يصل وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر إلى الولاياتالمتحدة غداً «الاثنين» ومن غير المحتمل أن يلاحظ الارتياح الامريكي الدفين بسبب الاضطراب في أوروبا على خلفية رفض فرنسا وهولندا للدستور الاوروبي الموحد. لكن لا شك في أنه سيلحظ قدرا من «الشماتة» في الهواء الامريكي بسبب عدم موافقة الناخبين في فرنسا وهولندا على مزيد من التكامل الاوروبي وما تبع ذلك من انخفاض في سعر العملة الاوروبية الموحدة (اليورو) وبسبب التغيير المتوقع في الحكومة الالمانية ... حتى ولو ادعت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس غير ذلك. وقالت رايس الاسبوع الماضي «إن الولاياتالمتحدةالامريكيةسعيدة للغاية بسبب وجود شريك قوي في أوروبا يعمل معها في موضوعات حيوية مثل السلام والمجاعة والفقر والفرص والحرية.» وأضافت «ندرك أن هذه فترة صعبة وأنه سيكون هناك بعض الوقت للتفكير في كيفية السعي قدما لكننا لن نقطع الامل في وجود أوروبا تهتم (بالصعيد) الخارجي» ... ولا يقتصر نظرها على الاوضاع «الداخلية». لكن رايس لم تسرد سوى نصف الرواية. وقال جيرمي شابيرو عالم السياسة بمعهد بروكنجز أحد مراكز الدراسات التي تتخذ من واشنطن مقرا لها في حديث هاتفي «إن المتشككين في (قوة) اليورو الذين لم يثقوا أبدا في أوروبا لديهم يقين بأنه يتعين على الولاياتالمتحدة أن تنسى أوروبا حينما يتعلق الامر بالمخططات العالمية (لأمريكا).» وقال شابيرو إن كثيرين من المحافظين الجدد في واشنطن انتابهم شعور بعدم الرضا بعد أن رأوا جهود الرئيس الامريكي جورج بوش مع بداية ولايته الثانية في كانون الثاني/ يناير الماضي في كل من بروكسل ومينز. فهؤلاء المحافظون الجدد يشعرون بارتياح دفين إزاء هذه المشكلات. وهدفت جهود الرئيس الامريكي إلى تحسين العلاقات عبر الاطلسي بعد أن تصدعت بتباين المواقف من الحرب على العراق. وكتب الامريكي المحافظ كال توماس أن «الرفض الفرنسي للدستور الاوروبي... سيعطي الامريكيين الذين أغضبهم عدم دعم فرنسا لحرب العراق والتوجه المعادي (لسياسات) الولاياتالمتحدة بصفة عامة في فرنسا شعورا بالرضا العميق إزاء ما أصاب (الرئيس الفرنسي جاك) شيراك من خزي.» وقال شابيرو إنه على الرغم من ذلك سيظل بوش على موقفه بشأن سياسية الوفاق التي ينتهجها لأن حرب العراق أظهرت أن وجود «أوروبا منقسمة لن يعود بالنفع الكبير على الولاياتالمتحدة.» وأضاف شابيرو أن واشنطن تحتاج لاوروبا كشريك في حل المشكلات مع إيران والصين والسودان. لكن الثقة المحدودة في الاتحاد الاوروبي آخذة في الانحسار. ونصح وزير الخارجية الامريكي الاسبق هنري كسنجر بأن الاوروبيين يتعين عليهم وضع أهداف سامية بعيدة المدى والاستعداد للتضحية والتوصل إلى حلول تفاوضية وسط. وفسر الرفض الفرنسي للدستور الاوروبي الموحد بنسبة 55 في المئة والهولندي بنسبة 62 بالمئة في الولاياتالمتحدة على أنه معارضة مخيفة للمنافسة الدولية والاسواق المحررة والعالمية و«الرأسمالية الانغلو - ساكسونية». وكتب ديفيد إجناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» أن الرفض كان «احتجاجا صاخبا على القوة الممزقة والمدمرة للعولمة الاقتصادية» التي استهدف النخبة السياسية الاوروبية الداعمة للدستور. وكتب في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أن الاتحاد الاوروبي مثل «جراب ملاكمة»... يراه الفرنسيون مغرقا في الرأسمالية ويراه البريطانيون مغرقا في الاشتراكية. وكتب في صحيفة «نيويورك تايمز» أن أوروبا أصابها الهم تجاه المستقبل والضرائب الكبيرة والنمو الاقتصادي البطيء. وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» «إن أوروبا تدفع الان ثمنا «غاليا لفشل تجربتها مع اشتراكية دولة الرفاه.» وأضافت أن الولاياتالمتحدة وفرت 40 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشرين الماضية فيما لم تنجح أوروبا الغربية سوى في توفير عشرة ملايين فقط. وقالت «إن ثورة شعبَيْ فرنسا وهولندا ضد التكامل الاقتصادي يرجح أن هاتين الدولتين... بلا سبب واضح محصنتان ضد التغيير.» وكتب البروفيسور كريستوفر شيفيز من جامعة جونز هوبكنز أن نتيجة التصويت الفرنسي أنهى أحلام شيراك في أن تصبح أوروبا قوة عظمى. والانقسامات السياسية في برلين كانت سبباً في ردود فعل إيجابية في أروقة الادارة الامريكية. ويقر دبلوماسيون أمريكيون بأن بوش لا يحب ولا يثق بالمستشار الالماني جيرهارد شرودر. وحينما يزور شرودر البيت الابيض كما هو مقرر في وقت لاحق من الشهر الجاري ستجرى له مراسم استقبال بوصفه مسئولا منتخبا من المستبعد استمراره في السلطة.. وقالت صحيفة «واشنطن تايمز» المحافظة إن الديمقراطيين المسيحيين الذين يمثلون المعارضة في ألمانيا ربما يكون «العمل معهم أفضل من (العمل) مع شرودر» حتى إذا لم ينجح الميلاد الجديد للمحافظين في ألمانيا «في حل الخلافات بين الولاياتالمتحدةوألمانيا بشأن مسائل منها العراق والتجارة والقانون الدولي». وهناك أيضا خلاف بشأن سعي ألمانيا لان تكون عضوا دائما بمجلس الامن الدولي. ويرى معظم المسؤولين الامريكيين أن واشنطن لن تدعم بأي حال من الاحوال مساعي ألمانيا بهذا الصدد. وتساءل أحد الدبلوماسيين الامريكيين في إشارة إلى معارضة روما لطموحات برلين واستمرار الدعم الايطالي للولايات المتحدة في العراق «كيف يمكن أن نشرح الامر لاصدقائنا الايطاليين؟» ولا يعتقد بوجود أمل في أن تخرج زيارات شرودر وفيشر ووزير الدفاع الالماني بيتر شتروك بنتائج مثيرة.