في حنايا الانسان قوة خفية عجيبة لاتشاهد بالعين ولا ترى بالمجهر لا يعرفها التشريح.. فسبحان من خلق. هذه القوة اما ان تاخذ الانسان الى مشارف الفضيلة فيكون ورعا تقيا واما ان تنحدر به الى مهابط الرذيلة فيسوء حاله وينشأ شريرا خطرا على نفسه ومجتمعه (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها). فالحس الايماني في اعماق النفس البشرية يتحرك كذا الفطرة يلوم صاحبه يدعوه للخير ليزداد منه ويصرفه عن الشر مخافة الوقوع فيه.. وهذا غاية كمال النفس وصلاحها فتلك هي النفس اللوامة وقد يسميها البعض (الضمير) والبعض الآخر (الوجدان) وسماها الاسلام (القلب) كما ورد في الأثر الشريف (استفت قلبك وان افتاك الناس وافتوك وافتوك). ولقد ذهب اسلافنا رضي الله عنهم مذاهب في تبيان المراد بالنفس اللوامة فذكر الاصفهاني (انها النفس التي اكتسبت بعض الفضيلة فتلوم صاحبها اذا ارتكب مكروها. فهي دون النفس المطمئنة). وقيل: بل هي النفس التي اطمأنت في ذاتها وترشحت لتأديب غيرها فهي فوق النفس المطمئنة وذكر القرطبي: (انها هي نفس المؤمن الذي تراه دائما يلوم نفسه على الشر لم فعلته؟، وعلى الخير لم لا تستكثر منه؟) وذكر بعض المفسرين انه ليس من نفس محسنة ولا مسيئة الا وهي تلوم نفسها فالمحسن يلوم نفسه لو كان ازداد احسانا والمسيء يلوم نفسه الا يرتدع عن اساءته وعلى هذا فاستقامة النفس وصحوة الضمير، وحياة القلب وشعور الوجدان كل ذلك يجعل الانسان انسانا سويا يخاف ربه ويتقيه، ويخشى عذابه يصل الرحم ويقري الضيف ويرحم الكهل ويساعد الارملة ويعطف على الفقراء والمساكين والمعوزين ويتألم لحال المنكوبين ويرتدع عن كل رذيلة ويسارع الى الخيرات ويعامل الناس بمثل ما يحب ان يعاملوه فهو الانسان في بيته مع زوجته وولده وهو الانسان في متجره ومزرعته وهو كذلك في مصنعه وفي كل شؤون حياته. فما احوجنا الى هذا السلوك السوي والحس الايماني فلنعشق الخير ونصقل الروح ونصلح النفس ففي ذلك فلاح وصلاح. سئل ذو النون بم ينال العبد الجنة؟ قال بخمس: استقامة ليس فيها روغان واجتهاد ليس معه سهو ومراقبة الله في السر والعلن وانتظار الموت بالتأهب له ومحاسبة نفسك قبل ان تحاسب.