أن تطلق منظمة الصحة العالمية تحذيراً من مخاطر انتشار مرض الإيدز، أو شلل الأطفال أو وباء جديد يجتاح مناطق من العالم .. فهذا شيء طبيعي في سياق الصحة وعلومها، ولكن أن تكون التحذيرات هذه المرة من مخاطر ومضار (مسلسلات رمضان) فهذا عجيب ! إذ أطلقت المنظمة مؤخراً انتقاداً للمسلسلات والأعمال الفنية المصرية والسورية واللبنانية التي عرضتها التلفزيونات العربية في شهر رمضان لاحتوائها على كم هائل من مشاهد التدخين والمخدرات، وهي مشاهد لها آثارها العكسية والخطيرة على الشباب والأطفال، بحسب نظرة المنظمة وتحليلها . ما لم تقله المنظمة العالمية أن هذه المسلسلات قد تؤثر أيضا على (الوحدة الوطنية) والأوضاع الداخلية للبلدان العربية ذاتها ! ففي اليمن مثلا جدل في الأوساط الشعبية والسياسية أثاره عرض مسلسل (سيف بن ذي يزن) حيث اعتبر بعض اليمنيين أن المسلسل قدم صورة مشوهة عن ملك اليمن المشهور (سيف بن ذي يزن) الذي قاوم الاحتلال الحبشي لليمن ! وفي (قطر) عدد من المعارضين لمسلسل (يوم آخر) الذي يرون فيه مبالغات لأحداث ووقائع في المجتمع القطري. كما أنه في نظرهم ، يسيء لصورة الفتاة القطرية إذ عرضتها بعض شخصيات المسلسل على أنها فتاة متحررة للغاية، مما يعده البعض إساءة لصورة مجتمع محافظ كالمجتمع القطري، وبالمثل كان العام الماضي قد شهد في قطر أيضا جدلاً حول مسلسل (حكم البشر) لما تضمنه من أحداث خيانات زوجية ! وفي مصر تخف النبرة إلى السخرية والضحك من نصائح (العمة نور) بإنجليزيتها المكسرة ! والمقام يطول لاستعراض المزيد من الخطر المحدق بالوحدة الوطنية العربية والتلاحم الداخلي جراء القصف الفني في ليالي رمضان الفضائية. وبالتأكيد فحرارة (طاش ما طاش) هذا العام لدينا، تفوق بكثير كل ما ذكر ! أعجب ما رأيت مؤخراً دراسة مقتضبة ، لا علاقة لها بمنظمة الصحة العالمية، تحذر من الدور الذي تلعبه المسلسلات والأعمال الفنية في التأثير على شعوب دول العالم الثالث خصوصاً دون غيرها !! فيبدو أن عزلة هذا العالم ورميه في المرتبة الثالثة دائماً، شكلا فراغاً زمنياً وروحياً يمكن لهذه الشعوب بكل طبقاتها أن تستثمره في (التسّمر) أمام شاشات الفضائيات تراجع ما يبث وتنقده بروح حادة ! يمكن أن تضحك أو تبكي، كما تشاء، ولكنها حقائق بلا مبالغات وليس أقل منها التحليلات الطويلة العريضة والاستبيانات على الصفحات الفنية حول آراء المشاهدين وتحليلات النقاد لرمضانهم الفني ! .... وهكذا ننشغل ستة أشهر بعد رمضان نحلل أحداثه الفنية، وقبله ستة أشهر نحضر المشاهدين لما ينتظرهم من جزيل العروض الرمضانية والدرامية، وبالطبع لابد من عرض بعض روائع البطولات التاريخية العربية والإسلامية حتى تكتمل بقية الصورة الفنية !