أن تجربة محاولة إيجاد تفسير لآية معينة من القرآن الكريم من قبل الباحث العلمي أو ممن يرومون تثقيف أنفسهم دينيا لا تخلو بأي حال من المتعة العلمية ولذة زيادة الايمان ذلك أن كل آية في القرآن الكريم لا تخلو من أعجاز علمي أو تشريعي أو بلاغي أو كلها مجتمعة. ولكن هذه التجربة لا تخلو من الصعوبة رغم الكم الهائل من الكتب التي عنيت بتفسير القرآن الكريم على مر العصور الإسلامية. وهذه الكتب ولاشك تحوي بمجملها كنوزاً علمية لا حصر لها ولكن الجمع والتوفيق بينها يتعذر على شخص بعينه مهما أوتي من العلم والوقت والإمكانيات. ولو قدر لباحث أن يستجمع كل ما قيل في تفسير لفظ أو آية معينة من القرآن بعد تحقيق علمي دقيق لكل رأي واختصار الآراء المتشابهة وترجيح الآراء المختلفة والنظر إلى تفسيرها من الناحية اللغوية والأدبية والعلمية ومقارنتها وبيان الأعجاز فيها لو قدر له ذلك لشعر أن قلبه قد ملىء أيمان وفهم وعلم. وقد وفق قادة الأمة الإسلامية في صدر الإسلام رضي الله عنهم وأرضاهم للمشروع التاريخي الأكبر وهو جمع القرآن الكريم والذي هو ولا شك متضمن في الوعد الرباني بحفظ القرآن. وتلا ذلك تفعيل جاد ومستمر لهذا الإنجاز الكبير وامتد ذلك إلى أيامنا هذه حيث يحق لنا أن نفخر باعتزاز بإنجازات مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. ورافق ذلك جهد آخر من قبل علماء الأمة في تفسير القرآن الكريم ووضع قوانين لتأويله بحيث يتم الحفاظ على معانيه الكريمة من أي تحريف أو تعسف في التأويل. وقد اجتمع الآن في مكتباتنا الإسلامية كم هائل من كتب التأويل والاستنباط والإعجاز القرآني والتي ألفت على مدار الأربعة عشر قرناً الماضية. ومن هذه المؤلفات القيمة ما هو تفسير كامل تتبع القرآن سورة سورة أو آية آية مثل تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير والبغوي والسعدي والشوكاني والشنقيطي وبعضها لم يصلنا في مصنف واحد كتفسير ابن عباس ومجاهد وغيرهم. وبعضها اقتصر على الجانب اللغوي من القرآن ككتاب الأشباه والنظائر وكتاب التصاريف ومنها ما جمع الآيات التي يربطها رابط واحد مثل الناسخ والمنسوخ وكتب أسباب النزول وكتب أحكام القرآن ومنها ما اختص بموضوع واحد في القرآن كالأخلاق في القرآن. ومن تلك المؤلفات القيمة أيضاً ما عني بالإعجاز القرآني مثل الإعجاز البلاغي في القرآن للدكتور وليد قصاب وكتاب من أسرار القرآن للدكتور علي العماري والفلك والطب في القرآن للدكتور أكرم أدريس وغيرها من عشرات الكتب المتخصصة. وأذكر أيضاً مؤلفات في التفسير رغم الانتقادات العلمية والتحفظ التي تحيط بها من قبل أهل الاختصاص والبحث العلمي إلا أنها والحق يقال لا تخلو من الفائدة مثل تفسير الفخر الرازي وتفسير سيد قطب. وهناك كنوز في التفسير متفرقة في مؤلفات بعض العلماء مثل ابن تيمية وابن القيم والشيخ ابن عثيمين بالإضافة إلى خواطر بعض المفسرين التي تحتاج منا فقط إلى تحقيقها. ومن الكتب ما يتحدث عن القرآن الكريم بشكل عام مثل كتاب الاتقان للسيوطي ومناهل العرفان للزرقاني. ومنها تفسير لمجمل آيات القرآن كالجلالين.وهنا يبرز تساؤل كبير لا أعتذر أن أخطأت في طرحه إلا والله بقلة علمي وحبي لكتاب الله. الا يمكن جمع هذا الجهد الهائل من مؤلفات التفسير في موسوعة واحدة شاملة تربط بين هذه المؤلفات القيمة بشكل أو آخر وتجمع بين متشابهها وترجح مختلفها على ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح وتحقق كل منها بما يخدم هذه الموسوعة العلمية. ومن الممكن أن تقوم على اخراج هذا العمل جامعاتنا المتخصصة بمساعدة بقية الجامعات والمراكز الإسلامية الكبرى وبإشراف علماء الأمة المعتبرين. ويمكن أن يستخدم فيها وسائل حديثة كبرامج الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت التي مجال البحث فيها خصب جداً حيث يمكن أن يربط الباحث فيها بين آلاف المؤلفات بإدخال مصدر فعل للكلمة موضوع البحث وهذا أمر لم يكن متوفراً لعلمائنا في القرون الماضية وليت شعري كم هي نعمة كبيرة في مجال البحث العلمي.وهي أيضاً كذلك من حيث تسهيل التواصل بين الباحثين والعلماء وتبادل الآراء بشكل مباشر وعلى أوسع نطاق. ان ما استفزني حقيقة لهذا الطرح هو أنني علمت أن مستشرقاً فرنسياً ( جول لابوم) حاول وضع تفسير شامل للقرآن وقد ترجم مؤلفه إلى اللغة العربية وكان فيه من تعسف التأويل ما الله به عليم. وهناك أمر آخر أيضاً وهو ما ابتلينا به من فهم خاطئ لبعض آيات الكتاب الكريم من قبل بعض مدعي العلم وتأويلها على أهوائهم وبناء أحكام خاطئة على ضوء ذلك الفهم. تراثنا الإسلامي والحمد لله يزخر بموسوعات للحديث النبوي نفخر بها كإنجازات إسلامية فلم لا يكون لدينا أيضاً موسوعة لتفسير المصدر التشريعي الأول في الإسلام. موسوعة تفسير القرآن الكريم لا شك حلم لكل مسلم ومسلمة. وبالمناسبة أنا أعرف أن هناك ما سمي بموسوعات التفسير ولكنها حقيقة ليست إلا نقلاً عن بعض المصنفات المذكورة وتبقى مجهودات فردية أما ما نحلم به فهو موسوعة شاملة جامعة لكل ما ذكر من مؤلفات بعد تحقيق كل منها والتأليف والتوفيق بينها على أساس علمي. * ممدوح الشمسة - الظهران