لا يمكن للمرء ان يجادل في اثر الاسلام - بمصدريه القرآن الكريم والسنة الشريفة - في الشعر العربي، فقد ظهر التأثير واضحاً من عصر صدر الاسلام، وتوالى التطور في العصور التالية، وهو ما يرصده الدكتور عبد الله التطاوي في كتابه "حركة الشعر في ظلال المؤثرات الاسلامية" الصادر عن دار غريب، بدأ التغير يحدث في قصائد الشعراء المخضرمين الذين عاشوا جزءاً من حياتهم في الجاهلية، والجزء الآخر في رحاب الاسلام، فتمسكوا بالقيم والمعاني الجديدة التي جاء بها الاسلام، وتركوا ما رفضه من قيم وسلوكيات، وظهرت الالفاظ الاسلامية في اشعارهم، ولان فترة بداية الدعوة الاسلامية مختلفة اختلافاً كبيراً عما قبلها، فقد غلب على معظم قصائد الشعراء المسلمين عنصر التقدير اكثر من التصوير، وكثرت الصياغة المباشرة حتى غلبت على ابداعهم، وكأنما جاءت التقارير ضرورة تتسق مع طبيعة تلقي الشعراء للفكر الديني الجديد، فاذا بالشاعر يدير حواره حول قضايا الرسالة، فيذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته، ويستوقفه امر جبريل كواسطة للوحي بين الله سبحانه وتعالى وبين رسوله عليه الصلاة والسلام، وفي مدحهم للنبي صلى الله عليه وسلم تخلوا عن الملامح التقليدية، ولم يتجاوزوا الصدق، بل التزموا بما حدده القرآن الكريم من انه عبد لله ورسوله، وقد كانت العقيدة واضحة لدى الشاعر المخضرم، ولم تصل إلى درجة التعقيد الفلسفي. وفي اشعار الغزوات تبدو القصيدة مفعمة بالايمان، فالنصر يأتي بفضل الله. ويظل الشاعر مستمداً من المعجم الاسلامي في عهد الخلفاء الراشدين فلمع شخص الخليفة في اثناء قصيدة المدح او باب الرثاء، فجمع بين موقعه حاكماً سياسياً ودينياً من طراز خاص، حتى يتخلص الشعر بذلك من عقدة الموروث الجاهلي الذي لم يعرف - بالطبع - شيئاً عن الفضائل الجديدة، ويستمر الاقتباس من المعجم الاسلامي في حروب الردة وغيرها، واحتفظ الشاعر الاسلامي - في كل ذلك - بشكل القصيدة الجاهلية، وكان التجديد في المضمون، فهؤلاء الشعراء لم يعبأوا كثيراً بالاطار الفني للقصيدة، وكأن الشاعر اصبح مشغولاً - بالدرجة الاولى - بصياغة موقفه الديني من خلال استغراقه في معطياته بشكل واضح، وهو ما يرضي به نفسه وجمهوره الجديد، دون توقف طويل عند القيم الموروثة. العصر الاموي ينتقل د. عبد الله التطاوي في الفصل الثاني للحديث عن تأثير المعجم الاسلامي على الشعراء في عصر الخلافة الاموية، حيث تعدد الاحزاب المناوئة للخلافة، فصار لدينا شعراء الخلفاء وشعراء الاحزاب من وحاول كل شاعر ان يؤيد فكرته بالانتقاء من المعجم الاسلامي، والاقتباس من النصوص المقدسة "سواء عن طريق التضمين المباشر او الدوران حول الصياغة غير المباشرة". ورغم تعدد الروافد الحضارية الا ان الرافد الاسلامي كان مهيمناً على الشعراء في فترة الخلافة الاموية، وشاعت الافكار الاسلامية لدى الشعراء من جميع الاتجاهات بمن فيهم شعراء الغزل والهجاء، ويشير د. التطاوي إلى ان الشاعر الاموي راح ينتقي من المعجم الاسلامي ما يستطيع ان يدعم به قصيدته، ويؤكد به افكاره ويثري صورها ومعانيها وموسيقاها، بعيدا عن منطق الخوف او الحذر ، ومن هنا راح شاعر بني امية يدعم شعره بالنصوص المقدسة على كل ا لمستويات، سواء عن طريق التضمين المباشر او الدوران حول الصياغة غير المباشرة، حيث يستوحي المعنى، او من خلال ما قد يفيده من معاني الايات القرآنية لفظاً وصياغة، او تصويراً ومعنى. العصر العباسي يخصص د. التطاوي الفصل الثالث لتناول التأثير الاسلامي في فترة الخلافة العباسية، ففي قصيدة المدح تمسك الشعراء بذكر فضائل ممدوحيهم، وجهادهم ضد اعداء الاسلام، وكان التاريخ الاسلامي مدداً للشعراء عند مدحهم الخلفاء. وكان التأثير الاسلامي ملموساً بشدة لدى شعراء، وبخاصة او العتاهية، وظهر التأثر بالمعجم الاسلامي في لحظات الندم لدى بعض الشعراء ممن عرفوا بالزندقة والمجون، ويؤكد د. التطاوي ان معظم شعراء العصر العباسي ممن افادوا من المعجم الاسلامي قد خاضوا بشعرهم موضوعات حربية مع خصوم الدولة من الخارج في مناطق الثغور بشكل اكثر كثافة مما كان عليه الحال في عصر بني ا مية. ذلك ان شعراء العصر الاموي قد شغلهم من واقعهم السياسي صراعات الاحزاب وما بين اقطابها من شقاق، وانصرفوا إلى صراعات الاحزاب وما بين الفرق السياسية والدينية، مما اسهم بدوره في اقحام الشعراء في معارك جدلية وكلامية، ولكنه في العصر العباسي راح يتسع لتصوير معارك الخلافة العباسية مع الروم، وتصوير موقف الخليفة ممن يمكن ان يمثل عليه خطراً من قادة جيوشه. وظل المعجم الاسلامي عند شعراء العصر العباسي قائماً على تنوع الاخذ وتعدد صوره مع توحد المصادر واتساع دائرة الافادة منها. شعر الحروب الصليبية يفرد د. عبد الله التطاوي الفصل الرابع للحديث عن شعر الحروب الصليبية، فيشير إلى حرص شعراء المسلمين على تصوير احداث الحروب الصليبية صدوراً عن روح دينية خالصة، اسهمت في جذب فريق من الشعراء إلى سيرة السلف الصالح من قبيل الفخر بعزة الاسلام، خاصة حين ترتفع راياته، وتتحطم في مقابلها رايات الشرك وتتهاوى اعمدته. وعلى الصعيد الديني يبدو التباري قائماً بين الشعراء في ابراز لوحات الجهاد الاسلامي مفعمة بالمعاني والصور والالفاظ التي استوحاها الشاعر المسلم من عمق حسه الديني، بحكم استيعابه له من ناحية، وبحكم طبيعة الدوافع الدينية للمسلمين عامة للذود عن بلادهم ودينهم وحماهم من ناحية اخرى، وعلى الصعيد الادبي راح الشعراء يلتقطون من المشاهد والصور الموروثة ما يتسق مع طبيعة المواقف الحربية الجديدة، فوقعت اعين الشعراء على انتصارات رائعة للعرب المسلمين، حققوا فيها جل طموحات ابناء المجتمع الاسلامي في حروبه العاتية. بذلك بين كل الملامح الايجابية لما كان الشعراء بصدده من تلك الاحداث الكبار. الكتاب: حركة الشعر في ظلال المؤثرات الاسلامية المؤلف: د. عبد الله التطاوي. الناشر: دار غريب. عدد الصفحات: 274 صفحة من القطع المتوسط