عزيزي رئيس التحرير بعض المربين من المعلمين والمعلمات يعتقدون أن دورهم تجاه الطلاب والطالبات يتقصر فقط على حشو الأذهان بالمعلومات المجردة وتأدية المهام الوظيفية بصورة روتينية تقليدية ثم ينسلخون منها و (بسعادة غامرة) بمجرد مغادرة أسوار المدرسة وهنا تكمن المشكلة إذ أن الدور المطلوب من المربين يكون مغيبا بهذه الأساليب المقيتة التي تجنح للسلبية وتحقق الضرر لجيل قادم نحن مؤتمنون عليه. حينما يستعرض احدنا شريط الذكريات في حياته التعليمية السابقة يجد أنه لا يرسخ في الذاكرة من المعلمين الا من كان له عطاء مثمر واثر ايجابي محمود عليه. حدثني احد مديري المدارس عن موقف تربوي حدث له عندما كان معلما في احدى مدارس المرحلة المتوسطة حيث لاحظ انحدارا ملفتا للمستوى الاخلاقي والعلمي لاحد الطلاب المتميزين وبنظرة المربي الثاقبة وجد ان ذلك الطالب في علاقة وثيقة مع طالب آخر يعاني من مشاكل سلوكية متنامية، يقول هذا المربي الفاضل اجتمعت مع تلميذي المتميز وأبديت له بحنو وشفقة اهتمامي بمصلحته وخوفي على مستقبله من هذه العلاقة الحميمة مع ذلك الطالب المشاغب المشاكس فقال ان ذلك الطالب جار لهم وانه يدعوه دائما لبيتهم للمذاكرة واللعب، يقول المربي فعرفت ان هذا من الأسباب الجوهرية للمشكلة فطلبت من تلميذي النجيب ان يدعو زميله لأن تكون المذاكرة واللعب في بيتهم هو، بعد ذلك أخبرت والده بالموضوع وكان متفهما للأمر وطلبت منه أن يتابع بروية ويراقب بحكمة الطالبين فكان دور المنزل مكملا لدور المدرسة، النتيجة كانت مبهرة حيث تأثر ذلك الطالب السيىء بزميله المتميز وتحول سلوكه غير المرغوب إلى سلوك حسن وتواصلت تلك العلاقة إيجابيا. يقول الاستاذ الفاضل: الاثنان اصبحا الآن بفضل الله في منصبين اداريين مهمين في الدولة وكلما رآني أحدهما أو كلاهما يبادراني بالسلام ويقبلان رأسي فقلت ونحن أيضا نقبل رأسك أيها الأستاذ الفاضل وبارك الله فيك وفي أمثالك ممن يبذلون بإخلاص وتفان في خدمة مجتمعهم ووطنهم. وللتحليل التربوي العلمي للموقف الآنف الذكر نجد أن التأثر السلبي لذلك الطالب المتميز كان طبيعيا بحكم المرحلة العمرية والفئة السنية التي يمر بها طلاب المرحلة المتوسطة وفي هذا السياق يذكر الدكتور النغيمشي في كتابه (المراهقون):(إن توجه المراهقين الى اقرانهم وزملائهم المقاربين لهم في السن بسبب التشابه في الخصائص العضوية والعقلية والنفسية والاجتماعية حيث ان الشباب الصغار يقاطعون مجتمع الكبار ويتجهون لتشكيل بيئات وثقافات خاصة بهم لها لغتها ورموزها وفوق ذلك لها نظام قيم مختلف عن نظام الكبار ومن هنا يمكن القول إن المراهق لا يجد فهما من الكبار المحيطين به لذا تزداد أهمية الرفقة بالنسبة إليه ويفخرون بإخلاص بعضهم لبعض من جراء هذه العلاقات بينما يعزفون عن استشارة أساتذتهم والاسترشاد بهم وخصوصا في مرحلة المراهقة المتوسطة). وفي الجانب الآخر نجد ان ذلك المربي الفاضل عالج الموقف بنجاح مستثمرا (مخزونه الخبروي) حيث حرص على الأساليب التربوية الحميدة بتعزيز السلوك الحسن وابتعد عن الأساليب التربوية غير المجدية كالعقاب مثلا الذي يقول عنه مؤلف كتاب (تعديل سلوك الطلاب) (فقد استخدمت البرامج العقابية منذ زمن بعيد كطريقة للتجاوب مع جنوح الأحداث، ولكن كانت هذه البرامج ذات تاريخ محبط، ومع ان العقاب يمكن ان يخمد النشاط غير القانوني فان آثاره ليست دائمة ولا تحقق المطلوب منها في حالات كثيرة، فقد تعلم الكثير من الأحداث - ببساطة - ان يتفادوا القبض عليهم ومعاقبتهم، وعندما يبتعدون عن أعين والديهم أو اشخاص السلطة الآخرين يظهر السلوك غير القانوني مرة اخرى، ويستمر بواسطة قرنائهم المؤيدين..) ولأجل الجيل القادم الذي سيحمل فوق كاهله الاستحقاقات المستقبلية اتمنى ان نقوم جميعا بمسؤولياتنا بهمة عالية وعمل دؤوب، وكما يسعدني ويزيدني غبطة وسرورا كل أب ومعلم ومعلمة غرسوا شتلات صغيرة ثم سهروا على سقيها والعناية بها فضربت بجذورها الأرض ثم أينعت وأثمرت فآتت أكلها كل حين بإذن ربها. تحية إكبار وإجلال لأولئك الأفذاذ وشكر الله لهم جهودهم الخيرة ووفقهم لخيري الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب. @@ وليد بن سليم السليم