يعتبر الاستثمار بصورة عامة المحرك الرئيسي للنشاط الزراعي لارتباطه المباشر بالتكوين الرأسمالي وزيادة قدرات الاقتصاد الوطني في الإنتاج والتجديد والتطوير بانعكاساته الواضحة في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي وزيادة فرص التوظيف وتوفير الأمن الغذائي والسلام الاجتماعي وتحقيق التنمية الشاملة. لذلك سعت الدولة في كافة العهود بدرجات متفاوتة لتشجيع الاستثمار والاستثمار الزراعي بصورة خاصة حيث شهدت البلاد العديد من قوانين الاستثمار كان آخرها قانون تشجيع الاستثمار لعام 1999م تعديل 2000م والذي حوى العديد من الامتيازات والإعفاءات للمستثمرين محليين كانوا أو أجانب . ولإعطاء المزيد من المرونة لحركة الاستثمار وتشجيعه وتسهيل إجراءاته أنشأت الدولة وزارة خاصة للاستثمار تعنى بشئونه، وتمشياً مع سياسة الدولة لتشجيع الاستثمار شهدت البلاد تدفقات استثمارية متنوعة ومعتبرة وشهد القطاع الزراعي منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي إنشاء وتنفيذ مشروعات استثمارية في القطاعين المروي والمطري لشركات القطاع الخاص والمؤسسات الاستثمارية المشتركة كالتكامل السوداني المصري ، شركات الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي ، الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية والعديد من الشركات الخاصة المحلية منها والأجنبية إضافة لذلك فقد استقطبت الدولة عون الدول الصديقة والمنظمات الإقليمية والعالمية في إنشاء بعض المشروعات والمؤسسات التنموية الخدمية منها والإنتاجية وقد تم كل ذلك في إطار محاولات الدولة لتفجير طاقات القطاع الزراعي الكامنة لإحداث التنمية الشاملة بالبلاد وتعزيز التعاون الاقتصادي بين السودان وجيرانه وأصدقائه والعالم من حوله والعالم العربي بصورة خاصة للأجواء الاستثمارية التي كانت سائدة عند بدايات تدفق الاستثمارات الكبرى في القطاع الزراعي بالسودان والمساهمة الفاعلة في تحسين البيئة الزراعية وتنمية الخدمات وخلق الاستقرار في المناطق الريفية . ونسبة للأجواء الاستثمارية التي كانت سائدة عند بدايات تدفق الاستثمارات الكبرى في القطاع الزراعي بالسودان وعدم تمكن البلاد من فرض إستراتيجياتها التنموية على تلك الاستثمارات فقد كان تركيز الاستثمارات في القطاع الزراعي على الأهداف التنموية ضعيفاً حيث لم تسهم بالقدر المطلوب في توفير المعرفة الزراعية أو نقلها وتطبيقها لتحسين أدائها وجعلها متاحة للمنتجين من حولها لعدم قناعة المسئولين عن تلك الاستثمارات بدورهم التنموي وبالتالي اقتصار أنشطتهم في الإنتاج المباشر ذي العائد السريع دون رصد موارد مالية كافية لبرامج تنموية لترقية النشاط الزراعي وتقديم الخدمات. وعدم فعالية أجهزة المتابعة للقطاع الزراعي والمسئولين عن الاستثمار بالبلاد في متابعة خطط وبرامج الشركات والمؤسسات الاستثمارية في القطاع مما يؤمن الدور التنموي والخدمي لتلك الاستثمارات وفشلها في فرض رؤيتها وأهدافها الاستراتيجية في الاستثمار الزراعي. وكانت النتيجة الأثر المحدود الذي لعبته الاستثمارات الزراعية الكبرى بالقطاع الخاص في تطوير وتحديث أنظمة الإنتاج الزراعي السائدة وفي تحسين الخدمات بصورة عامة في مناطق وجودها بل ومنافسة الكثير من تلك الاستثمارات المزارعين المحليين في وسائل ومدخلات الإنتاج التقليدية بدلاً من أن تكون عونا لهم في تطوير أساليب إنتاجهم. وفي ظل هذه الأجواء الاستثمارية غير الرشيدة كانت هنالك بعض المحاولات التطويرية المحدودة لبعض الاستثمارات الكبيرة والشركات ومن تلك النقلة التطويرية التي شرعت في تطبيقها الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي حديثا في تجربة الزراعة بدون حرث بمزرعة الشركة العربية السودانية للزراعة بالنيل الأزرق بأقدي ، آملين أن تتواصل مسيرتها وأن تكلل مساعيها بالنجاح الكامل للتجربة بإثبات جدواها الفنية والاقتصادية والبيئية أو ادخال بعض التعديلات التي تفرزها التجربة كأحد النماذج التطويرية المعتمدة محليا والمطبقة بواسطة المنتجين وأن تكون هذه التجربة فتحا لباب من أبواب المعرفة المغلقة لتشجيع الآخرين من المستثمرين لفتح أبواب أخرى للبرامج التنموية وتوفير ونقل وتبني التقانات الزراعية الحديثة.