار الممكنة. عروض خطرة تبحث عن احتراف الاحتراف النظامي للاستعراضات يؤدي إلى تحجيم السلبيات