على هامش المعرض الدولي العاشر للنشر والكتاب الذي تحتضنه مدينة الدار البيضاء المغربية، احتفى الأدباء المغاربة يوم الأحد الماضي بالحقيبة الأدبية للكاتب المغربي الراحل محمد شكري. و أكد العديد من الأدباء والنقاد خلال تلك الأمسية أن الاحتفاء بالأديب الراحل هو تكريم رائع لأنموذج إبداعي إنساني جميل. وأضاف هؤلاء النقاد في إطار ندوة تكريمية لمحمد شكري أن أهم ما ميز الأديب هو عصاميته الفذة وفردانيته الإيجابية التي انطلق بعدها إلى الدفاع عن المهمشين في أعمال إبداعية راقية. في هذا الصدد اعتبر الأديب والناقد محمد برادة أن حضور شكري المتعدد لم يقتصر على الكتابة وحدها بل تعداه إلى حبه العميق للحياة وبحثه المضني عن معنى لوجوده مشيرا إلى أن شكري ظل في كتاباته يستوحي من حياة التشرد والضياع التي عاشها حين كان طفلا ولم يستسلم إلا مرات قليلة لغواية اللغة والاشتغال على الأسلوب والمفردة. وقال برادة الذي كانت تجمعه بالراحل صداقة كبيرة: إن شكري اهتم بالأدباء العالميين الذين أنتجوا نصوصا مشابهة لما عاشه من أمثال الفرنسي جان جونيه والأمريكي تينيسي ويليامز إذ أنه كان يعرف أنه يتوفر على مادة خام لا يملكها غيره تتمثل في الذاكرة ونمط الحياة القاسية والخارجة عن النمط المألوف التي عاشها مشيرا إلى أنه كان مشدودا إلى الأنموذج الحداثي في الكتابة خاصة لدى الأديب الإيطالي ألبيرتو مورافيا: مشيراً إلى أن الذكاء الحاد كان يدفعه إلى الانفتاح على كل الاتجاهات مع التقاط مفارقات في السلوك والفكر لأن معرفته بالآخرين كانت تخفف من وحدته كما كان يسعى إلى ردم الهوة بين تفاصيل الحياة الحقيقية والنص المسربل بالغرابة والتخييل. واستعرض الروائي محمد عز الدين التازي علاقته الشخصية منذ سنة1969 مع محمد شكري الذي حقق انتشارا عربيا وعالميا واسعا على مستوى المقروئية وكان مبدعا خلاقا يتعامل مع اللغة بحساسية مرهفة دفاعا عن الأشكال الفنية العالية ويكتب أدبا يحتفي بالجماليات. من جانبه أعرب الباحث والروائي حسن أوريد الذي يشغل منصب الناطق باسم القصر الملكي المغربي عن خشيته من اختزال اسم محمد شكري في كتابه الشهير "الخبز الحافي" الذي تمخضت عنه ضجة كبرى، إذ أن الأديب ليس مسؤولا عن بشاعة الواقع بل إن دوره يقتصر على تجلية هذا الواقع البائس مشيرا إلى أن قراءة ل "الشحرور الأبيض" مثلا تؤكد تمثل شكري للأدب العالمي ووقوفه على تقنيات الكتابة. وأضاف: أوريد أن الغاية من إحداث مؤسسة محمد شكري أشمل وأبعد مدى من مجرد الاحتفاء باسمه بل إنها تحيل على العصامية التي ميزت حياة شكري وجهوده الاستثنائية ليصبح كاتبا كبيرا بالرغم من المثبطات والعوائق كما تحيل على أهمية الأدب باعتبار أنه ليس هناك تصور للمجتمعات دون كتابة. وأكد الناقد عبد الحميد عقار أن شكري شيد وضعيته الاعتبارية ب "شموخ واستفزاز" وأن مقروءاته كانت كثيرة وعميقة وجاء إلى الكتابة من الواقع المر والتجربة الحياتية الغنية التي لم يكن العرب قد أولوها ما تستحق من اهتمام معتبرا أنه آن الأوان للبدء من حيث انتهى شكري أي من الكتابة من حيث هي "تشييد للرمزية".