صالح بن عبدالرحمن القاضي أستاذ كريم، ومربّ جليل، افتقدته أروقة التربية والتعليم ومؤسساتها صباح يوم الأربعاء الأول من جمادى الأولى سنة 1426ه، وكان خبر وفاته فاجعة عظمى، وخسارة كبرى، كيف لا؟، وهو الذي استطاع أن يجسد قولاً وعملاً معاني المربي الجليل، المخلص، الدؤوب، صاحب الرسالة والدور المسؤول، في تربية الناشئة وتعليمهم، لقد تبنى - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - مشروعاً تربوياً مؤثراً صادقاً يعنى بممارسة الأدوار التربوية والتعليمية لكل مسؤول تربوي في المدرسة، لقد حمل هماً كبيراً، وجسد دوراً رائداً، لفت له الأنظار، بين أدوار تاهت في خضم العمل اليومي في ميدان التربية والتعليم، لقد أبدع في جعل المربين ينظرون إلى أنفسهم بجلاء أثناء مواقفهم التعليمية والتربوية، وممارساتهم اليومية، من خلال التوجيه السديد لما يجب أن يلتفت إليه كل مربّ وهو يتعامل مع طلابه، لقد أرشدهم إلى ما يجب أن يعطى الأولوية في التعامل مع الطلاب ومشكلاتهم وسلوكهم، وما يؤمل منهم. صالح القاضي مرآة نقية صافية، تحقق لكل من وقف أمامها أن يرى نفسه بجلاء ليعرف مدى ممارسته لما يجب في مواقفه التعليمية، فكان الدرس بليغاً، والأثر جلياً، لم يلتق به أحد إلا وتأثر به، ودعا له، وطلب منه المزيد، صالح القاضي نموذج من المربين الذين عرفوا أدوارهم، عرفوا ما يجب عليهم فعله، عرفوا كيف يحولون مواقفهم التعليمية إلى أداء مثمر منتج من خلال طرح المعلومة وتطبيقها عملاً وسلوكاً، لم يقف عند المعلومة بل تناولها باعتبارها مفهوماً كون منه قيمة، ثم سلوكاً، ربط المعلومة بالواقع الحيوي اليومي للطالب والمجتمع، بكل متغيراته ومستجداته. صالح القاضي مربّ عرف ماذا يريد؟ فكان تأثيره كبيراً على زملائه وطلابه، وكان له قبول قل أن تجد له نظيراً، صالح القاضي مرآة استطاع المربون أن يروا أنفسهم فيها بجلاء، صالح القاضي عمل بإخلاص، وحماسة، فطاف وجال بين مدارس منطقة الرياض التعليمية، ولم يكتف بذلك بل تعدى فضله - بفضل الله - إلى مناطق ومحافظات تعليمية، فطاف بين مدارسها ناقلاً رؤيته التربوية، فانفتحت له القلوب والعقول قبولاً وتأثراً، ودعاءً، وعملاً، فجرى على يديه خير كثير، وفضل كبير، وعطفاً على هذا الفضل الكبير اتسم - رحمه الله رحمة واسعة - بالزهد في الدنيا والتوجه إلى الآخرة، فكان ذلك سبباً في قبوله وتفعيل مشروعه، وفي الاستجابة السريعة إلى التعامل الفوري مع رؤيته وتوجيهاته، قلت إنه طاف العديد من المناطق والمحافظات التعليمية على حسابه الخاص، لم يطلب البتة - وهو يقوم بهذا الجهد المضني جسدياً ومالياً - انتداباً، ولم يطلب عوناً بأي شكل كان، ينتقل على حسابه إما على سيارته، أو بالطائرة، سكنه وكل مؤونة السفر على حسابه. رحمك الله يا أبا هشام فمثلك قليل، ستبقى مثالاً للإخلاص ميتاً كما كنت مثالاً له حياً، ستبقى مؤثراً، مشروعك سوف يستمر - إن شاء الله - ولك الفضل في ذلك - بعد الله - ستبقى مثالاً للمربي، للمسلم التقي الورع المحتسب المؤثر، الدؤوب، الساعي إلى الله طالباً جناته ورضوانه، فجزاك الله خيراً عن كل من عمل معك، وتعاملت معه، كل من قابلت في مدارسنا، فسمع توجيهاتك جزاك الله خيراً عن كل طالب أرشدته ووجهته، كلنا جميعاً نقول لقد افتقدنا مربياً فاضلاً، وداعية زاهداً، وأستاذاً مخلصاً دؤوباً، فإلى جنة الخلد - إن شاء الله - مع النبيين والصديقين والشهداء. وأسأل الله أن يجعل ما قدمه في ميزان حسناته، وصلاحاً في أبنائه وعقبه.