يمثل جذب الاستثمارات الاجنبية والمحلية واحدا من اهم التحديات التي يطرحها النظام الاقتصادي العالمي الجديد على الاقتصادات الدولية والاقليمية, حيث بلغت الظروف التي توفرها البيئة الاستثمارية والحوافز التي تقدمها للمستثمرين دورا كبيرا في جذب هذه الاستثمارات وتشجيعها على المشاركة في المشروعات الاقتصادية والاسهام في التنمية الاقتصادية. وتشير التقارير الى ان المملكة قد اجتذبت خلال السنوات الثلاث الماضية حوالي خمسة مليارات دولار تمثل صافي الاستثمار الاجنبي المباشر الفعلي والمخطط له. ويدل هذا على ان المملكة قد تجاوزت المرحلة الحرجة في تاريخها الاقتصادي, حيث كان الاستثمار الاجنبي المباشر قبل ذلك يظهر ارقاما سلبية ولكن اذا ما قارنا صافي الاستثمار الاجنبي للمملكة مع التدفقات التراكمية للاستثمار الاجنبي المباشر بالدول النامية كلها خلال نفس الفترة والتي تقدر بحوالي 600 مليار دولار, يتضح لنا بجلاء ضرورة تغيير البيئة الاستثمارية للمملكة العربية السعودية. من هنا تأتي صعوبة التحديات المستقبلية امام البيئة الاستثمارية السعودية, للحصول على نصيبها في (كعكة) الاستثمارات الاجنبية المباشرة خلال المرحلة القادمة, في ظل المنافسة العالمية التي تتسم بالكثير من العداوة والقوة من اجل الفوز بنصيب وافر من الاستثمارات المطروحة على الساحة الاقتصادية الدولية, وحيث تلعب البيئة الاقتصادية بكل ما توفره من ظروف ملائمة وحوافز ومزايا دورا كبيرا في تمكين الاقتصاد السعودي مستقبلا من الحصول على حصة اكبر من الاستثمارات الاجنبية المباشرة ومن ثم توفير الاموال اللازمة لتغطية التكاليف المستقبلية للتنمية. في ضوء هذه المتغيرات وذلك التحدي القادم, يجب ان ننظر الى تقرير برنامج ازالة معوقات البيئة الاستثمارية في المملكة, والذي تبنته الهيئة العامة للاستثمار, بعد مسح شامل للوقوف على اسباب ضعف جاذبية بيئة الاستثمار السعودية, وحيث توصل التقرير الى (106) معوقات تؤثر سلبيا على البيئة الاستثمارية, وتقلل من ثقة المستثمر في الاستثمار بالمملكة, مما يؤدي الى انخفاض حجم الاستثمارات المحتملة بالمملكة, واهدار فرص استثمارية عديدة كانت ستسهم في ايجاد فرص عمل للمواطنين. وقد طالب التقرير بمعالجة هذه المعوقات وازالتها, ومن ابرز هذه المعوقات: التعارض وعدم التناسق بين الانظمة, التغير المستمر للقرارات والانظمة, التفاوت في تفسير وتطبيق قواعد السلوك الاجتماعي, الموسمية في السياحة, ارتفاع معدل الضريبة على الشركات الاجنبية, بطء ومحدودية تطبيق سياسة التخصيص تأخر اصدار نظام لمكافحة الاغراق, تعارض بعض تطبيق الانظمة الحالية مع نظام الاستثمار الاجنبي, صعوبة توظيف وفصل العمال, صعوبة وعدم ووضوح اجراءات الضرائب والنظام المحاسبي, ضعف التمثيل الاقتصادي خارج المملكة, ضعف التشريعات المتعلقة بالمنافسة, ضعف الحماية المناسبة للاستثمارات, ضعف حماية حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع وحقوق المؤلف, عدم الوضوح في انظمة الجمارك وانعدام الشفافية، عدم دخول المملكة لمنظمة التجارة العالمية عدم ملاءمة الشروط الاقتصادية لاجتذاب نوعية الاستثمارات الاجنبية المرجوة, ندرة اتفاقيات تفادي الازدواج الضريبي مع الدول الاخرى, نقص العمالة الوطنية الماهرة, عدم تلبية المرافق السياحية للمتطلبات الترويحية للعائلة, بعض الانظمة وطرق تطبيقها تؤدي الى التميز بين الشركات الاجنبية. هذه بعض النماذج من المعوقات التي تواجه المستثمرين, والتي تؤدي الى عزوف المستثمر المحلي عن الاستثمار, وفي الوقت نفسه فانها تحد من تدفق الاستثمارات الاجنبية, ومن استقرار هذه الاستثمارات في السوق السعودية, بل وتؤدي الى انسحاب الشركات من العمل بالمملكة والى تكريس انطباع سلبي عن مناخ الاستثمار يعيق تدفق الاستثمارات الاجنبية الى المملكة, الامر الذي يتطلب جهودا كبيرة من كافة الجهات المعنية بحل مشكلات الاستثمار وازالة هذه المعوقات, من ناحية, ومن ناحية اخرى فان الهيئة العامة للاستثمار مطالبة بانتهاج اساليب للعمل وابتكار آليات جديدبة لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية والمحلية وحفز المستثمر الاجنبي على القدوم الى المملكة, وفي هذا يمكن ان نشير الى تأكيد سمو الامير عبدالله بن فيصل بن تركي محافظ الهيئة على دورها عندما يقول: ان دورنا الاساسي دفع وتشجيع الاستثمار لازالة المعوقات وتقديم التيسيرات وتذويب العقبات امام المستثمرين المحليين او الاجانب, والقضاء على المركزية والمراقبة والاشراف وانشاء مراكز لخدمة المستثمرين لمساعدة المحتملين منهم. وافاد ان الهدف من انشاء الهيئة العامة للاستثمار ليس مجرد تقديم الخدمات للمستثمرين او اقتراح السياسات لاستقطاب الاستثمار بل ايضا ترويج الاستثمار كنشاط قائم بذاته وله اساليبه وآلياته. ولعل اسلوب تنظيم المنتديات والمؤتمرات والندوات الاقتصادية الخارجية, التي نظمت الهيئة عددا منها منذ حوالي ثلاث سنوات, يصلح كقناة لحوار حول البيئة الاستثمارية السعودية ومتغيراتها حيث رعى سمو الامير عبدالله بن فيصل بن تركي محافظ الهيئة عددا من هذه المنتديات الاقتصادية ابرزها كان في باريس في اكتوبر عام 2000م. ولعل البيئة الاستثمارية بحاجة الى ايجاد صورة ذهنية عن ظروفها الجديدة, وعن طبيعة الحوافز والمزايا التي تقدمها للمستثمرين ولدى هذه المنتديات الاقتصادية الكثير مما تستطيع ان تقدمه لهذه الصورة الذهنية الجديدة التي نريدها.