أكد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أن المملكة العربية السعودية واجهت عبر تاريخها الحديث العديد من التحديات الصعبة واستطاعت أن تتصدى لها بكل ثبات من خلال تطوير قدراتها الذاتية وتبنى المتغيرات دون الإضرار بنسيجها الاجتماعي.وبين سموه أن الفكر السياسي الإسلامي يرتكز أساسا على مراعاة مصلحة الأمة وأن الإسلام يعتبر صمام أمان للحد من التطرف والفوضى.جاء ذلك فى محاضرة لسموه أمام ندوة العلاقات الأوروبية السعودية في مركز السياسات الأوروبية في بروكسل.وفيما يلى نص المحاضرة . أصحاب السعادة .. الحضور الكرام.. انه لمن دواعى سرورى أن أكون بينكم اليوم مخاطبا مركز السياسات الاوروبية وبداية أود أن أعرب عن شكرى لاولئك الذين عكفوا على تنظيم هذا اللقاء واتاحة الفرصة لتعزيز سبل التفاهم وبحث أطر التعاون المشترك بين المملكة العربية السعودية والاتحاد الاوروبى وكذلك مع العالمين العربى والاسلامى. ان بلورة شراكة قوية وعملية فيما بيننا تبررها حقائق التاريخ والجغرافيا ومقتضيات المنطق فضلا عن المصالح المترتبة على حرية التجارة والعولمة الاقتصادية والتقدم التكنولوجى باتت تحتم علينا هى الاخرى زيادة الاتصال والحوار الصريح لتمكن من فهم بعضنا البعض بشكل أفضل خاصة فى ظل التحديات التى فرضتها علينا الاحداث الجسيمة التى تمر بها منطقتنا والتى أفرزت العديد من المفاهيم الخاطئة والافتراضات والمواقف المسبقة فى الجوانب السياسية أوالثقافية أو الدينية والتى ينبغى علينا مواجهتها لتفادى تأثيرها السلبى على مستقبلنا. ويسرنى أن استعرض معكم اليوم بعض الاقتراحات والروى سعيا لتحقيق هذه الغاية. بادئ ذى بدء أود التأكيد على قناعتنا الراسخة بأن التغيير والاصلاح يعتبران ضرورة ملحة فى العالم العربى اذا ما أردنا لطموحاتنا الصادقة نحو التقدم والتطور أن تتحقق وأن الاصلاح يجب أن ينبع من الداخل لضمان رفاهية المواطنين والاستجابة لتطلعاتهم نحو مجتمع مزدهر تسوده مبادئ العدل والمساواة فى الحقوق والواجبات كما أنه من المهم التأكيد هنا على أن الاسلام بوصفه ديانة وثقافة وأسلوب حياة ينبغى أن يضطلع بدور محورى فى المحافظة على عرى التماسك الاجتماعى والسياسى لا سيما فى هذه الفترة المضطربة. وعلى هذا الاساس بادرت المملكة العربية السعودية فى غضون السنوات الماضية بتبنى مشروع اصلاحى يهدف الى تحقيق مستقبل مشرق لمواطنيها واتسمت عمليات الاصلاح بالشمولية فى الطرح والتكامل فى التنفيذ والبرمجة فى التوقيت اخذين فى الاعتبار حقيقة أن الاصلاحات الجزئية والمحدودة لا تكفى لمواجهة التحديات أو لبلورة تطلعاتنا المستقبلية 0 ومن هذا المنطلق فقد وضع البرنامج الاصلاحى خططا شاملة تغطى الجوانب السياسية والقانونية والادارية والاقتصادية والتعليمية فى ذات الوقت. فعلى صعيد الاصلاحات السياسية انتهت الدولة من وضع النظام الاساسى للحكم الذى ينظم حقوق المواطنة ويحدد واجبات ومسؤوليات الحكم كما تم انشاء عدد من المؤسسات السياسية ممثلة فى كل من مجلس الشورى ومجالس المناطق ووضع جدول زمنى للانتخابات البلدية. وفيما يتعلق بالاصلاحات الادارية فقد اشتملت على اعادة بناء الهياكل الادارية للدولة مثل المجلس الاعلى للبترول والمعادن اضافة الى انشاء مؤسسات جديدة مثل المجلس الاقتصادى الاعلى والهيئة العامة للاستثمار والهيئة العامة للسياحة. وقد حظى النظام القضائى بالمملكة باهتمام أساسى من الدولة من خلال صدور نظام الاجراءات القضائية ونظام المرافعات الشرعية وانشاء هيئة مستقلة للتحقيق والادعاء العام. واشتملت الاصلاحات التنظيمية للمملكة على أكثر من خمسة وعشرين تشريعا حديثا فى مجالات الاستثمارات الاجنبية والتأمين والاسواق المالية والضرائب ومكافحة غسيل الاموال والمخالفات المالية اضافة الى استحداث عدد من الاجراءات لمكافحة الفساد. وفى اطار الاصلاحات الاقتصادية تم انشاء عدد من الهيئات التنظيمية لتسريع سياسات الخصخصة فى قطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات والمياه والكهرباء اضافة الى انشاء المناطق الصناعية والتقنية والاسواق المالية. وانطلاقا من سعى المملكة العربية السعودية الجاد للانضمام الى منظمة التجارة العالمية فقد أبرمت فى هذا الصدد عددا من الاتفاقيات الثنائية ومن ضمنها الاتفاقية مع الاتحاد الاوروبى. وادراكا من المملكة للحاجة الى الاصلاحات الاقليمية فقد ساهمت بفعالية فى انشاء الاتحاد الجمركى فى اطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية كما تقدمت بمشروعها الاصلاحى الشامل لجامعة الدول العربية والذى يؤكد على تبنى خطوات عملية لاتمام انشاء منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى بحلول عام 2005م . ومن نافلة القول ان نشير الى أن الاصلاح ليس هدفا فى حد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق الهدف ولضمان فعالية واستمرارية الاصلاح ينبغى توخى العديد من الاعتبارات ومن أهمها. 1 / يجب أن تلبي الاصلاحات المتوخاة الاحتياجات الاساسية للمجتمع. 2/ يجب أن تحظى الاصلاحات بالتأييد الشعبى والاجماع بقدر الامكان. 3 / أن تأخذ الاصلاحات فى اعتبارها الاجراءات النظامية والتوقيت المناسب لضمان انسيابيتها وعدم حدوث أى نوع من الارباك الناتج عن التغيير المفاجئ الذى قد يؤدى الى خلق بعض المعاناة للمواطنين. فالاصلاح ليس مجرد شعار أو حقل تجارب للمغامرين بل يستلزم ضمان قابليته للتطبيق والاستمرارية على أرض الواقع .. وفى هذا الاطار فان المملكة العربية السعودية تعمل على استشفاف وتبنى الاصلاحات المطلوبة بدلا من فرضها من أعلى مع الاخذ فى الاعتبار أهمية استيعاب الاصلاحات للرؤى والاتجاهات المتعددة السائدة فى المجتمع مع المحافظة على الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعى. وبناء عليه فقد أنشأت الدولة مركز الحوار الوطنى لتأصيل مبدأ الحوار الجاد تجاه مجمل القضايا والتى من ضمنها تطوير مستوى التعليم وظاهرة العنف والتطرف ودور المرأة فى التنمية والتطوير المؤسساتى ويستند هذا الحوار الوطنى على مبادئ التنوع فى الرؤى والتسامح فى الطرح وعقد المركز بالفعل جولتين ناجحتين من الحوار شارك فيهما ممثلون من كافة مناطق المملكة والتيارات الفكرية المتنوعة وفعاليات المجتمع المتعددة بالاضافة الى المشاركة الفعالة للمرأة السعودية. ومن الاهمية بمكان الاشارة الى انشاء الهيئة المستقلة لحقوق الانسان والتى تمتلك حق مساءلة أجهزة الدولة حيال أى شكوى ضدها أو انتهاكات من قبل هذه الاجهزة مع ضمانة استقلاليتها الذاتية التامة. تستند جهود المملكة الاصلاحية بشكل رئيسى على تطوير الموارد البشرية بما فى ذلك العنصر النسائى ففى الستينات قدمت المملكة أول نظام تعليمى حديث للمرأة وذلك على الرغم من المعارضة القوية من التيار التقليدى واليوم فان ما يشهده المجتمع السعودى من انفتاح تبرزه الحقائق التالية. 49 فى المائة من اجمالى عدد / 3 ر 4 / مليون طالب فى التعليم العام من الاناث. إن عدد الطالبات فى المرحلتين الثانوية والجامعية يتجاوز عدد الطلاب الذكور. إن أكثر من ثلث الوظائف المدنية فى الحكومة مشغولة من قبل العنصر النسائى وقد لا تختلف هذه الاحصائية عما هو قائم بالفعل فى بعض الدول الاوروبية. والى جانب التطور فى قطاع التعليم فقد حظى قطاع الصحة بنفس التقدم حيث ارتفع معدل الاعمار من 54 سنة فى العام 1975م الى 71 سنة فى العام 2000م الامر الذى وضع المملكة فى مصاف أعلى ثلاث دول من حيث معدلات الزيادة فى الاعمار فى العالم وذلك بناء على احصائيات الاممالمتحدة كما أن قطاع الاتصالات شهد طفرة مماثلة فى عدد الخطوط الهاتفية التى بلغت ما يقارب من 11 مليون خط بمعدل 47 خطا لكل مائة نسمة وما يقارب المليون مشترك فى خدمة الانترنت وتعد المملكة من أكبر الدول التى تمتلك خدمة التقنية الرقمية فى العالم العربى الامر الذى مكن المواطن السعودى من الاتصال بنظرائه فى العالم بكل حرية عبر بيئة الاتصالات المفتوحة ولا تزال الدولة سائرة قدما فى سياساتها الرامية الى ازالة أية معوقات للوصول الى المعلومات. وتتميز هذه الاصلاحات بالسير فى خط تصاعدى من خلال التطبيق التدريجى لخطواتها وذلك على الرغم من أن البعض يرى أن التدرج فى التغيير قد يبدو بطيئا أو أقل ابهارا للاخرين ولكن اذا أردنا للاصلاحات أن تدوم وتكون ذات فعالية فانه ينبغى أن تلبى تطلعات الشعب وأن تحترم ارادته مع الحفاظ على التماسك الاجتماعى الذى يحقق وحدة الوطن. لقد واجهت المملكة عبر تاريخها الحديث العديد من التحديات الصعبة واستطاعت أن تتصدى لها بكل ثبات من خلال تطوير قدراتها الذاتية وتبنى المتغيرات دون الاضرار بنسيجها الاجتماعى. ففى الخمسينات والستينات من القرن الماضى قال لنا من يعرفون بالخبراء ان الانظمة الثورية فى المنطقة سوف تؤدى الى انهيار دولتنا وفى السبعينات والثمانينات قيل لنا ان عوائد النفط سيكون لها تأثير سلبى ودائم على مجتمعنا وستوجد حالة من عدم الاستقرار المستمر لتركيبتنا الاجتماعية والسياسية وفى العقد الاخير من القرن الماضى قيل لنا أن التهديدات الخارجية المصاحبة للانخفاض فى عوائد النفط ستهدد بقاءنا كدولة مستقرة ومتنامية والان يقال لنا إن مجتمعنا عبارة عن خليط من المتزمتين والمتطرفين والذين لا يستطيعون تعريف مشاكلهم من الصعب عليهم حلها ولا تزال التنبؤات المتشائمة المتعلقة بمصير نظامنا مستمرة فى الطرح على نحو اعتباطى وجائر. وبلا شك فقد واجهت المملكة تحديات جسيمة فى الماضى كما أن التطورات الراهنة تطرح علينا العديد من التساؤلات الجادة غير أن دروس التاريخ ودلالاته تضع علامة استفهام كبيرة للسيناريوهات المتشائمة لهؤلاء الخبراء نتيجة لسوء تقديرهم وفهمهم الخاطئ لمدى صلابة المملكة العربية السعودية فى مواجهة التحديات وقدرة المجتمع السعودى على التكيف والابداع والحقائق تتحدث عن نفسها 0 فنحن باقون هنا وسنظل على هذه الحال بمشيئة الله . أصحاب السعادة الضيوف الكرام.. لا مراء أن هنالك حاجة الى الاصلاح فى العالم العربى بيد أن السوابق التاريخية تؤكد لنا فشل محاولات التغيير من الخارج ولعل خير مثال على ذلك هو فشل الحقبة الاستعمارية فى العالم العربى التى اتسمت بانتهاج السياسات المنسجمة مع المفهوم الاستعمارى لعبء الرجل الابيض كأسلوب للتحضر ان هذه السياسات لم تسهم سوى فى تأخير التنمية فى المنطقة وتأزيم أوضاعها وينطبق ذلك تماما على الحالة التى تحاول فرض تجربة تاريخية مختلفة على الاوضاع السائدة فى العالم الاسلامى أو المملكة العربية السعودية. ولنأخذ موضوع العلمانية على سبيل المثال والتى يستند اليها الغالبية العظمى من النقاد الذين يعتمدون على التجربة التاريخية الغربية لفصل الكنيسة عن الدولة ويريدون تطبيقها على امتداد العالم الاسلامى والمملكة، وبدون أدنى شك ان محاولة فرض هذه السابقة التاريخية على عالمنا الاسلامى لاتتواءم مع حقائق الواقع الدينى والتمسك به وبتعاليمه وقيمه. ففى المجتمعات الاسلامية فان الدين لا يشكل أساسا للحكم الثيوقراطى بل هو أداة ضبط أخلاقى ضرورية ضد اساءة الحكومات لاستخدام سلطتها كما أنه يتيح للمسلمين تعميق مزايا الترابط الاجتماعى فى اطار الامة ولا ينبغى التقليل من هذا العامل الحيوى لتماسك المجتمعات الاسلامية. ومن هذا المنطلق فان مقترحات التحول الفورى نحو العلمانية لن تؤدى فى النهاية الى فصل الدين عن الدولة بقدر ما سينتج عنها من اضطرابات تتيح للمتطرفين والمتزمتين العمل على ملء الفراغ الناتج عنها وفى الواقع فان الاصوليين الثوريين فى العالم اليوم بشتى مظاهرهم هم نتاج الاتجاهات العلمانية الغربية وتأثيرها الثقافى بما تنطوى عليه من قيم التمرد والنزوع نحو الفردية أكثر من كونهم نتاج التعاليم والقيم والتقاليد الاسلامية حيث أن مفهوم الفردية لا يجد تأطيرا سياسيا فى الفكر الاسلامى على امتداد التاريخ الاسلامى بل انه يعتبر مدعاة للفتنة والردة فالفكر السياسى الاسلامى يرتكز أساسا على مراعاة مصلحة الامة ومما هو جدير بالملاحظة تأثر معظم معتنقى الفكر السياسى الاسلامى المتطرف / بل وتقليدهم / للايديولوجيات الراديكالية التى سادت فى العالم الغربى فى القرن الماضى. لذلك فان الاسلام يعتبر صمام أمان للحد من التطرف والفوضى وينبغى ألا نسمح لمجموعة صغيرة من المارقين تشويه صورة هذا الدين العظيم وتجريد أهله من أقوى أسلحتهم ضد التطرف والعنف كما أن الفكرة السائدة فى الغرب بأن الدين يقف عائقا أمام المسلمين ويمنعهم من التطور ليست فكرة خاطئة فحسب بل انها تضع المسلمين فى قوالب نمطية عتيقة وبالية تصفهم بالتخلف الحضارى والنهج غير العقلانى مما يستدعى ضرورة جذبهم عنوة نحو اعتناق مبادئ الحضارة الغربية على زعم اتسامها بالمنطق والعقلانية والحقيقة تؤكد من جانب اخر أن تركة الحقبة الاستعمارية فى العالم العربى تمثل برهانا صارخا على فشل الحلول المستوردة من الخارج. أصحاب السعادة الضيوف الكرام .. ان التنمية البشرية والازدهار الاقتصادى هما المفتاح نحو مستقبل أفضل للشرق الاوسط ويمكن للمجموعة الاوروبية والعالم العربى أن يحققا مكاسب عظيمة ببلوغ هذه الغاية وأن أى جهد فى هذا المسعى من شأنه أن يعضد تعاوننا نحو تحقيق السلام والاستقرار فى هذا الجزء المضطرب من العالم. ومن الاهمية بمكان العمل على وضع نهاية للاحتلال ودوامة العنف والتطرف والارهاب ولا يمكن تحقيق هذا الهدف الا بفهم أعمق وحسن نية وتبنى سياسات عادلة والالتزام بتنفيذها. ويتعين علينا الحيلولة دون ترك المجال لهذه الاقلية من الارهابيين والمتطرفين لتملأ عقول شبابنا بالكراهية والحقد والصور النمطية فقد ان الاوان لنضطلع بمسؤوليتنا المشتركة ازاء ذلك. ان الشباب العربى باعتباره يمثل أغلبية المجتمع العربى يمتلك العديد من السمات المشتركة التى تجمعه بنظرائه الاوروبيين فجميعهم يلتقون عند نفس الامال والتطلعات لمستقبل أفضل وتغمرهم ذات التمنيات والاحلام وتراودهم نفس المخاوف والهواجس وفى أغلب الاحيان نجدهم يشاهدون معا نفس القنوات التلفزيونية ويقرأون ذات الكتب ويتصفحون نفس مواقع الانترنت وانطلاقا من هذه القواسم المشتركة يجب علينا العمل على دحر الافكار المتزمتة السائدة فى كلا الطرفين التى تحض على الكراهية والتطرف والارهاب والعنصرية. إن نجاح المتطرفين فى كلا الجانبين يمكنهم من خلق هوة تباعد بيننا مما يتطلب منا أن نؤكد على المصالح المشتركة التى تجمع بين الاوروبيين والعرب وذلك بزيادة فرص التفاهم المشترك وتشجيع الاتصالات الانسانية وتحديد المجالات المتعددة والواسعة للتعاون فيما بيننا والعمل على كسب عقول الشباب وقلوبهم الامر الذى من شأنه أن يجعلنا أكثر تفاؤلا بمستقبلنا. ونستطيع أن نعطى هذه العملية دفعة قوية اذا تضافرت جهودنا للعودة الى طريق مفاوضات السلام ذلك أن الحل المفضى الى اقامة دولتين لانهاء النزاع العربى الاسرائيلى يعتبر حلا واقعيا وملحا ولن يتسنى لنا بلوغ هذه الغاية من خلال القاء اللوم على الفلسطينيين وحدهم لان ذلك يتنافى مع العدل والانصاف من جانب كما أنه يتعارض مع حقائق الامور. وكما تعلمون فقد طرح صاحب السمو الملكى الامير عبد الله بن عبدالعزيز ولي العهد مبادرة سلام حظيت باجماع الدول العربية فى قمة بيروت وتشكل هذه المبادرة خطة سلام واقعية يمكن أن تكون مكملة لخارطة الطريق التى وضعتها اللجنة الرباعية الدولية وعلينا أن نسخر جهودنا للمضى فى عملية السلام خاصة فى ظل الظروف الراهنة التى نلاحظ فيها نشاطا قويا من المجتمعات المدنية فى طرفى النزاع تدفع الرأى العام فيهما نحو قبول التسوية السلمية ويجب ألا نسمح بضياع هذه الفرصة الثمينة. ان اعادة احتلال الاراضى الفلسطينية ومواصلة سياسة الاذلال اليومى لسكانها وبناء المستوطنات والجدران العازلة من أجل فرض حقائق جديدة على الارض من جانب واحد وتنفيذ سياسة الاغتيالات وهدم المنازل والتوسع فى اقامة المستوطنات وحواجز الطرق وحتى أشجار الزيتون لم تسلم من الاقتلاع كل هذه الممارسات المعادية تعتبر غير قانونية بموجب اتفاقية جنيف كما أنها تجعل من الصعوبة بمكان على أى حكومة فلسطينية أن تعمل بشكل فعال ناهيك عن اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة أو اقناع الفلسطينيين بجدية التزام الطرف الاخر بالسلام وفيما يتعلق بالعراق فهناك حاجة ماسة الى التعاون الدولى يرتكز على الوفاء بالمتطلبات الفعلية والملحة للشعب العراقى وفى هذا الصدد يجب تشجيع مشاركة كافة الدول القادرة على المساهمة فى هذا المجال على أن يتم ذلك تحت مظلة الشرعية الدولية ممثلة فى الاممالمتحدة .. ان الشعب العراقى الذى عانى الكثير عبر العقود الماضية يستحق الاستقرار والحرية والازدهار وان تحقيق هذه المتطلبات لن يتم الا من خلال نظام سياسى تمثيلى واسع يستند على الوحدة الوطنية بدلا من الطائفية أو الانقسامات العرقية. وليس من العسير علينا / أيها السيدات والسادة / العمل من أجل وضع حد لانتشار المعلومات المغلوطة السائدة فيما بيننا وأن نحترم تاريخ وثقافة كل منا والعمل على ازالة الصور النمطية والتفرقة العنصرية وتوعية شعوبنا بأهمية التعاون العربى الاوروبى بما فى ذلك التعاون فيما بيننا لاحلال السلام فى منطقة طالما مزقتها الاضطرابات وان ذلك كله سيوفر لكلانا فوائد جمة وأكيدة . ونحن لا نستطيع فى كوكب صغير مثل الذى نعيش عليه تفادى بعضنا البعض ولا ينبغى لنا ذلك ولا يتطلب الامر سعة خيال للتعرف على المنجزات الكبيرة التى سنحققها من خلال تسخير مواردنا المشتركة لمصلحة شعوبنا معا. أصحاب السعادة الضيوف الكرام .. أرجو أن يتسع صدركم لقبول ملاحظة ختامية .. ليس من المعقول اتهام حضارة وثقافة تعود الى 1400 عام ووصمها بأنها مصدر لتفريخ الارهاب ان عدوكم هنا ليس الاسلام والمسلمين، العدو هنا هو أشكال الظلم والحرمان السائدة فى العالمين العربى والاسلامى والتى تشكل أرضا خصبة لنشوء الارهاب هذا هو العدو الحقيقى ونحن جميعنا شركاء وقادرون على بلوغ الاهداف لمواجهة هذه الشرور وفى نفس الوقت لابد لهذه الشراكة لكى تكون فعالة أن تستوعب مساحة من التباين فى الرأى وقبولها بكل تفهم وصدر رحب نحو التزامنا بتحقيق الهدف المشترك. ان تجاوز الانقسامات التى فرقت بيننا فى الماضى والتغلب على تعصبنا وتجنب اتهام كل منا الاخر باعتباره مصدر كل الشرور هو عين الحكمة التى تجنبنا اساءة الظن المتبادل وتبديد طاقاتنا . وهذا ما يجعلنا قادرين على تحقيق الكثير من الامور. ولا يجوز لنا خوض المعركة الخاطئة فالمعركة ليست فيما بيننا بل ان المنطق يفرض علينا توحيد قوانا فى مواجهة كل الرجعيين والمتخلفين الذين يسلكون منهج الاجرام ويمارسون الظلم والعدوان ويتعين علينا أن نكون حازمين فى خوض المعركة لكى نرقى الى المكانة التى تجعلنا مؤهلين لمواجهة التحدى والعمل سويا ليس فقط للقضاء على ظاهرة الارهاب بل ازالة الظروف الباعثة اليه. ومرة أخرى أعرب لكم عن شكرى وتقديرى لهذه الفرصة .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.