تعد الدوافع الإنسانية الناشئة عن الحاجات البيولوجية من أقوى الدوافع، فالإنسان يبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق تلك الحاجات ومنها الطعام، والشراب، واللباس والسكن، ضماناً لبقائه. وفشل الإنسان في تأمين ذلك بالشكل المطلوب يؤدي به إلى حالة من اليأس قد تودي به تحت ضغوط نفسية إلى النظر إلى الحياة بذاتها نظرة دونية ترخصها في نظره، مثل ما حصل للشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي تحمل مسؤولية إعالة أمه وأخواته من عمله على عربة خضار لم يجد سبيلاً للرزق غيرها، في ظل البطالة الخانقة في بلده. ذلك الشاب وجد تضييقاً من الجهات المسؤولة بسبب عدم وجود رخصة لديه لمزاولة المهنة، تلك الرخصة، بحسب المصادر الإعلامية التونسية تتطلب دفع رسوم ورشى للمسؤولين لا يمكنه توفيرها لضيق ذات اليد، فأصبح عرضة للمضايقة، وبضاعته عرضة للمصادرات إلى أن حصلت القشة التي قصمت ظهره، حيث طلبت منه شرطية رخصة مزاولة المهنة، وحصل تجاذب بينهما بالحديث إلى أن صفعته، فبدأ يبحث عمن ينصفه فذهب إلى مجلس الشعب يشكو فتم طرده، ثم توجه إلى ممثل الشعب في ديوان الرئاسة فتم طرده، إلى أن بلغ درجة من اليأس أدت به إلى انهاء حياته. الأسباب التي أدت إلى حادثة البوعزيزي ليست وليدة اللحظة، وليست آثارها مقتصرة على تلك الحادثة، بل كانت نتيجة لقصور واخفاقات حكومية على مدى سنوات طويلة، عانى منها البوعزيزي وغيره كثيرون في ذلك البلد، لذا فتلك الحادثة كانت بمثابة الشرارة التي اشعلت ثورة كامنة في تونس. المشاكل التي عانى منها الشعب التونسي من بطالة وسوء أحوال اقتصادية موجودة في كثير من دول العالم لكن الاختلاف أن الشعب التونسي يرى ان الأسباب تعود إلى فساد تفشى في الحكومة، لدرجة لا يمكن معها إصلاحه وليس هناك أمل في اصلاحه، فكانت النتيجة خيبة الأمل في الحاضر واليأس من المستقبل. عدم الاستقرار هو النتيجة الطبيعية لبلد تتقلد فيه الأقلية الغنية مناصب ومسؤوليات تخص الأغلبية المتوسطة والفقيرة، فالنتيجة أن البلاد تدار بما يتوافق مع مصالح الأغنياء، ويتم نسيان الفقير الضائع بين حرص الغني على زيادة ثرواته على حساب الفقير، وعدم الاهتمام بما يعانيه ذلك الفقير من ضيق، فكيف بمن ولد وفي فمه ملعقة من ذهب أن يعرف مقدار ألم الفاقة وضغط الحاجة. يروى أن ماري انطوانيت، زوجة لويس السادس عشر، تناهى إلى مسامعها أن الناس يشكون قلة الخبز، فما كان منها إلا أن قالت: «لماذا لا يأكلون البسكويت؟». حالة أن الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً لا يمكن ان تؤدي إلى استقرار، ففي حين تجد أن معظم الأفراد يناضلون من أجل توفير الأساسيات من حليب لأطفالهم وخبز وزيت لعائلاتهم تجد آخرين يتنافسون في زيادة ثرواتهم على حساب الفقراء ويدفعون ملايين الدولارات ثمناً للترفيه. مشاكل الفساد والبطالة والغلاء ينبغي لها أخذ الأولوية في أي بلد، وأن يطلع الأفراد على الخطط التي ترسم لحلها لكون تلك المشاكل تعني حرمان الفرد من الغذاء والكساء والمسكن وغيرها من مقومات الحياة التي من دونها لا يكون هناك حياة.