بعض محبي الاسلام اليوم لاينقصهم اخلاص ولا حماس، ولكن ينقصهم العلم الصحيح والفقه الدقيق وحسن التدين، والاخلاص والحماس يولدان في زمن قريب، اما العلم والفقه فيحتاج الى وقت طويل وتعليم وتدريب وسلامة حواس وكفاءة معلم. ان من اعظم اسباب الانحراف الجهل والعزلة عن المجتمع وعدم اخذ العلم من اهله وغفلة الاسرة وان في بعضهم اعجابا بالنفس كبيرا، وهذه كلها من الصوارف عن الحق والفقه واخذ العلم من اهله وابوابه. وثمة سبب في الانحراف كبير، ذالكم هو الوقوع في دائرة الغلو. ان الغلو في دين الله هو والله سبب الهلاك، فلقد قال عليه الصلاة والسلام: (اياكم والغلو، فانما أهلك من كان قبلكم الغلو). الغلو مشاقة حقيقية لهدي الاسلام، واعراض عن منهجه في الوسط والاعتدال والرحمة واليسر والرفق. الغلو ظلم للنفس وظلم للناس، بل فيه صد عن سبيل الله لما يورثه من تشويه وفتنة وتنفير. الغلاة يتعصبون لجماعتهم، ويجعلونها مصدر الحق، ويغلون في قادتهم ورؤسائهم، ويتبرؤون من مجتمعات المسلمين، ويكفرون بالمعاصي، ويكفرون اهل الاسلام وحكام المسلمين، ويقولون بالخروج على ائمة المسلمين، ويعتزلون مجتمعات المسلمين، ويتبرؤون منهم، لايصلون خلف ائمة المسلمين في مساجد المسلمين. لقد وصفهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بوصفين ظاهرين خطيرين في قوله عليه الصلاة والسلام: (يقرؤون القرآن لايجاوز حناجرهم، يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان) اخرجه البخاري ومسلم. الوصف الاول: يقرؤون القرآن الكريم ولايفقهونه ولايدركون مقاصده، يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: (انهم انطلقوا الى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين). الوصف الثاني: استحلال دماء المسلمين: (يقتلون اهل الاسلام، ويدعون اهل الاوثان). يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: (انهم يكفرون بالذنب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين واموالهم، وان دار الاسلام دار كفر، ودارهم دار الاسلام). ولقد قال ابو قلابة: (ما ابتدع رجل بدعة الا استحل السيف)، فلا حول ولا قوة الا بالله يجمعون بين الجهل بدين الله وظلم عباد الله، وبئس الطامتان الداهيتان. ان مصير الغلة هو الهلاك بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون).. ومن اجل النظر في طريق الاصلاح وسبل العلاج فان اول ما ينبغي النظر فيه فشو الحوار النزيه المحتكم الى مسلمات الشريعة ومقرراتها وتهيئة الفرصة لكل راغب ان يسهم ويشارك بقدر ما لديه، فالحق للجميع، والدولة للجميع، والمصلحة للجميع، ولا يستبعد من ذلك احد ولو كان في فكره غلو او جفاء، فالفكر يعالج بصحيح الفكر والحجة والبرهان والجدال بالتي هي أحسن، فالأجواء المغلقة هي التي تولد الفكر المنحرف بطرفيه الغالي والجافي، بل لقد تحتكم الى القوة والعنف في حل اشكالياتها وفرض قناعتها. وان مما يشار اليه في هذا الصدد ما اقيم من حوار في الآونة الاخيرة بين فعاليات وفئات متعددة في هذه البلاد المباركة ذات رؤى واتجاهات كان لقاؤها طيبا، واجتماعها موفقا، وحوارها بناء، تجلى فيه الانفتاح، والاستيعاب وحسن الاستماع من الاطراف المتحاروة كافة وفق الله الخطى وبارك في الجهود، وهدى للتي هي أقوم. *من خطبة له بالحرم المكي الشريف الشيخ صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى