كان الحديث في المقال الأول حول الصراع بين العقل والقلب وحقيقته وماكان من قساوة هذا الصراع وتأثيره على سلوكيات الإنسان ... وفي هذا المقال نعرج على صراع أخر أيضاَ ولكنه بين هذا الإنسان بكامله ومع النفس ..نعم النفس .. فإن الصراع مع النفس عند بني الإنسان يمضي معه من منشأه وحتى ساعة موته فمرة يغلبها ومرات تغلبه. ولقد جبل الله تعالى هذه النفس على طبائع متضادة فكما أنها أمارة بالسوء والشر إلا أنها لوامة ندامة رجاعة قال تعالى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وقال تعالى عن امرأة العزيز{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. وقال تعالى عن النفس اللوامة {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} فيضل الإنسان في صراعه مع نفسٍ من نفسين، نفسٌ تأمره بالسوء والشر والمنكر فإذا وقع فيه لامته الأخرى وعاتبته فندم وتاب ، فبمقدار قوة وصلابة كل نفس يكون الانتصار . وهذا هو الجهاد الذي حث الله تعالى عباده عليه وعلى الصبر فيه قال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} . لأن الله تعالى قد زين لهذه النفس الشهوات والملاذ اختبارا وامتحانا لها قال تعالى ( زين للناس حب الشهوات ) وأباح لهم التمتع بها في الدنيا والتلذذ بها قال تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. إلا أنه وضع لها حدودا في كل شيء ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) ولما خلق الله عز وجل النار زينها وحفها بالشهوات {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} فمن أرد السلامة والعافية فيتمثل أمر الله تعالى في صراعه مع نفسه فلا يفلت لها العنان فيلبي لها كل ما تتمنى وتطلب حتى ترديه في الهاوية. قال تعالى {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فإن الجنة هي المأوى ) فزجُرها عن غيها ، وألزمها كتاب ربها وسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم تنجو من مزالقها ومراميها ، وطنها وروضها لتزكو على إتباع الهدى والصلاح والتقوى . قال تعالى: ( قد أفلح من زكاها – وقد خاب من دساها ) لتنادى عند نهاية صراعك إذا انتصرت عليها بالبشرى والنجاة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ - ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً - فَادْخُلِي فِي عِبَادِي - وَادْخُلِي جَنَّتِي} وهذا هو الفوز العظيم كتبه محمد بن فرحان العنزي