أستطيع ان أتخيل هول الاحباط الذي يسكن اليوم شارع الكرة الاماراتي بعد أن صاغ الابيض على هذا النحو المفجع خليجية السادس عشر بالكويت. استطيع أن أتبين عمق الحزن الذي أسر الجماهير الاماراتية بعد ان انتهى الحلم الخليجي الى هذا الحطام الغريب فما اقسى على النفس من أن تتبين بعد ان دار الزمن الخليجي دورته هذه عمق الوهم الذي اشترته من ناصية الشارع. استطيع أن أقدر غور الجرح. كما استطيع من خلال كل معايناتي ان استجمع نتف الصورة التي تنطق بحقيقة ما بعدها حقيقة، أن الأبيض الاماراتي وان ذهب للمنافسة على اللقب. لم يحصل في النهاية الا على ما استحقه، فلا شيء فيه كان ينبئ بأنه سيفوز باللقب أو سيكون وصيفا للبطل. الأمانة تفرض أن نقول ان الأبيض الاماراتي جنى من هذا الخليجي ما كان يستحقه فعلا. فلا شيء آخر ظلمه غير نفسه. ولا قوة خارجية تسلطت على حلمه لتهد كل معاقله كما قوته هو. ولا أحد يمكن أن يلام على الذي حصل غير المنتخب الاماراتي نفسه.. والقصد هنا ان يكون المدرب هودجسون هو المذنب. وان يكون اللاعبون أنفسهم مذنبين. في النهاية هي مسؤولية جماعية لا يمكن ان يستثنى منها أحد. ولأننا في حالة القهر النفسي الشديد غالبا ما نبحث عن أقرب قشة. فإن الشماعة التي سيعلق عليها الاخفاق وفي كليته هو المدرب هودجسون، فهو من يختار اللاعبين وهو من يصمم اسلوب اللعب. وهو من ينشط هذا الاسلوب وهو من قرأ الخصوم والمباريات، وهو من يكيف نفسه مع متغيرات أي مرحلة. ولا أستطيع أن أعفي السيد هودجسون من مسؤولية هذا الاحباط، فالقرائن على افلاس فكره الغني والتكتيكي وعلى تنصله من كل المواثيق الادبية التي تربط ربانا بملاحيه بدت واضحة على كثرتها في اكثر من مباراة. الا أن السؤال الذي لا يمكن أن نجزع منه ونحن ننهض في رماد الانكسار هو: هل المدرب هودجسون وحده المسؤول عن هذه الكوارث؟ لو تمسكنا في القول بمسؤوليته وحده، فإن ما سيحدث ان المدرب هودجسون سيقال بأمر الشارع ومنطق النتائج وسيرحل وقد رحل كثيرون غيره.. ويتصور الكل بالخطأ ان العيب هو في المدربين.. مع أن العيب الحقيقي هو في واقع كروي برمته.. هو من أفتى بالاختيار. وهو من هيأ أرضية الاختيار، وهو من حدد العلاقة بمن شمل اختيارهم. الشجاعة التي تستلزمها اللحظة هي في مساءلة هذا الواقع بكل تجرد.. كيف هي تركيبته.. ما كيمياؤه.. وهل هو واقع يعبر عن محيطه وعن بيئته.. من القيم عليه.. ومن المسؤول عن ضبطه.. وهل هناك آليات حقيقية للسيطرة عليه..؟ وبالطبع عندما أقول الواقع الكروي فإنني أعني كل تضاريسه وكل مناخاته، أنديته ومنتخباته، دوريه ومنافساته، قواعده وهياكله، فنحن ازاء هرم إذا لم تكن قاعدته صلبة فإن قمته ستكون بلا شك مهترئة، آيلة للسقوط.. وقمة أي هرم بالطبع هي منتخباته بمختلف فئاتها العمرية.