عزيزي رئيس التحرير نحن والحمدلله كمجتمع معروفون بالطيبة وبأننا ودودون مع الغير حتى ان أغلب المغتربين لدينا تتملكهم موجة من الحزن اذ يغادرون بلادنا الحبيبة. لذلك يعجب المرء حقا من مشاهدات قد تعكر صفو هذا الانطباع الجميل ومن ذلك الانفعالات الزائدة التي أضحت سمة للبعض فنراهم وهم خلف مقود السيارة يردون على أي خطأ عفوي او أي استفزاز من سائق جاهل بأعنف طريقة وأقذع كلمات بل وربما بأفعال لا تحمد عقباها مثل مضايقة السيارات الأخرى ومحاولة اخراجها عن مسارها او مضايقة السائق الآخر بالأنوار العالية او بصوت البوق المتواصل او حتى السير بسرعة جنونية. والمدهش في هذه المشاهد والذي يجعلها تختلف عن صور الغضب المفاجىء الأخرى انه لا يوجد في أغلب الاحيان سابق معرفة اطلاقا او أي سوء فهم مع الطرف الآخر, وفي العمل او البيت قد لا يحتاج ايصالهم الى سورة الغضب إلا طلبا بسيطا من مراجع او تكليف عادي من مديريهم او رجاء من زوجاتهم او ابنائهم. وكم من النقاشات التي تدور في العمل او في البيت تطورت الى مشاحنات او قطيعة لا تنتهي بسبب تملك الغضب من اطرافها. وقد تلي ذلك اعتذارات عن كلمات بذيئة وجارحة او تصرفات وإساءات لا تحترم انسانيتنا وتكون هذه الاعتذارات كنزع مسمار بعد طرقه في الجدار اذا لا يمحى الأثر الذي تركه ابدا. سؤال حائر حقا.. لماذا يبدي بعضنا استعدادا دائما للغضب السريع وردود فعل عدائية بلا مبرر؟ لماذا يتلف أعصابه وصحته بالغضب الدائم؟ ان احدى صفات المؤمنين هي كظم الغيظ كما ورد في القرآن الكريم وقد ورد في الحديث (ما من جرعة اعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله) ويفرق البعض معنى الغيظ عن الغضب علميا حيث يعتبر الغيظ انفعالا نفسيا يعبر عن استفزاز المشاعر ويؤدي الى زيادة بعض الهرمونات الدفاعية في الجسم مثل الأدرينالين وتتزايد معه سرعة نبضات القلب ويرتفع ضغط الدم وتتوتر العضلات. أما الغضب فهو الفعل المعبر عن الغيظ من رفع للصوت وحركات وأفعال عدائية, وفي اللغة (كظم القربة) هو اغلاق فمها حتى لا ينسكب الماء واذا فمنع الغيظ بتاتا غير وارد وانما نحن مأمورون بالتحكم في غيظنا وعدم السماح له بالانتقال الى مرحلة الغضب. ويدل على هذا المعنى وصية الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لمن طلبها منه بالا يغضب وحتى لما استزاده السائل كرر عليه نفس النهي وكأن السائل أراد الاستزادة اذ رأى في (لا تغضب) وصية عادية وهي والله ليست كذلك فقد قرأت في بحث اعده أحد المختصين في علم الاجتماع عن الطلاق ان عددا لا يستهان به من مشاكل الطلاق التي استعرضها في استبيانه كان سببها الرئيسي الغضب ونسمع ايضا الكثير عن حالات غضب كانت ذات نهاية مأساوية من الإيذاء النفسي والجسدي أدت بأصحابها الى ندم شديد وصدمة نفسية اذا أدركوا ان ما اقترفوه من ايذاء لم يكن له مبرر كاف. وللرسول - عليه الصلاة والسلام - هدي في درء مخاطر الغضب فالوضوء وتغيير الحالة التي عليها الغاضب واسترخاؤه وسكوته والاستعاذة نحن مأمورون بها في حالة الغضب. ولو قدر لغاضب ان يرى صورته على حالته تلك لشعر بالخجل حقا بسبب مظهره وتشنجه ولو قدر له ايضا ان يرى كيف هي الآلية التي يتجاوب بها قلبه وبنكرياسه مع حالة الغضب لشعر كيف قسا على نفسه بافراطه في اخراج مشاعر الغضب وتفريطه بصحته, ولا يشابه حالة هياج السكر في المظهر إلا حالة هياج الغضب. الطب يصرخ بأن الغضب سبب رئيس في أغلب نوبات القلب وارتفاع ضغط الدم ومرض السكر ولا أدري حقا أفقد الطب وتصريحاته مصداقيته ام ان صحتنا لم تعد من أولوياتنا واني والله لأشفق احيانا على الغاضب لما ارى ما يفعل به افراطه في غضبه ولا أدري أنى يعيش بعض الناس السعادة وقد أكسب الغضب وجوههم نظرة عابسة دائمة أفقدتهم القدرة على الابتسام الذي هو عنوان السعادة. وانظروا الى الطفل اذ يتملكه الغضب كيف ان صراخكم لا يجدي في ثنيه عن البكاء لانه لم يعد يسمع او يرى او يحس إلا غضبه وتصوروا لو كان من هو على هذه الحالة قادرا على الإيذاء. ان جو الغضب اذا ساد في الأسرة بسبب أب او أم اتخذوا الغضب خلقا واذا ساد جو العمل بسبب مدير او مرؤوسين انتهجوا الغضب طريقة في اتمام اعمالهم هو جو غير صالح لتنفس التطوير والابداع, بل ان الغضب ليقتل الابداع في نفس صاحبه اولا قبل الآخرين. ان ربنا - عز وجل - يذكر نبيه انه لو كان فظا في تعامله مع الناس وحاشاه بأبي هو وأمي لما سمع له احد.. فبالله أنى يروم أب او أم النجاح في تربية أولادهما وأنى يروم مدير عمل زرع الاخلاص له وللعمل في نفوس مرؤوسيه اذا كانت فظاظة الطبع ديدنهم. ان الحياة مع بطيئي الغضب سريعي الرضا هي حياة ممتعة حقا واذا حظي الموظف بمدير كان الحلم خلقه, كان عمله متعة له مهما كانت صعوباته وطول ساعاته ولو كان في البيت من يعرف كيف يتحكم بأي توتر ويطفئ نار الغضب فيه لرفرفت السعادة في أرجائه. يامن واجه غاضبا وكان غضبه بغير وجه حق اذا رددت غضبه بكلمة طيبة من أمثال سامحك الله وطيبت خاطر أخيك او محدثك فاعلم انه ان تنامى غضبه ولم يفتر انه غضب من نفسه اذ رأى أنك أشد منه اذ ملكت غيظك ولم يفعل هو وانه دخان النار اذا سكب عليها الماء. ويامن استفزه الغضب على من يعرف فاعتبر وتخيل لو قدر له فراق دنيانا كيف ستلوم نفسك على كل كلمة او فعل بدر منك تجاهه في ثورة الغضب ولو كان لك حق فيه فالحياة أقصر من ان تتسبب لأحد فيها بأذى وان قل. ويامن استفزه الغضب على من لا يعرف فتدبر واحذر اذ ربما كان ذلك ابتلاء لك هل ستصبر ام لا فالدنيا دار ابتلاء. وقد رأيت عاملا ليس مسلما يبكي بحرقة لما رأى ابنا صغيرا لكفيله المتوفى وما كان ذلك إلا لما قد رأى من كظم كفيله لغيظه كلما بدر من عامله خطأ. لا شك في انه انطباع جميل نود جميعا تركه عند من نعرفه. كيف؟ بتذكره كلما ساورنا شعور الغضب. وبالله رفقا بأعصابكم. م. ممدوح محمد بن شمسة