يتحدث ضباط في شرطة خفر السواحل اليمني عبر جهاز اللآسلكي بعصبية واضحة، فثمة بلاغات تفيد بحدوث عمليات تسلل جديدة لنازحين غير شرعيين من منطقة القرن الأفريقي إلى الأراضي اليمنية. ثلاثة قوارب قادمة من الصومال قذفت على مقربة من الشاطئ اليمني بحوالي 150 متسللا معظمهم من النساء والأطفال. يقول الضابط (ح.ج) الذي يعمل ضمن فرق مكلفة بضبط علميات التسلل على الشريط الساحلي لملتقى البحرين العربي و الأحمر إن عملية التسلل غير الشرعية هذه ليست سوى حالة واحدة من عدة عمليات تستمر يوميا من السادسة مساء وحتى ساعات الفجر.. ينجح البعض بالتسلل ويتم أحيانا ضبط المتسللين غير أن المحزن في الأمر أن تجد امامك على الشاطئ جثثا لنساء واطفال قذف بها الموج بعد أن فارقوا الحياة غرقا. تقول وزيرة حقوق الانسان في اليمن أمة العليم السوسوة إن اكثر من نصف مليون لاجئ يقيمون حاليا في اليمن. معظمهم من دول القرن الأفريقي (الصومال، أثيوبيا، ارتيريا) وآخرين من السودان، العراق ومن جنسيات أخرى مختلفة. والعدد الأكبر من هؤلاء (حوالي 80 %) هم من الصوماليين الذين نزحوا الى الأراضي اليمنية بطريقة غير شرعية، في عمليات تهريب وسعة تقوم بها زوارق صيد صومالية تتولى نقل النازحين إلى مناطق قريبة من الشواطئ اليمنية الغربية والشرقية مقابل مبالغ مالية. وفي حين يفضل البعض الإقامة في اليمن ضمن مخيمات خاصة فإن العشرات منهم رجالا ونساء يتسللون إلى دول الجوار بواسطة شبكات تهريب منظمة. ويقول البعض: ان جماعات من اللاجئين تتولى تهريب المخدرات إلى خارج اليمن كما تقوم بتصدير الخادمات إلى دول الخليج غير أن المسئولين في الحكومة يعتقدون أن هذه الحالات إن وجدت فانها محدودة للغاية. الدكتور سعد العطار ممثل المفوضية العليا لشئون اللاجئين يؤكد أن عدد اللاجئين المسجلين رسميا يصل حاليا إلى 86 الفا و700 لاجئ فقط بينهم 79 الف لاجئ صومالي والبقية من جنسيات مختلفة.. أما بقية العدد فقد دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية.. في حين تتحدث تقديرات حكومية عن وجود اضعاف هذا العدد مندمجين في أوساط السكان بطريقة غير شرعية. وتكشف الإحصائيات الرسمية أن متوسط عدد النازحين الأفارقة الذين يصلون الى اليمن سنويا يتراوح بين 12 14 الف نازح، بمتوسط يومي يصل الى 35 نازحا من الرجال والنساء والأطفال. ويقول المستشار القانوني بمكتب المفوضية السامية للاجئين خالد فنصة أن المكتب رصد خلال السنوات الثلاث الماضية حوالي 50 الف نازح صومالي جميعهم سجلوا أثناء محاولتهم التسلل إلى الأراضي اليمنية عن طريق البحر. ويعتقد بعض المسئولين أن عمليات التسلل للنازحين كانت قد تراجعت إثر الاستقرار النسبي للأوضاع السياسية في الصومال.. لكنها عادت وسجلت في السنوات الأخيرة تزايدا لافتا.. كما تبين أن الكثير ممن تولت مفوضية شئون اللاجئين بالتعاون مع الحكومة اليمنية ترحيلهم إلى بلدانهم سرعان ما يعودون إلى الأراضي اليمنية لأسباب مختلفة. و قامت السلطات اليمنية بمحاولات كثيرة للحد من عمليات التسلل غير الشرعي إلى اراضيها إلا أن المسئولين يجمعون على فشل جميع تلك المحاولات. وبالمثل منيت الكثير من البرامج التي تبناها مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئن بالفشل ولم تتمكن حتى اليوم من تنظيم اقامة وترحيل الاجئين خصوصا بعد أن انخرط الكثير منهم في المجتمع اليمني. وافتتحت الحكومة بالتعاون مع مكتب المفوضية أخيرا ستة مراكز تسجيل دائمة للاجئين توزعت على المحافظات الرئيسية التي يصل عبرها اللاجئون وهي (صنعاء، عدن، حضرموت، شبوة، الحديدة، تعز) كمخيمات اضافية إلى جانب معسكرات اللجوء التي اعدت منذ سنوات في محافظاتعدن وأبين وشبوة. مشكلات مشتركة يقول المسؤولون في الحكومة ان اليمن دأب ومنذ حوالي عقدين من الزمان على تحمل مسؤولياته الدولية في استقبال وإيواء النازحين انسجاماً مع مبادئ القانون الدولي ومع الاعتبارات الإنسانية والقانونية كونه إحدى الدول الموقعة على اتفاقية عام 1951 وبروتوكول 1976 بشأن اللاجئين. وطبقا لهؤلاء فقد كان اليمن واحداً من أكثر البلدان التي استقبلت اللاجئين الفارين من ويلات الحروب المستعرة في بلدان منطقة القرن الإفريقي وأهمها الصومال وإريتريا وإثيوبيا، التي كانت تشكل مركزاً للصراعات في منطقة القرن الإفريقي لسنوات. واتجهت الحكومة إلى إنشاء المخيمات الخاصة باللاجئين في عدد من المحافظات لإيوائهم وتوفير الخدمات الضرورية لهم بالتنسيق مع المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين وهيئة الأممالمتحدة التي وقعت مع اليمن اتفاقا باستقبال النازحين واقامة معسكرات الإيواء لهم تحت إشراف الأممالمتحدة. ويشير بعض الاختصاصين الاجتماعيين إلى أن الدور الذي لعبته اليمن في هذا الشأن أفرز العديد من المعضلات خاصة بعد التوسع الهائل الذي شهدته عمليات نزوح اللاجئين وتزايد عمليات التسلل غير الشرعي إلى الأراضي اليمنية والإقامة فيها لدرجة أن البعض أصبح يصف اليمن بأنه الملجأ الكبير للنازحين الفارين من الحروب والمجاعات المنتشرة في منطقة القرن الإفريقي. تنظيم قانوني إزاء التزايد الكبير للآجئين وعدم قدرة الحكومة في حماية شريطها الساحلي الممتد لأكثر من 2200 كيلو متر تعتقد الحكومة اليمنية أن الطريق الوحيد لحل هذه المعضلة يكمن في اصدار قانون خاص باللاجئين من شأنه تنظيم عمليات الاستقبال والاقامة للآجئين في الأراضي اليمنية. وتقول وزيرة حقوق الأنسان أمة العليم السوسوة التي ترأس حاليا لجنة حكومية مشكلة لإعداد مشروع القانون الخاص باللاجئين إن اليمن تعد من الدول القليلة في المنطقة التي تفكر جديا الآن في إصدار قانون وطني للجوء.. باعتباره صيغة افضل للتعاطي مع ظاهرة اللجوء من شأنها أن توفر الحقوق للاجئ وفي نفس الوقت تضمن حماية هذا البلد وحقوقه. وتؤكد الوزيرة السوسوة أن الكثير من المتغيرات التي شهدها العالم أخيرا والتي فرضت على البلدان ترتيبات أمنية جديدة جعلت من وجود قانون خاص باللآجئين موضوع في غاية الأهمية كونه يتعلق بامن البلد وأمن جيرانه أيضا.. "والأهم من ذلك أن هؤلاء الناس لهم احتياجات إنسانية لا بد من التعاطي معها. وفي شأن اهمية هذا التشريع ترى السوسوة أنه طالما لدينا حدود مفتوحة ومساحة بحرية هائلة لاتستطيع حمايتها بطريقة جيدة فالأولى أن تتم حماية البلد بطريقة قانونية نوفر حقوقا قانونية للاجئين.. الهدف الأساسي من وجود تشريع خاص باللاجئين هو تنظيم عملية اللجوء، خصوصا أنه لايوجد أي تشريع قانوني ينظم هذه العمليات. وتبدي الوزيرة السوسوة كغيرها مخاوف من تأثيرات اجتماعية قد تنشأ مع مرور الوقت خاصة بعد أن اندمج اللاجئون في النسيج الاجتماعي اليمني وتعتقد لذلك أن الأوضاع الاقتصادية في البلد كلما تدهورت فان مشاعر الكراهية تتجه نحو مجاميع من خارج البلد لانها في نظر الناس سبب في المشكلة الاقتصادية.. مما يؤدي إلى احتقان المشاعر وتوتر الأجواء اكثر وأكثر.. ونحن نريد أن نستبق الأمور قبل أن تحل الكارثة. مشكلات معقدة يبدو الحديث عن التأثيرات السلبية لظاهرة اللجوء متشعبا.. ففي حين تعاني الحكومة اليمنية من تأثيرات سلبية كثيرة تقول أنها ناتجة عن مشكلة اللجوء فان اللاجئين انفسهم يعانون ايضا من مشكلات اقتصادية وقانونية وأخرى سياسية واجتماعية ونفسية، وجميعها ناتجة عن الظروف الاقتصادية السيئة التي يعانيها اليمن. ويوضح الدكتور الشرجبي أن مشكلات اللاجئين في المجتمع اليمني باتت مركبة ومعقدة؛ ففي الجانب الاقتصادي يعاني المجتمع اليمني من ندرة فرص العمل ويتصف بارتفاع نسبة الإعالة، مما يجعل فرص اللاجئ في الحصول على عمل نادرة ويكتنفها تعقيدات إجرائية عديدة أبرزها ما جرى في اليمن مجرى الإجراء القانوني والذي يتمثل في توفير ضمان تجاري لطالب العمل سواء كان يمنيا أم لاجئا. وفي الجانب الاجتماعي والقانوني تبدو المشكلات التي تواجه اللاجئين تكمن المشكلات التي يواجهها اللاجئين في صعوبة اندماجهم في المجتمع المحلي، و جهل كثير من منفذي القانون في الجمهورية بقواعد وشروط إقامات وتنقل اللاجئين والبطاقات التي تمنحها السلطات لهم للقيام بذلك. ونظراً لتدني أجور اللاجئين وندرة فرص العمل يقوم اللاجئون باستئجار منازل مشتركة لثلاث أسر في شقة واحدة وربما اكثر من ذلك. ورغم المرونة التي تبدو في تعامل اللاجئين مع الظروف إلا أن المواطنين اليمنيين يتخوفون كثيرا منهم باعتبارهم السبب الأول في دخول وانتشار بعض الأمراض الخطيرة مثل مرض الإيدز، وانتشار الجريمة وبخاصة منها جرائم التزوير وترويج المخدرات وارتكاب الأفعال الاباحية.