لن يقوم للامة العربية مقام حتى تتحد دولها..ولن تتحد دولها الا اذا تكاتفت الجهود وتوحدت المناهج التعليمية في العالم العربي الذي يمتلك جميع مقومات الوحدة التعليمية لوجود قواسم مشتركة قوية هي اللغة والدين والتاريخ والتراث والمصالح والاهداف والآمال خاصة بعد زيادة الحاجة إلى وجود كيان عربي موحد وقوي وقادر على مواجهة المتغيرات المختلفة في ظل ما نعيشه الآن في عصر التكتلات العملاقة في اوروبا وآسيا وامريكا. خاصة بعد ان صعدت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش من حربها التعليمية في منطقتنا واعتبرتها مسئولة إلى حد ما عن صناعة الارهاب!! المسألة التعليمية مربط الفرس تكونت قناعة قويةحاليا بأن المسألة التعليمية اصبحت مربط الفرس في أي اصلاحات عربية سياسية الطابع.ولما كانت الجهود السياسية غير قادرة - حتى الآن - على اقامة وحدة بين العرب، فهل من الممكن ان تنجح الجهود في الساحة التعليمية فيما فشلنا فيه على الاصعدة السياسية والاقتصادية؟ وخاصة ان القومية تبدأ في المدارس والمعاهد والجامعات؟ وهل من الممكن ان تتوحد المناهج التعليمية خاصة مع وجود كافة المقومات التي تؤهلها لذلك، وما الشكل المقبول لتطبيق هذه الفكرة؟. حول امكانية توحيد المناهج التعليمية وهل هي السبيل إلى الوحدة العربية التي فشلت الجهود السياسية في تطبيقها حتى الآن؟ وهل العصر الحالي مهيأ لتطبيق هذه الفكرة؟ ام ان هناك ما يحول دون تنفيذ ما يتعلق بتوحيد المناهج التعليمية في عصرنا الحالي؟ هذا ما نحاول طرحه والبحث عن الاجابة عليه في هذا الموضوع ولنستمع في البداية الى رأي الدكتور مصطفى عبد السميع محمد عميد معهد البحوث والدراسات التربوية جامعة القاهرة: ان عملية توحيد المناهج تعنى محاولات تكوينه الشخصية العربية في اطار مرجعي وبمستويات معيارية متفقة بين الدول. وهي عملية لتوحيد السمات والخصائص الشخصية لابنائنا وشبابنا قادة المستقبل. وقد سبق وضع محاولات منذ العقد السابع من القرن الماضي مثل وضع مناهج موحدة للرياضيات الحديثة .واشتركت فيها مجموعة الدول العربية كاملة واسهمت في انتاج المادة التعليمية مؤسسات عربية اخرى حكومية وخاصة أي ان هناك بالفعل محاولات عديدة من كل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الاليكسو) وكذلك المنظمة الاسلامية (الايسيسكو) لوضع استراتيجيات في مجالات التربية الرسمية. وغير ذلك مثل استراتيجية التربية في الدول العربية عام 1979. وتعديلاتها بعد ذلك ويتم في شهر فبراير القادم لقاء حول تحديث ثالث لها في اجتماع لخبراء التربية والتعليم العرب بالقاهرة. وكذلك الاستراتيجية العربية للمعلومات والاستراتيجية العربية للثقافة. وغير ذلك من محاولات استراتيجية يتم اعدادها بواسطة مجموعة من الخبراء العرب. ويقوم بمراجعتها مجموعة من الخبراء العرب ايضاً. توفير الآليات والخطوط الارشادية ويضيف الدكتور مصطفى عبد السميع: وعادة ما تتضمن أي استراتيجية آليات وخطوطا ارشادية للتنفيذ تستخدمها كل دولة من الدول العربية وفقاً لظروفها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. وعادة ما تكون الاستراتيجية هي السبيل الذي يمكن ان تأخذ به الدول لتنسق به جهودها الفردية وفق اطار عربي محكم. ويشير عميد معهد البحوث والدراسات التربوية إلى المقومات التي تدعم توحيد المناهج والنظم التعليمية في البلاد العربية مؤكداً انها تتمثل في ايجاد صيغ للتعاون العربي المشترك في مجالات التربية. بمعايير خاصة مستمدة من امكانيات العالم العربي. واحتياجات كل دولة من الدول ومن الاطار المرجعي الرئيسي المتمثل في المقدسات الاسلامية. بالاضافة إلى ايجاد آليات مستحدثة متفق عليها باستخدام التقانة (الكمبيوتر والشبكة) للتواصل الدائم بين القائمين على أمر التعليم. لتوحيد العمليات التنفيذية. إلى جانب بث الوعي في نفوس القائمين على أمر التعليم والناشئة والشباب بأهمية الوحدة العربية في المجال التربوي وفي غيره من المجالات. ويضيف الدكتور مصطفى ان هناك مجموعة من الاشياء يجب الاشارة اليها تتمثل في اعتمادية المناهج بين الدول العربية. بمعنى ان يصبح بامكان الطالب في الصف الثاني الثانوي في مصر مثلا استكمال الصف الثالث في دولة عربية اخرى. لان المناهج واحدة والمحتوى واحد. كذلك انه اذا اتفقت المؤسسة التربوية في الدول العربية (الوزارات) على تعريف واحد للشخصية العربية. فانه يسهل بث مجموعة القيم والمفاهيم والمهارات والمعارف في كل طفل في الوطن العربي بقدر واحد.بالاضافة إلى انه يتم بيسر تبادل الخبرات في مجالات اعداد المناهج وتدريب المعلمين وغير ذلك مثل التقويم الطلابي والمؤسسي. الايمان بقضية توحيد المناهج ولا يزال الكلام على لسان الدكتور مصطفى عبد السميع والذي يرى ان خصوصية أي دولة عربية لا تقف حائلاً لقيام الوحدة بينها وبين باقي الدول في المجال التعليمي على الاطلاق. والاهم من هذا كله ان تقف الدول العربية سواء اكانت متحدة ام متفرقة وقفة واحدة لايجاد الشخص المؤمن بربه وقضايا وطنه، المبدع، القادر على رسم صورة المستقبل. ووضع الاسقاطات اللازمة للمتغيرات في الوطن العربي. وذلك لان توحيد المناهج كمادة علمية واحدة في جميع الاقطار العربية يصعب لعدة اسباب. من اهمها الاسباب الاجتماعية والعادات والتقاليد ومستويات التعليم وانواعه المطلوبة. وغير ذلك ولكن على الدول العربية ان تأخذ شيئاً واسعاً مثل الاستراتيجية. وتحاول الافادة من الآليات الموصوفة فيها وتطوعها كل دولة وفقاً لظروفها. أي اننا نأخذ روح التوصية التي تقدمها الاستراتيجية. مراعاة اختلاف البيئات الجغرافية وتتفق الدكتورة سهير محمد حوالة وكيل معهد الدراسات والبحوث التربوية جامعة القاهرة مع الرأي السابق. مشيرة إلى ان توحيد المناهج او التعليم اصبح ضرورة حتمية. وقالت : نحن في حاجة إلى الحوار قبل ان يأتي الينا الآخرون . وتوحيد المناهج في رأي الدكتورة سهير لا يعني ان يكون نص العبارات ونص المواضيع على مستوى كل الوطن العربي .فالمحتوى كمعلومات في مجتمع دراسي يختلف من بيئة ساحلية إلى بيئة صحراوية. فلكل بلد هويتها. وانما ما يجمع هذه المواضيع هو المتفق عليها .فعلى سبيل المثال مطلوب توعية جميع افراد الوطن العربي بكيفية التعامل والتعاون بينهم. أي تغير اتجاهاتهم نحو بعضهم البعض. أي كيف يناقشون مشكلاتهم العربية معاً. وهذا لن يكون الا من خلال محتوى ومحتوى لا يتعامل مع الكلمة انما يتعامل مع الفكرة. والمطلوب هو توحيد الافكار وتوحيد التوعية. فنحن في حاجة إلى العموميات التي توحد بين الشعب العربي فكراً واتجاهاً وقيماً.نحن في حاجة ايضاً إلى ان نعرف الآخرين بما عندنا. وان نعرف ما لدى الآخرين وان يتم بيننا الالتحام الذي نستطيع به ان نواجه العالم القادم علينا. والفرصة غير مهيأة الآن لتطبيق الفكرة. سواء كنا ام لا. لكن آن الأوان لتهيئة الارض لهذه الفكرة التي تمثل توحيداً لذهنية الانسان العربي بمعنى توجيه الكل إلى ان العرب ان لم يتحدوا من حيث افكارهم وتعايشهم معاً نقول على العرب السلام!! وتستطرد الدكتورة سهير حوالة: لا بد ان يدرك العرب جميعاً ان اللغة الحديثة هي لغة التعامل مع التقنيات الحديثة. وليس من اجل استهلاك التقنيات الحديثة القادمة من الخارج. ولكن علينا ان نتعامل وننتج هذه التقنية الحديثة والا سنظل تابعين ونعيش في مأساة مستمرة. الدكتور عبد الله الزيفاني استاذ اصول التربية جامعة تعز بالجمهورية اليمنية ومدير مركز التدريب والتنمية الاكاديمية والتعليمية باليمن يشير إلى خصوصية الواقع التعليمي لكل قطر من الاقطار العربية موضحاً ان هناك تجارب بحكم الواقع السابق للواقع الذي نعيشه اليوم مثل وجود الاحتلال، ووجود الملكيات السابقة، ووجود انظمة كانت منغلقة تعليمياً مما اوجد انظمة تعليمية متباينة من حيث العمق ومن حيث المدى ومن حيث النوع والكم، وهذا ما يؤكد ان التوحيد مطلوب لكنه لا بد من دراسة الواقع الراهن واسبابه والعوامل التي شكلته لكي يعطي لكل قطر بعض الخصوصية التعليمية لكي يتجاوز الواقع الواهن الذي يعيشه. توحيد الكتب لا يعني توحيد المناهج ويوضح الدكتور الزيفاني ان المنهج كمفهوم يختلف عن الكتاب فمن السهل ان توحد الكتاب لكن ليس من السهل ان نوحد المنهج لان المناهج هي فلسفات وسياسات واهداف ووثيقة الاهداف تأتي من طبيعة النظام السياسي الموجود، ويرى اننا في حاجة اولاً إلى توحيد الرؤى سياسياً ثم توحيد المناهج لان المنهج يعكس رؤية النظام وفلسفته ويعكس ايضاً طموحاته واهدافه في تحقيق ذاته في النظام وليست الذات الجمعية او المجتمعية. ويضيف الدكتور الزيفاني بقوله: اذا احسنت صناعة المناهج ووضعت وثيقتها بشكل محايد وبشكل علمي، واذا كان هناك ايضاً تنفيذ امين وتنفيذ مخلص من خلال مؤسسات التعليم نستطيع بذلك ان نتجاوز ما خلفته السياسة. وعلى الرغم من ان العصر غير مهيأ في وجهة نظر الدكتور الزيفاني إلى تطبيق هذه الفكرة في ظل وجود الهيمنة الامريكية الا اننا اذا ما ارتكزنا على العروبة والاسلام كاستراتيجية قوية واستنطقنا الموارد الموجودة في الوطن العربي سواء كانت موارد بشرية او موارد مالية نستطيع ان نحقق ما نريد. وفي رأي الخبير التربوي الدكتور فتحي علي يونس استاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس وامين اللجنة العلمية الدائمة للتربية وعلم النفس التربوي: ان هناك اجزاء او قضايا وابعادا مختلفة من الممكن توحيدها وابعادا اخرى يصعب توحيدها على الرغم من ان كل الدول العربية تخضع لعموميات ثقافية مثل اللغة والدين فمن الممكن تعليم اللغة القومية وان توحد فيها المعايير او المهارات الاساسية التي يجب ان تصل للطالب في المراحل المختلفة، وكذلك في الدين من الممكن توحيد المنهج باسترشاد القضايا التي تقدم من التوجهات العامة في التربية الاسلامية وكذلك العلوم ممكن وذلك لان العلوم لا وطن لها فمن الممكن ان توحد مناهجها. ولكن التوحيد لا يمكن ان يكون توحيدا كاملا.. لكن ممكن ان يختلف في الامثلة والمحتوى المقدم لوجود اهتمامات واولويات لقضايا معينة في كل مجتمع عربي، أي علينا ان نوحد المعايير التي تقوم في ضوئها المهارات الاساسية للعلوم المختلفة. التركيز على نقاط الاتفاق بدلا من تكريس الاختلاف ويطالب الدكتور فتحي يونس بتوحيد الرؤى السياسية والتوجهات الدولية والاتفاق على الاولويات، فالجامعة العربية منذ ان انشئت لم تستطع تحقيق أي تقارب.ويطالب بان يكون هناك معايير قومية تتفق عليها الدول العربية وتتبادل من خلالها الخبرات. واهم شيء للتقريب في نظره هو الا نتحدث في نقاط الاختلاف ولكن نتحدث في نقاط الاتفاق لان الدول الاوروبية تختلف فيما بينها والمهم ان تتكامل فيما بينها. الاستاذ بكوش محمد محمد الظاهر مدير الديوان الوطني لمحو الامية وتعليم الكبار بالجزائر لا يستبعد فكرة توحيد المناهج التعليمية في الدول العربية من الوجهة النظرية على الرغم من عدم وجود دراية كافية عن المناهج العربية في الجزائر لاسيما في تعليم الكبار، ويؤكد ان الجزائر بصدد اعداد مناهج تعليم الكبار ومرجعية لكل من اراد ان يضع برنامجا للتعليم، ويرى ان باستطاعة هذه المناهج ان توحد الرؤى نحو تكامل عربي في ميدان التعليم وفي نظره ان الوصول للهدف المشار اليه مرهون بالارادة السياسية. دعوة للتدرج ثم التكامل ويرى بكوش الظاهر انه من الممكن ان يتم تطبيق الفكرة بصورة تدريجية، في التعليم الاساسي ثم ينتقل إلى التعليم الثانوي ثم التعليم العالي ونكون بذلك قد وحدنا الرؤى المنهجية للعالم العربي ووحدنا رؤية استشرافية لمستقبل عربي في كل الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويحذر بكوش الظاهر من اتجاهات بعض الدول العربية نحو مناهج اخرى غربية واستيراد بعض الافكار الاخرى وعدم العمل بآراء وافكار المفكرين العرب. اما الخبير التربوي الدكتور على الشخيبي استاذ اصول التربية ومدير مركز تطوير التعليم الجامعي بجامعة عين شمس ورئيس قسم التدريب والاعلام بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي فيدعو الدول العربية لاقامة تكتل قوي في ظل الظروف التي يعيشها العالم كله الآن وثورة العولمة وعصر التكتلات العملاقة في اوروبا وآسيا وامريكا، لا بد ان يشارك الوطن العربي في هذه التحولات مع احتفاظه بهويته الدينية والعربية والثقافية. ولذلك يجب وضع الخطوط العامة للمناهج التعليمية وترك التفاصيل الفرعية لكل دولة عربية على حدة لما لها من خصوصيات فعلى سبيل المثال موضوع الكرم من الممكن معالجته بوضع المبادئ العامة ثم بعض امثلة من داخل كل دولة او دولة مجاورة. وتوحيد المناهج ايضاً لا يعني ان توحد مناهج الاقطار العربية تماماً سواء في مرحلة التعليم الابتدائي او الاعدادي كأن تصبح المفردات المعتمدة من وزارة التربية والتعليم في الوطن العربي موحدة وانما يكون هناك مضامين ومعارف وخبرات ومهارات مشتركة وقاعدة لبلورة الثقافة العربية والتوجهات التنموية لتقويم ثقافة المواطن العربي بحيث يستطيع ان يتعايش ويتكيف ويتعامل بشكل نقدي مع المتغيرات المختلفة. وعلى سبيل المثال معالجة موضوع الكرامة يكون بوضع المبادئ العامة ثم نمثله من داخل كل دولة او دولة مجاورة كذلك يتم التوحد من خلال ايضاً الطلبة وتبادل الزيارات بين الدول العربية وان تكون هذه الزيارات لقاءات تلقائية وليست رسمية. ويوضح الدكتور علي الشخيبي ان توحيد المناهج التعليمية معنوياً يعني تعميق الشعور القومي لان وجود مستوى ثقافي متقارب يجعل هناك تقارباً مع الفكر والثقافة ويعني كذلك تفهماً افضل للقضايا المطروحة مستقبلاً. ويضيف مدير مركز تطوير التعليم بقوله انه من الاهمية بمكان تطبيق المناهج التعليمية الموحدة في كل اقطار الوطن العربي وان كان تطبيق هذه الفكرة في العصر الحالي صعبا نسبياً ولكن هذا لا يعوقنا عن وضع الخطوط العامة والمبادئ الاساسية للمناهج والمقررات التعليمية على ان تترك التفاصيل الفرعية لخصوصية كل دولة عربية بمعنى وضع اطار عام يضم المبادئ الاساسية والمفاهيم المشتركة الخاصة بالاقطار العربية. موقف وحدوي ويلتقط طرف الحديث الدكتور محسن خضر استاذ اصول التربية بجامعة عين شمس والذي يؤكد ان المدخل الثقافي هو المدخل الاهم والارسخ في السعي الوحدوي العربي وكما يذهب مفكر عربي كبير مثل (محمد عبده الجابري) فان العرب قد حققوا هذا المزاج الثقافي الواحد وحققوا وحدتهم الثقافية تماماً واصبحت هذه المسألة منتهية بل ان من هو ثقافي يشكل اهم المداخل للمجتمع العولمي اليوم. وتقع المسألة التعليمية في قالب المسألة الثقافية، صحيح ان العامل السياسي والجهد السياسي صعوداً وهبوطاً قد حجب الجهد الثقافي في تحقيق التقارب العربي والتكامل العربي المشترك ولا يجب ان نغفل جهود منظمة اليونسكو العربية طيلة اكثر من نصف قرن في السعي للتوحيد الثقافي لكننا من ناحية اخرى يجب ان نعترف ان الذهنية القطرية والروح القطرية قد وقفت حائلاً دون تطوير التعاون الثقافي إلى حد كبير. ويستطرد الدكتور خضر: صحيح ان هناك كتلاً جغرافية مثل منظومة دول الخليج العربي قد مضت شوطاً ابعد في التنسيق التعليمي وتوحيد المناهج التعليمية إلى حد ما لكن لا يزال الشوط بعيداً والطريق طويلاً قبل ان نحقق هذه الوحدة التعليمية التي لا تغفل الخصوصية القطرية (الوطنية). ان الوحدة العربية بالرغم مما اصاب المسألة القومية من ضربات وهزائم الا انها تظل مسألة حياة او موت بالنسبة للاقطار العربية وتوحيد النظم التعليمية على اساس علمي يسهم إلى حد كبير في ترسيخ الذهنية الثقافية المشتركة وفي ارساء عقل جماعي عربي بتعبير دوركايم. وقد سبق ساطع الحصري الجميع في الدعوة المبكرة منذ الثلاثينيات إلى توحيد المناهج والمقررات التعليمية العربية واقامة النظم التعليمية العربية على اسس قومية وبالتالي فالدعوة نحو توحيد المقررات التعليمية العربية ليست جديدة بل تقترب من ثلاثة ارباع القرن. ويتساءل الدكتور محسن خضر بقوله لقد جربنا المداخل السياسية وفشلت إلى حد ما في تحقيق الاتحاد العربي لا يحق لنا ان نضع الكثير من البيض في سلة الوحدة الثقافية ولا سيما التعليمية؟ ويضيف: علينا ان ننتبه إلى ان منظمة التربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية قد قطعت شوطاً بعيداً في هذه المسألة لكنها ابتليت بالشقاق السياسي والخلافات القطرية كيف يمكن لدولتين عربيتين ان يدعيا تحقيق الوحدة وهما عاجزتان عن توحيد مناهج التعليم؟ وعلينا ان ننتبه ايضاً إلى ان كل مقالات العرب الحديثة في القرن العشرين قد تمت على رقصة التعليم العربي وان صعود الدولة القطرية وانتكاساتها قد وازاه صعود المشروع التعليمي وانتكاسته ايضاً. ويرى الدكتور محسن خضر ان توحيد النظم التعليمية مسألة ليست عسيرة او مستبعدة لكن ما يضمن لك ائتلاف القلوب بين نظامين عربيين وان كان احدهما في مساحة شارع طويل في القاهرة او دمشق؟ كتلة حرجة ويرى الدكتور محسن خضر ان ثمة عقبات تقف في طريق التوحيد منها التوجس السياسي والاختلافات القطرية بين أي قطرين متجاورين وبالتالي فان توحيد العملة او النظام الجمركي او السياسة الاعلامية او المقررات التعليمية ربما ينال من نفسية حاكم هنا او صورة حاكم هناك لاختلاف سياسي في الاساس دون ان نغفل بعض الاختلافات العرقية والطائفية في بعض الاقطار العربية، الا انني استطيع ان اقول لك اضمن لي الوحدة السياسية اضمن لك كافة اشكال التوحيد العربي. فلعلنا ننجح في الساحة التعليمية فيما فشلنا فيه على الاصعدة السياسية والاقتصادية بالاخص يجب ان نفكر في مداخل جديدة للوحدة غير المدخل السياسي الذي جربناه وفشل ودون ان نستبعده. وعلى سبيل المثال في اثناء اطروحتي للماجستير حول نظم ومقررات التعليم المصري في حقبتي عبد الناصر والسادات لاحظت كيف انعكس الخلاف بين مصر بعد رحلة القدس الكارثية وبين الاقطار العربية الاخرى لتغيير مسمى مقررات التاريخ والدراسات الاجتماعية لتقليص المسمى العربي من عليها وكأننا نسلخ الشعب المصري من هويته العربية رداً على الموقف العربي من سياسات السادات الخاصة بالتطبيع. اما الدكتور طلعت عبد الحميد الخبير التربوي واستاذ اصول التربية بجامعة عين شمس فيرى انه من الممكن ان يكون التعليم مقدمة لتكوين ما اطلق عليه كتلة حرجة تنقل المجتمع العربي إلى مجالات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية اخرى عن طريق التعليم. وعن آلية توحيد المناهج التعليمية للدول العربية يرى الدكتور طلعت ان تنفيذ هذه الفكرة تبدأ من الاقرار بما انتجته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الاليسكو) باعتبارها بيت الخبرة التربوي العربي الذي يجمع بين جنباته كل الدول العربية وتعرض اعماله على كافة الوزراء العرب وممثليهم من خلال المكتب التنفيذي وتكوين بنى مؤسسية لتفعيل الاستراتيجيات والخطط والبرامج التي اقرها الاليكسو. ويطالب الدكتور طلعت عبد الحميد وزراء التعليم والمعارف والتكوين تطبيق ما جاء في تلك الوثائق واعتبار قضية التعليم قضية امن قومي تجند له كافة الموارد المادية والبشرية واثارة الارادة المجتمعية والسياسية في هذا الصدد. فنحن نذكر جميعاً ان الولاياتالمتحدةالامريكية في عام 1959 عندما اطلق الاتحاد السوفيتي السابق اول سفينة فضاء اجتمع رجال السياسة ورجال العلم وقال الرئيس في ذلك الوقت ان مادتي الطبيعة والرياضيات هي خط الدفاع الاول عن الولاياتالمتحدةالامريكية وكذلك عندما غزت البضائع اليابانية الاسواق الامريكية ظهر تقرير عنوانه "امة في خطر" وتم تغيير السياسة التعليمية في ذلك لوقت فاذا كانت الدول الكبرى عندما تتعرض إلى مشكلات اقتصادية او سياسية او تقنية تلجأ إلى التعليم. فاذا كانت هذه الدول تتحدث وتقول انها امة في خطر فمتى يكون للامن العربية مستقبل؟! توحيد الاسس والتوجهات وعن استراتيجية توحيد المناهج التعليمية يرى الدكتور طلعت ان يكون التوحيد توحيدا في الاسس وتوحيدا في التوجهات وليس في التبنيط، كذلك يجب ان يكون التعليم محوره الابداع وقائما على تأكيد مبدأ اتاحة فرص التميز للجميع وكذلك ايضاً ان يكون التعليم ليس لبعض الوقت وانما تعليم مستمر مدى الحياة ويجب ايضاً ان يؤكد التعليم على الهوية المنفتحة على الآخر المحافظة على اصولها والمستوعبة لكافة المستجدات والمتجددة في نفس الوقت. وفي النهاية نترك السؤال التالي بين ايدي قرائنا الاعزاء لعل الايام تجيب عنه.. هل ينجح حقاً التعليم في تحقيق ما فشلت فيه السياسة؟! فصول تعليم البنات