رئة بحرية صغيرة تعب هواء لم تثقله حرارة سوف تتقد عما قليل. نافذة من العشب الندي، نرقب منها أسرابا شتى من طيور لا نعرف أسماءها؛ تحط في ألفة بجوارنا، تلتقط رزق البكور وتتصاحب أجنحتها بالقرب من رؤوسنا. بضع نخلات انغرست، عنوة، في خاصرة الشاطىء الرملية. يبدو على جذوعها الرماد لفرط تشبعها بالملح، لفرط كوابيس العطش التي ابتعدت بها عن الينابيع في الاحساء. ألم تعلم بعد أن العطش هناك لايزال يفري أكباد أخواتها من شح المياه، من قلقها على فلاح تنكس رأسه الخيبة وهو يبصر بئره تنزف بالطين.. نخلات لجذوعها لون الحداد.. نخلات الزينة نحبها؛ كلما أجهشت الذاكرة وانهال عليها الصوت المغمور في مهاوي التعب: يعين الله على المشماس. عناق البحر.. عناق العشب.. عناق العصافير.. عناق البهجة بعيدا عن رمل الصحراء تثور زوابعه تنضج الرطب وتلهب رغيف السفر الى أماكن تعد بالسلوى وبالنسيان القليل. في الفجر يقل الرواد. يكثر محبو الرياضة وصائدو الأسماك بسحنهم الآسيوية.. نترك الأطفال في الأراجيح يتذوقون نعمة فراغها من الأيدي المشاكسة العنيدة، وعراك الأقدام على تسلق سلالم المتاهات الصغيرة. نترك الأطفال في صراخ البهجة ينطلقون خارج تحذيراتنا وخوفنا المبالغ فيه كلما رف أحدهم عاليا في أرجوحته يلامس خصل الهواء، ويدفعه حلمه إلى أبعد فأبعد. نترك الأطفال، ونلهو نحن أيضا بالتعليق على غربان تحط آمنة على أعمدة المصابيح الواطئة، غير عابئة بسواد العباءة. ربما، تظننا من نفس الفصيلة. لذا لا تهتم، وتنزلق بالقرب منا!! نشرب الضحكات، ونفتح الصدور لهواء لم يتعكر بعد، فيما الشمس تنعكس على سطح البحر وترافقنا المشي رواحا ومجيئا. ثمة رائحة غريبة بدأت تطفو وتداهم أنوفنا.. رائحة غريبة على صباح بكر. بحماسة صياد نصب فخه جيدا.. أمسكنا بخيط الرائحة.. عامل التنظيف البنغلاديشي يندس في قفص بجوار أحد الأكشاك.. ينتظر صباح العمل الضاري. عامل التنظيف ببذلته البرتقالية أدار ظهره للبحر، للشمس، للعشب، أدار ظهره للجمال، وشرع يعب الدخان. من القفص كانت اليد وحدها تبرز وتختفي، وعقب السيجارة لا يريد أن يسقط.