يتعرّض المكتب الفيدرالي للطيران المدني لضغوط شديدة من المستهلكين ووكالات السفر تُطالبه بنشر قائمة شركات الطيران الممنوعة من التحليق في الأجواء السويسرية.المكتب الفيدرالي للطيران المدني لا يُمانع في ذلك، لكن إلتزامه باحترام القانون الدولي يحول دون نشر القائمة.السبب فى هذه الضجة ان سويسرا تشهد منذ حادث سقوط الطائرة التابعة لشركة فلاش ايرلاينز المصرية في مياه البحر الأحمر فجر 3 يناير الجاري جدلا واسعا حول حق المستهلكين في معرفة وضع الشركات التي يختارون السفر على متن طائراتها.ففي ظرف لا يتجاوز اليومين، تعرّض المكتب الفيدرالي للطيران المدني الذي أعلن يوم الأحد 4 يناير أن سويسرا فرضت حظرا على تحليق الطائرات التابعة لشركة فلاش ايرلاينز منذ شهر أكتوبر 2003 فوق أجوائها، إلى سلسلة من المطالب العاجلة.وأثار إعلان مدير المكتب الفدرالي للطيران المدني عن وجود قائمة تضم 23 شركة طيران ممنوعة من الهبوط في مطارات سويسرا أو من التحليق في أجوائها، موجة واسعة من التساؤلات والمطالب الداعية إلى تمكين المستهلكين ووكالات السفر من معرفة أسماء الشركات المعنية.بالإضافة إلى جمعيات الدفاع عن حقوق المستهلكين في الأنحاء الناطقة بالألمانية والفرنسية في سويسرا، طالبت يوم الأربعاء الفدرالية السويسرية لوكالات السفر بعدم إخفاء أسماء الشركات المخالفة، ودعت المكتب الفدرالي إلى التعامل بشفافية تامة في هذا الملف. نشر القائمة.. غير ممكن! وتقول جاكلين باخمان، مديرة مؤسسة حماية المستهلكين إن أعدادا متزايدة من الحلفاء يطالبوننا بمعلومات حول سلامة شركات الطيران، ونحن مُضطرون للإجابة بأن الحكومة نفسُها لا تقدّم مثل هذا النوع من المعطيات.في المقابل، تشدد منظمة الدفاع عن المستهلكين على حقّ المسافرين في الحصول على المعلومات الضرورية، وتذكّر بصوت واحد أن حياتهم هي التي تُصبح في الميزان فور إقلاع الطائرة التي يستقلّونها.وتقول هذه المنظمات ووسائل الإعلام السويسرية بأنه إذا كانت سلطات الطيران المدني السويسرية ونظيراتها في أوروبا على دراية بأن طائرات فلاش ايرلاينز لم تكن تلتزم بإجراءات الأمن والسلامة، فإن الضحايا المائة والثمانية وأربعين لم يكونوا على دراية بذلك، ويبدو أنهم دفعوا حياتهم ثمنا لهذا الجهل.من ناحيته، يرفض المكتب الفيدرالي للطيران المدني أي نشر للمعطيات الموجودة بحوزته، ويؤكّد وجود "اتفاق جانتلمان" بين الحكومات يضمن للشركات الممنوعة من الطيران في بلد ما عدم الإعلان عن هويتها.ومن مبررات هذا العُرف القائم بين شركات الطيران وهيئات مراقبة الامن والسلامة الجوية، الحرص على عدم استغلال ذلك في التنافس التجاري والتشهير بالشركات، على اعتبار أن الشركات المعنية ستلتزم برفع الخلل وإزالة العطب على الفور.ومع أن اهتمام البعض بتحقيق الأرباح أو الحفاظ عليها كان أهم من التفكير في أرواح الآخرين، إلا أن المتحدثة باسم المكتب الفدرالي للطيران المدني قالت لسويسر انفو "إننا لن نخاطر بكسر هذا الاتفاق، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى استبعادنا من الندوة الأوروبية للطيران المدني".وتضيف السيدة سيليستين بيريسينوتو: "إن سويسرا لن تتمكّّن حينها من الاطلاع على المعطيات التي يتقاسمها بقية أعضاء الشبكة".مخاوف من كارثة من جانبه، قال وليام جايار، مدير الاتصال في الرابطة الدولية للنقل الجوي (IATA): لو غيّرت سويسرا القاعدة، فإن ذلك سيؤدّي إلى انهيار نظام تبادل المعلومات، ومن المحتمل جدا أن يُصبح الحصول على معلومات من جانب شركات الطيران الأخرى أمرا مستحيلا. ويُضيف السيد جايار أن الرابطة الدولية للنقل الجوي ترى أن من حق الجمهور أن يعرف أسماء الشركات المتّهمة، ولكن في حال وجود "إخلالات خطيرة". على العكس من ذلك، يرفض الأمين العام التنفيذي للمؤتمر الأوروبي للطيران المدني بشدة مثل هذا المقترح. ويقول ريمون بنجامان ، إن إجراءا من هذا القبيل، سيؤدّي إلى خلق وضع من الريبة، سيكون بمثابة الكارثة، لأنكم ستضعون بين يدي الجمهور، بعضّ النظر عن مدى احترامنا له، معلومات لا قُدرة له على تقييم أهميتها. ويُبرّر الأمين العام التنفيذي للرابطة الدولية للنقل الجوي هذا الموقف بالإشارة إلى أن رفع السرية عن هذه المعلومات سيؤدّي إلى ما يُشبه الهلع، بل إن شركات جوية ستختفي بين عشية وضحاها بناء على معلومات صالحة في لحظة محددة وعلى طائرة محدّدة، على حدّ تعبيره. ندعم التغيير لقد أثار حادث سقوط طائرة فلاش ايرلاينز قبالة منتجع شرم الشيخ المصري بقوّة أحقية المستهلكين في معرفة مدى التزام الشركة التي يسافرون على متن طائراتها بإجراءات الأمن والسلامة وفقا للمعايير الدولية. ومع إشارة البعض إلى أن نشر قائمة الشركات التي لا تلتزم بإجراءات السلامة، لن يختلف كثيرا عما تفعله وزارات الخارجية في العديد من الدول من خلال إصدار تحذيرات أو تعليمات لمواطنيها بشأن المناطق غير الآمنة في العالم لتجنب التوجه إليها، إلا أن الإعلان عن أسماء تلك الشركات، سيؤدي إلى بروز مشاكل مستعصية عن الحل. وقد اتضح من خلال الجدل الذي عرفته سويسرا في الأيام الأخيرة أن بإمكان وكالات السفر معرفة ما إذا كانت شركات النقل الجوي التي تتعامل معها موجودة على اللائحة السوداء للمكتب الفدرالي للطيران المدني أم لا، إلا أنه لا يُسمح لها بالكشف عن إسم الشركة لحلفائها. ومن المحتمل الآن أن يتطور هذا النقاش في صورة إقدام المزيد من الجهات داخل سويسرا وخارجها على المطالبة بالإعلان عن أسماء تلك الشركات، وإلغاء "اتفاق الجنتلمان" المعمول به بين الهيئات الوطنية المعنية بمراقبة سلامة الطائرات. واستباقا لهذه التطورات، أكّد المكتب الفيدرالي للطيران المدني على لسان الناطقة باسمه لسويس انفو، أنه سيدعم "بكل تأكيد" مقترحا أو توصية تدعو إلى التخفيف من قواعد السرية ضمن المؤتمر الأوروبي للطيران المدني، إلا أن هذا الموقف سيُواجه حتما بمعارضة شديدة، نظرا لما يترتّب عنه من تغييرات هيكلية، وخاصة لدى وكالات الأسفار وشركات الرحلات.