سبق ان كتبت عدة مقالات ادارية تناولت الواسطة والفساد الاداري تلك المشكلات التي اصبحت تؤرق المجتمع بمختلف طبقاته، بالاضافة الى تسببهم في تعطيل مصالح المواطنين. لقد سألت نفسي مرات عديدة هل الموظف يتسلم راتبا من اجل العمل؟ ام يعمل من اجل الراتب؟ الفرق كبير. انها اعزائي اساءة استخدام السلطة في الكثير من الاحيان. ان العمل في الاجهزة الحكومية اصيب بحالة ترهل مزمنة، ولم يعد ل (راجعنا بكرة او بعد بكرة مكان) في زمننا هذا، وحلت محلها راجعنا بعد اسبوع او شهر او سنة كمواعيد المستشفيات او بعد عشرين سنة كصندوق التنمية العقارية.. لا يبدو ان هناك محاولات جدية لا من الموظفين انفسهم ولا من الجهات المسئولة في محاسبة اي متسبب في تعطيل مصالح المواطنين، وهذه البيروقراطية اصبحت السبب الرئيسي في التعطيل والتي انعكست على انتشار الفساد الاداري بشكل مخيف تحت عدة مسميات، في ظل سياسة التعتيم وسرية القرارات وغياب دليل التعليمات التي تضعها الكثير من الجهات ستارا لها. ان مراجعة المعاملات في بعض الوزارات اصبحت تمثل كابوسا لدى المواطنين، فالعمل يدار بنفس الاسلوب الذي يدار به منذ ثلاثين سنة دون تغيير او تحسين في اسلوب ادارة الخدمة كيف نتوقع تحسنا في الاداء الحكومي ومازلنا نعيش على البصمة وختم التوقيع (المهر) والتعريف من عمدة الحي، بالرغم من وجود بطاقة احوال مدنية ممغنطة بها جميع المعلومات التي تخص المواطن؟. في الوقت الذي نحتاج فيه الى اجازة اضطرارية لمدة ثلاثة ايام على الاقل لمراجعة معاملة في بعض الوزارات، نجد بعض الدول والاقل امكانيات من تلك الموجودة لدينا، خطت خطوات جبارة في تحسين اداء الخدمة، سواء بالطريقة التقليدية او عن طريق الانترنت، يدار الكثير من اعمال المواطنين وهم في منازلهم. عندما سمعت منذ حوالي سنتين تقريبا تصريحات من بعض المسؤولين في القطاعات الحكومية، بان الحكومة الالكترونية، ستبدأ اعمالها في الادارات الحكومية بعد ثلاث سنوات استبشرت خيرا لعلها تنقذنا من الواسطة والفساد الادراي. وبالرغم من مرور سنتين تقريبا على اعلان هذا التوجه، الا اننا محلك سر، اذ لم نلاحظ وجود خطة معلنة لذلك، ولم نشاهد اي خطة اعلامية لتهيئة المواطن لهذه النقلة، والاهم من ذلك كله لم تبد لنا اي خطة للاستعداد والتهيئة للموظف الحكومي.. نحمد الله ان خطة تحول الحكومة التقليدية الى الحكومة الالكترونية لم تنجح، لان الموظف مازال يعيش حالة من الركود والاهمال في اداء الخدمة. ان التجاربة الالكترونية والحكومة الالكترونية تحتاج الى فكر وثقافة متقدمة، نحن بعيدين كل البعد عن هذا الفكر وهذه الثقافة.. انني لا اقول هذا للاحباط من اندماجنا في هذا المجال، ولكن جميع الظواهر لا توحي بأمل كبير وسريع في هذا المجال، فالقضية ليست في البرمجيات التي لم تعد بعيدة عن الايدي فهي موجودة على الارفف في كل مكان ولكن القضية في عقلية المستخدم الذي يستوعب المتغيرات الزمانية وثورة العالم الاتصالاتية. اذن نحن اليوم امام تحديات لا تقل اهمية عن الحكومة الالكترونية الا وهي صناعة الانسان واعادة تأهيله ليستوعب المتغيرات ويقبل التحديات التي تتسارع يوما بعد يوم. والاسئلة التي تطرح نفسها هي هل يمكن ان تنجح الخطة وهناك فجوة كبيرة بين ما تنوي الحكومة عمله وبين ما يشغل بال الكثير من المواطنين؟ هل يمكن ان تنجح الخطة ومستخدمو الحاسب الآلي لا يتعدون نسبة 20% من اجمالي عدد المواطنين والجزء الكبير منه لا يهمه الا ان يكون (هاكر)؟ هل ركزنا على اساسيات الحكومة الالكترونية - واقصد به البنية الاساسية- كالشبكات والاجهزة والانظمة، واخيرا وليس آخرا هل ركزنا على البدء في تغيير العقلية الادارية للموظف السعودي؟ المشكلة اذن اكبر من تطبيق الحكومة الالكترونية بكثير. اذا اردنا نجاح خطة الحكومة الالكترونية ليستفيد منها المواطنون، يجب ان نتخلص من تلك السلبيات، وان تبذل جهود حثيثة لاحداث تغيير في قناعة الموظفين، وتوجيههم نحو تقديم خدمة جيدة وسريعة للمواطن، وفي فهم الدور الحقيقي الذي يمكن ان تقدمه خدمة الانترنت في تسهيل حصول المواطن على الخدمات وفي توفير وقته ووقت الاجهزة الحكومية. ورغم هذه الرؤية الضبابية والنظرة المتشائمة القاتمة تجاه التسريع بالحكومة الالكترونية الا انني سأظل احلم بتطبيق الحكومية الالكترونية وسأبذل من خلال مشاركاتي المتواضعة في التثقيف لها، وسأطالب بالتسريع فيها وبأي شكل كانت. لذا ارسل نداء الى وزارة التجارة بالتعجيل بالحكومة الالكترونية. @ كاتب مستشار مالي واداري عضو الجمعية السعودية للادارة