عرق القدر جدتي هي التي نصحت أمي بأن تسقيني «عرق القدر»! كنت قد تجاوزت من العمر سنة ونيف ولم أنطق حرفاً واحداً.. عالجت جدتي قلق أمي علي بإبداء نصيحتها المتوارثة (اسقيه من عرق القدر وسينطلق لسانه كالبلبل). فدأبت أمي، عند كل طبخة تطبخها، تجمع لي في فنجان ذلك الماء الذي يعلق بداخل غطاء القدر من بخار محتوياته، تبرده قليلاً، وتسقيني إياه.. تحققت نبوءة جدتي. انحلت عقدة لساني.. أدمنت التغريد حتى وأنا خلف هذه القضبان! الحاوي حشوت جسدي بخيباتك.. وهذيانك.. وعقدك.. ثم أخذت تستهزئ من منظره المكتنز! الجدة كلما تأوهت وجعاً التف حولها الأبناء والأحفاد.. وغنت في بيتها عصافير الحب والحنان. أصبحت دائمة الشكوى لدرجة حيرت الاطباء الذين اجمعوا على تمتعها بكامل عافيتها! تجاعيد يتلذذ الضوء الأحمر، في استراحته، بالتلصص على الاطفال في السيارات المحشورة في عنق الشارع. ابتسم لبنت صغيرة تشير نحوه وتجهر بدرس تعلمته للتو: «الأحمر طماط.. الاخضر.. خيار.. والاصفر موز».. وضحك لما رد عليها اخوها بانشودته: «طائر النورس حلق.. حلق»! تابع بشغف حركة الولد، الذي في السيارة الحمراء، وهو يحاول التملص من ذراعي الخادمة ليرمي نفسه بعناد إلى المقعد الأمامي بجوار والده الغاضب. في المقعد الخلفي من المركبة السوداء تربعت طفلة لاهية بأغلفة الشيكولاتة والبطاطس.. على جانب السيارة الرمادية كان طفل يطرق النوافذ الخارجية مادا يسراه بعبوة مياه.. ومن يمناه يتدلى قفص صغير اخضر يتقافز فيه عصفور أزرق صامت. هطول اصابعي.. وأصابعك؟ صفصاف يشرب من نهر.. صدر أم يحضن طفلاً.. منارات لأسراب القبل الهائمة. اصابعي.. واصابعك؟ نخلات عاشقات.. يدغدغ عناقها خجل الشفاه.. ويغازل سحب المقل. اذا.. ضم إليك جذوع النخل.. ليمطر الكون رطباً جنياً. اشتعلت مواقد الحيرة في بطون جياع الأرض بعد ان ذاقت شهد الرطب. نهشهم فضول السؤال المنغرس كعروق نخلة: «من أين أتى»؟ لما أعياهم الجواب نبشت أصابعهم التراب.. صنعوا حفراً دافئة ندية أودعوا فيها النوى.. ورقدوا مطمئنين! الانقلابي لقد حققت حلمي.. عرفتهم وخالفتهم. كيف؟ حاصرتهم.. تشقلبت فوق رؤوسهم.. حبوب فوق احافير خطواتهم بالمقلوب. احسنت.. احسنت.. تستحق وسام الانقلاب عن تصميم.. هيا.. استعد.. سأعلقه لك على قفاك! حلمة تنام.. وثمة طفل يرضع دموع حلمتها من الداخل! مطر شائك قال لها.... ومع شروق الشمس.. سالت كلمته على جدران الغرفة.. مثل الدمعة. قال لهم..... ومع نهاية الاجتماع.. سالت كلمته على جدران القاعة.. مثل الدمعة. قال.... ومع فوزه في الانتخابات سالت كلمته على جدران البلد.. مثل الدمعة