منذ ثمانية وعشرين سنة، أطلقتُ أول تجربة لي في ما أُطلقُ عليه تسمية الذكاء التحادثي. وكانت شركة «يونيون كاربايد» قد عيّنتني للعمل مع 17 عامل مبيعات شديدي الفعالية، يواجهون خطر خسارة عرض على عقد بالغ الأهمية. وكان عملي يقوم على معرفة كيفية ترجيح الكفّة لمصلحتهم والتغلب على منافسيهم. وعلى امتداد أكثر من أسبوعين، جعلتُ المسؤولين التنفيذيين يؤدّون لعبة أدوار ويشاركون في أحاديث محتملة مع «عملاء»، وقمت بوضع رسم بياني لما يقولونه. وكانت الأنماط واضحة، فقد لجأ المسؤولون إلى «تصريحات» في 85 في المئة من الحالات، ولم تبقَ سوى نسبة ضيئلة قدرها 15 في المئة للأسئلة. والملفت هو أن كل أسئلتهم تقريباً كانت في الواقع تصريحات مموهة. تُعتبر هذه المشكلة شائعة. وغالباً ما يظن الناس أنهم يكلمون بعضهم البعض، في حين أن الواقع هو أنهم يتجاهلون بعضهم البعض في سياق الحديث، فيواصلون إلقاء خطابات، بدلاً من إجراء حوارات. إنّ هذا الأمر له شرح بيولوجي، وهو أنه عندما نعبّر عن أنفسنا، تطلق أجسامنا كمّاً أكبر من هرمونات المكافأة، وينتابنا شعور رائع. وتبدأ أجسامنا بالتوق إلى تلك النشوة، فنغضّ النظر عن الديناميكيات التحادثية. من الضروري أن نتعلّم كيف نتحكّم بهذه النبضات. ويُعتبر التواصل الواضح والخالي من الأحكام في الاتجاهين بالغ الأهمية لنجاح أي عمل على مستوى رفيع، مع العلم بأنه السبب الذي يدعوني إلى تمضية وقتي على تعليم الناس كيفية التحوّل إلى محدّثين أكثر ذكاءً. قوموا برصد مواطن الجهل لديكم. توقفوا عن: - الافتراض أن الآخرين يرون ما ترونه، ويشعرون ما تشعرون به، ويفكرون بما تفكرون به. - عدم الإقرار بأن الانفعالات تغيّر طريقة تفسيركم وتفسير الآخرين للواقع. - الافتراض أنكم تفهمون وتتذكرون ما يقوله الآخرون، في حين أنّكم لا تذكرون في الواقع إلا ما فكّرتم فيه بشأن ما قالوه. - التقليل من شأن الاحتمال بأن تكون لديكم مواطن جهل تحادثية. باشروا: - بتكريس الاهتمام للمجال التحادثي وتقليص وقت امتلاككم له. - بمشاركة هذه الفسحة عن طريق أسئلة استكشافية مفتوحة لا تعرفون الإجابات عنها. - بالاستماع من دون إطلاق أحكام على صعيد الأجوبة. - بطرح أسئلة للمتابعة. خلال مرحلة التدريب، بدأ فريق مبيعات «يونيون كاربايد» يلاحظ أنه كان يقوم بافتراضات، ويفسر بطريقة غير صحيحة، ويقفز إلى الاستنتاجات. وبدأوا يطرحون أسئلة استكشافية ويتنبهون أكثر إلى أجوبة عملائهم، ما وسّع نطاق مرجعيتهم وأعطاهم أفكاراً جديدة. ومن خلال القيام بذلك، قدّم المسؤولون التنفيذيون أنفسهم كشركاء يُظهرون ذكاءً تحادثياً أكثر من كونهم عاملي مبيعات، وفازوا بالعقد. (جوديث إي غليزر هي الرئيسة التنفيذية لشركة «بنشمارك كوميونيكيشنز» Benchmark Communications، ورئيسة مجلس إدارة معهد «ذا كرييتنغ وي إنستتيوت» The Creating WE Institute. إلى ذلك، ألّفت ستّة كتب، بما يشمل كتابي Creating WE و Conversational Intelligence، وهي مستشارة لشركات لائحة «فورتشن 500»).