لقد لاقت ظاهرة تفسير الأحلام توسعا مبالغا فيه ورواجا كبيرا عبر الفضائيات، وعبر من يتعاطى التعبير، فضلا عما يباع في المكتبات من كتب تفسير الأحلام وما ينشر في المنتديات والمواقع الالكترونية. إن ذلك التوسع وتلك المبالغة ليسا رشدا ولا حقا مع أنه لا شك في جواز التعبير إلا أن كثيرا من الناس يتطلع لتعبير كل ما يراه سارا ومحزنا، ما يشعر بجهل السائل والمعبر فيما يحسن تعبيره وما لا يحسن. وضعف نفسي كبير يدفع السائل للتعلق بالوهم وفضول لمعرفة الغيب ولو كان بالمجازفة والتخمين، وحرص من المعبر على التصدر لتعبير كل ما يسأل عنه، حتى استغل البعض تعبير الرؤى للجاه والشهرة والكسب المادي، ووظف ذلك الاستغلال من خلال وسائل متعددة كخدمة رسائل الجوال النصية ومتعددة الوسائط ذات الرسوم والمواقع الالكترونية. تعبير الرؤى إن كانت رؤى ليس إلا اجتهادا، يحتمل الصواب والخطأ فالصحيح الصالح منها للتعبير قد يصدق تعبيره على وجه الاحتمال، وقد لا يصدق والقطع فيه مجازفة. لقد ضم ذلك إشكالات كثيرة مع خلط في تعبير الأحلام إما بالتهويل فيها أو بنسبة شيء مما يورث الخوف والضعف والبغضاء والنزاع بين الناس أو بين بعض قرابة السائل مع أنه لو كان صوابا لم يجز قوله فكيف وقد لا يكون صوابا، حتى بلغ حد تكذيب وإسقاط الأمارات والعلامات الظاهرة والحقائق المتيقنة بالوسائل المحسوسة، بل ربما جازف بعضهم بالإخبار بالغيبيات والجزم بها اعتمادا على الحلم كالقول ومنهم من يخبر بأمور مغيّبة شرعا ليست مما يحتمله الاجتهاد في التعبير كولادة المهدي المنتظر، وتحديد وجود يأجوج ومأجوج وغير ذلك. وتعبير الرؤى -إن كانت رؤى- ليس إلا اجتهادا، يحتمل الصواب والخطأ. فالصحيح الصالح منها للتعبير قد يصدق تعبيره على وجه الاحتمال وقد لا يصدق والقطع فيه مجازفة. جاء في الصحيح أن رجلا رأى رؤيا فذكرها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال أبو بكر: يا رسول الله: بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): أعبرها، قال: أما الظلة فالإسلام وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت قال النبي (صلى الله عليه وسلم): أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فو الله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت قال لا تقسم. فهذا أبو بكر أبر الأمة بعد رسول الله قال رسول الله في تعبيره أصبت بعضا وأخطأت بعضا، ولما أقسم على رسول الله أن يخبره بما أخطأ فيه قال له: لا تقسم ولم يخبره. كل ذلك الخلل والتضخيم والمبالغة والمسارعة بتعبير كل حلم لمهموم أو مريضى يسعى لتصديق ما رأه، ولد خمولا وعجزا وتواكلا لدى الكثير من الناس، ممن يبحثون عن الغنى أو الثراء أو العمل أو الجاه من خلال أحلامهم حتى صور الشيطان لكثيرين من هذه الفئة حسن تقاعسهم وقعودهم من خلال أحلامهم. والنساء أكثر هوساً بتفسير الأحلام من الرجال، حتى أن منهن من تقودها تلك الأحلام إلى الشك في من حولها أو لأفعال مسيئة للآخرين وكأن ما رأته طوق النجاة لتغيير حياتها وتحقيق مرادها، مع أن التفسير أمر ظني وليس يقينيا، وقد تقع وقد لا تقع. ولا يصح أن تعطي الأحلام اهتماما مبالغا فيه، حتى يتعلق بها المرء إلى حد الوسوسة. [email protected]