سنة 2003 كانت العام الذي توجب فيه على العديد من الامريكيين ان يقفوا الى جانب هذا الطرف او الآخر حول العديد من القضايا. من مقاعد الكنائس الى المحاكم، ومن (التوك شو) الى اروقة الكابيتول هيل - الكونغرس - هذا الجدال حول المسائل الاجتماعية - كالاجهاض وزواج المثلين والحق في الموت - جعل الامريكيين امة منقسمة على نفسها ايضا بسبب الحرب في العراق. الشعور بالوحدة الذي تعاظم في البلد في اعقاب الهجمات الارهابية في 11 ايلول 2001 تلاشى، وعاد التراشق الكلامي المحموم وتبادل الاتهامات مع اقتراب امريكا اكثر من السباق الرئاسي للعام 2004. ويقول دافيد بلانكنهورن، رئيس (معهد القيم الامريكية) : لقد عادت السخرية بكل قوتها. وعاد التحزب السياسي غير الاعتيادي والقسوة الكلامية. في هذه السنة تبادل القادة السياسيون الاهانات وتصادموا حول التخفيضات الضريبية واصلاحات الضمان الصحي، وتظاهر انصار ومعارضو الحرب في الشوارع، وتوجه ناشطون اجتماعيون إلى امام مبنى المحكمة الامريكية العليا. وحسب اندرو كوهوت، مدير مركز بيو لابحاث الشعب والصحافة، ان الانقسامات السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين اصبحت تبرز اكثر مع ازدياد الاستقطاب في الحزبين الرئيسيين. ويقول كوهوت : ان الخلافات التي نراها حول مختلف القضايا بين الجمهوريين والديمقراطيين تزيد من كل ما شاهدنا منذ اواسط الثمانينات والانقسام واضح حول مجموعة كبيرة من المواضيع، بينها الانفاق الاجتماعي والدين والحرب على الارهاب. وعلى سبيل المثال اظهر استفتاء اجراه مركز بيو مؤخرا ان 72 في المائة من الجمهوريين يحبذون اتباع سياسة حكومية تقضي باحتجاز المشتبه بهم بأعمال ارهابية دون محاكمة - وهذا رأي أيده 46 في المائة من الديمقراطيين في نفس الاستفتاء. الامريكيون - الذين آلت آخر انتخاباتهم الرئاسية الى تعادل حقيقي - منقسمون منذ وقت طويل حول عدة مسائل اجتماعية، وقد برزت خلافاتهم في عدة مجالات هذه السنة 2003 : * رحب انصار العمل الايجابي بفتوى المحكمة العليا بأن العرق يجوز اعتباره احد العوامل التي تأخذها الكليات بعين الاعتبار في اختيار طلابها. * اثنى دعاة الحق في الحياة على الرئيس بوش لاقراره قانونا يمنع بعض عمليات الاجهاض. وقوبل القانون بمعارضة فورية من البعض. اتخذت قضايا جدلية اخرى طابعا مرتبطا بأفراد. فقد امتحن قاضي محكمة الآباما العليا روي مور اختراق جدار النار بين الدولة والكنيسة ونحي من وظيفته عندما رفض امرا من الحكومة الفدرالية بإزالة نصف الوصايا العشر من احد المباني الحكومية ويعتزم مور استئناف قرار ابعاده من اجل استعادة وظيفته. * جسدت تيري سيكافو، وهي امرأة مصابة بتلف دماغي شديد في فلوريدا الجدل المحزن حول الحق في الموت في جدل عائلي تحول الى معركة قضائية انجز اليها في النهاية حاكم الولاية جب بوش (شقيق الرئيس بوش) وبرلمان الولاية. كل هذه القضايا الاجتماعية كانت تظهر وتغيب عن رادار الشعب منذ عشرات السنين. ولكن كان لدى المواطنين سبب آخر للاختلاف هذه السنة : الحرب العراقية. ويقول بلانكنوهورن (من معهد القيم الامريكية) : كانت هناك وحدة صف عظيمة ازاء الحرب في افغانستان، وانقسام عظيم حول الحرب في العراق. هناك تململ كبير. اشخاص يموتون كل يوم. وقد اظهرت عدة استطلاعات آراء ان الشعب منقسم بالتساوي تقريبا حول كيفية تعامل بوش بالمسألة العراقية - ويمثل ذلك تراجعا كبيرا منذ شهر أبريل الماضي بعد بدء المعارك حين اظهر استطلاع لشبكة CBS ، على سبيل المثال، ان نسبة التأييد تبلغ 75 في المائة. ومن ناحية اخرى، لا يزال التأييد لحملة بوش ضد الارهاب قوية اذ بينت عدة استطلاعات ان النسبة تصل الى الثلثين. وظلت استطلاعات سابقة جرت عندما كانت انباء تزايد الاصابات في صفوف الجنود الامريكيين تحتل صدارات الصحف، بتزايد الخيبة من الحرب. ويقول روبرت شابيرو، استاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا والمتخصص بالرأي العام : اعتقد ان هناك خوفا من ان يتحول هذا الى مستنقع وان يمتد الى الابد، ونحن ندفع الثمن بالدولارات والارواح. ويضيف شابيرو ان تراجع التأييد مرتبط ايضا بتنامي الشكوك حول مزاعم بوش ان العراق يمتلك اسلحة الدمار الشامل، وهذا احد المبررات للاطاحة بصدام حسين. (وظهر استفتاء ان شعبية بوش ارتفعت قليلا بعد القاء القبض على صدام حسين). واضافة الى كل الاستطلاعات والمشاحنات السياسية، كان هناك تذكير صارخ في قلوب الامريكيين بأن الحرب يمكنها ان تكون عامل انقسام - حتى داخل العائلات بمفردها. عندما جرى دفن الملازم اول برايان سلافيناس وهو قبطان طوافة تشينوك قتل في العراق في ايللينوي في نوفمبر كرمه كل من والديه المختلفين بطريقة مختلفة، فوالدته رفضت تشييعه في جنازة عسكرية واتهمت بوش علنا بالتسبب بمقتله. اما والده، وهو من قدامى المحاربين، فقد ايد بوش وحضر احتفالا بالاعلام الامريكية اشتمل على اطلاق النار تحية له وتحليق سرب الطوافات فوق المكان. وفي الخريف افتت محكمة مساتشوستس العليا بعدم دستورية حرمان المثليين من حق الزواج، وطلبت من المشرعين في الولاية تعديل قوانين الزواج في الولاية. وانقسم الامريكيون ايضا حول الحق في الاجهاض، وهذه على الدوام قضية مشحونة وصلت الى صدارة الصحف هذه السنة عندما اقر الكونغرس - ووقع بوش - على قانون يمنع الاجهاض في مراحل معينة من فترة الحمل. الا ان انقسام الامة حول مسائل اجتماعية ليس امرا جديدا او غير اعتيادي، حسب الخبراء الذين يحذرون من المبالغة في التداعيات. رجال شرطة مونتغمري كاونتي يسحبون متظاهرا