كشفت دراسة اقتصادية حديثة عن وجود مساع اسرائيلية لتنفيذ خطط وبرامج لاقامة علاقات اقتصادية طبيعية مع الدول العربية المنتجة للنفط لتأمين حاجة اسرائيل من الطاقة والتقليل من تكلفة الاحتفاظ بمخزون احتياطي كبير فضلاً عما سيحدثه الاعتماد على الغاز الطبيعي من تقليل تكلفة توليد الكهرباء وصيانة البيئة الطبيعية بالاضافة الى انهاء حالة العزلة والمقاطعة العربية للبضائع الاسرائيلية. وتقدر الدراسة التي اعدها الدكتور محمد ابراهيم منصور مدير مركز دراسات المستقبل بجامعة اسيوط تحت عنوان "التطبيع مع العرب كاستراتيجية اقتصادية" رسوم تصدير طن واحد من نفط الخليج العربي الى غرب اوروبا عن طريق قناة السويس بحوالي 18 دولاراً امريكياً بينما اذا تم النقل بواسطة انابيب تمر عبر الجزيرة العربية وتصب في موانئ حيفا واشدود وغزة عن طريق ايلات فان هذا الترتيب سيحقق وفورات في حدود 3 الى 6 دولارات للطن الواحد. وتكشف هذه الدراسة عن نية اسرائيلية مبيتة لضرب المصالح المصرية في قناة السويس وخط انابيب سوميد واستبداله بخط اسرائيلي اخر يحتل موقع شريان الطاقة الاقليمي الذي سيوفر لها مصدراً رخيصاً للطاقة ويخلق لها واقعاً من التشابك الاقتصادي مع الدول المشاركة في هذا المشروع. وتؤكد الدراسة ان التطبيع بين العرب واسرائيل يصطدم بآخر معقل المواجهة العربية وهو احكام المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل التي قررتها رسمياً جامعة الدول العربية في عام 1948 وبالرغم مما اصاب المقاطعة العربية ضد اسرائيل من وهن نتيجة التطبيع الاقتصادي المحدود بين بعض الدول العربية واسرائيل الذي رافق اتفاقيات السلام منذ مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاق اوسلو الا انها ما زالت اهم آليات التفاوض وورقة ضغط مهمة في أي مفاوضات يمكن ان تبدأ بين العرب واسرائيل وتشير الدراسة الى ان الغاء المقاطعة قبل احلال السلام العادل والشامل قد يؤدي الى ضياع اخر اوراق الضغط العربي في مفاوضات السلام ويزيل من وجه اسرائيل اخر عقبة تهدد التنمية وتلحق بالاقتصاد الاسرائيلي خسائر تقدر بحوالي 10 الى 15% من ناتجها القومي. وتوضح الدراسة ان هذه الخسائر تتمثل في مقدار التعامل التجاري مع العرب فقط ولا يدخل في هذه النسبة الخسائر المرتبطة باعباء الانفاق العسكري والخسائر البشرية وتتراوح الخسائر التي نزلت باسرائيل من جراء المقاطعة منذ بدايتها وحتى الان بين تقديرين الاول عربي قام به مكتب المقاطعة العربية التابع لجامعة الدول العربية ويقدر هذه الخسائر بحوالي 92 مليار دولار والثاني اسرائيلي صادر عن اتحاد الغرف التجارية الاسرائيلية ويقدر خسائر المقاطعة بحوالي 45 مليون دولار. وتعقب الدراسة بان كلا التقديرين كبير فالاول يعادل اكثر من ثلثي(67 بالمائة) المنح والتعويضات وثلاثة اضعاف القروض التي تلقتها اسرائيل في تلك الفترة على حين يشكل الرقم الثاني ثلث هذه المنح والتعويضات وحوالي مرة ونصف قيمة القروض. وتشير الدراسة الى ان الدول العربية كافة تتعرض لضغوط مكثفة لانهاء المقاطعة الاقتصادية قبل الوصول الى تسوية شاملة وعادلة للصراع العربي الاسرائيلي وتتمثل هذه الضغوط في الانتقادات الامريكية لبعض دول الخليج لا سيما بعد حرب الخليج الثانية وقرار الحكومة الالمانية بعدم شرعية التزام الشركات الالمانية باحكام المقاطعة العربية لاسرائيل والتلويح بعقوبات اقتصادية باعتبار المقاطعة انتهاكاً لاحكام اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية واستغلال الضائقة المالية والمتاعب الاقتصادية للبعض الاخر للاعتراف الكامل باسرائيل وتبادل التمثيل الدبلوماسي معها، وتؤكد الدراسة ان المقاطعة لا تتعرض لضغط الحكومات الغربية فقط وانما هناك انتهاكات اخرى تتمثل في اختراق اسرائيل لقرارات المقاطعة الاقتصادية العربية حيث تشير مصادر اسرائيلية الى ان عدداً كبيراً من السلع الاسرائيلية يجري اعادة تصديرها الى بعض الاقطار العربية بعد اخفاء دولة المنشأ ومن خلال سلسلة من الوسطاء عبر بلد ثالث (قبرص في الغالب) ويتراوح تقدير هذه الصادرات بين نصف مليار الى مليار دولار سنوياً وهي تعادل نحو 10% من اجمالي الصادرات الاسرائيلية كما توجد استثمارات اسرائيلية مباشرة قيمتها 300 مليون دولار على الاقل فضلاً عن معاملات بعض رجال الاعمال العرب برعاية امريكية في أوجه نشاط اسرائيل مثلما هو الحال في المنطقة الحرة الاسرائيلية الاردنية التي تعفي منتجاتها من الرسوم الجمركية عند دخولها السوق الامريكية كما سارع بعض العرب غير مضطر لتطوير علاقاته الاقتصادية مع اسرائيل وتبادل التمثيل التجاري معها.