في كتاب صدر له مؤخرا بالتعاون مع مؤسسة ناديا تويني يستعيد الشاعر فؤاد رفقة فضاءات من عجينة الذكريات المبللة بعرق الايام, والمجروحة بتجاعيد التجارب, والتي بين عام وخاص وفكري وادبي ونظري وميداني, تنادي على وجوه من ضباب الغياب وآراء كقطاف الخبرات, لتقول وتؤكد وتستثني وتصدر, ودوما كمن يكتب على مسافة من الاحداث والاشخاص, انما بالقلب كذلك. وهو كتاب لشاعر اولا, ومن الطبيعي اذن, ان ينمو في ظلال تفاصيل ذاتية ينابيعها ومن ماض كالبئر على طريق رجل جوال. وان غرف مادته على هوى دوران الافكار ومفاجآت المجريات, ومن مخزون حياة انعقدت في حلوها ومرها على الادب والادباء, الا انه يبقى في معالجاته للاشياء عند التفاعل المنطقي مع ما يرويه فصلا بعد فصل. او كما هو وارد في صفحاته المئة والاثنتين والثلاثين, زمنا بعد زمن: بادئا من ازمنة الشعر (الفصل الاول) الى ازمنة الضيق (الفصل الثاني), ف(..) ازمنة الحريق (الفصل الثالث) وازمنة الرفاق (الفصل الرابع) ومتغلغلا الى ارق الانسجة في المقل النادر من الاشارات التي الى احيائها الوجه الحميم للمرويات, تسترجع في طراوة مختزلة الرئيسي والمركزي, من احداث وافكار ومواقف حركت على مدى نصف قرن تقريبا بواطن شاعر, استوطن الشعر كأداة للعيش. وامطار قديمة ينحو في محتوياته الى تقشف يبدو مرغوبا فيه, الى حد انه يكتفي من الاشياء بهيكلها الفكري المصقول في ذكاء بارد على المفيد فقط من الافكار. ويبرز هذا التوجه من الصفحات الاولى مع تحديد المؤلف للشروط الاساسية لقيام نقد شعري وهي: الاخلاقية وشاعرية الناقد والاصغاء الى لغة الكلمة الشعرية والالتحام بالتجربة الشعرية, ولذا يظل الناقد تكملة للشاعر, يقول فؤاد رفقة. ويلبث عند التوجه نفسه في تعريفه ازمة الشعر, ثم مراحله التاريخية, ويكاد يقع في الايحاء اللغوي وايماء المعنى من دون ان ينزلق الى ابهام الكتابة بضباب يغرقها في قول كل شيء ولاشيء. (وامطار قديمة) كتاب مضغوط على معناه يستعيد من ذاكرة مؤلفه الملامح القليلة التي تعيد بوجودها, شرط ان يغذيها الحنين الحار, رسم الازمنة العتيقة, بل تسترجع صورها لواجهة حاضر حي كأنها لا تزال هنا نضرة ونابضة. وفيه انحياز حقيقي الى جعل الشعر ركيزة وجدانية للحياة, وانما اولا تلك الطاقة التي من دونها تفقد الازمنة كثافتها والايام طينتها والكتابة عرقها. وهي الكتابة كأداة للذكريات تهب امطار قديمة الزخم التعبيري القريب من حواس القارئ يبدو متواطئا في عفوية مع فهمه المريح لامور يسهل ايصالها للنضج في بنيانها وبعض الملذات المرافقة لتصفح كتاب فؤاد رفقة, مصدرة اللغة البسيطة والسهلة والتلقائية الحركة. لغة معقودة على ايقاع قصير وواضح وسريع وفي خدمة معنى تحت سيطرة منطق سليم.