في حين مازالت قيمة الدولار الأمريكي آخذة بالتقلص في وجه النقد الأوروبي الموحّد بات اليورو على فراق مع زميل دربه التقليدي وهو الفرنك السويسري. ويؤكد الخبراء أن خسارة الفرنك التي بلغت حوالي 7 % مقابل اليورو لهذا العام ترجع لأسباب فنيّة ولا تقلل من الدور التقليدي للفرنك. إن المعروف هو أن البنك الوطني السويسري قد حدّد مبدئيا طبيعة العلاقة بين الفرنك السويسري والنقد الأوروبي الموحّد، ساعة ميلاد اليورو قبل ثلاث سنوات تقريبا.لكن الأحداث المأساوية التي تعاقبت منذ ذلك الحين على الصعيد الدولي، خاصة الهجمات الانتحارية على أهداف في الولاياتالمتحدةالأمريكية أو حرب الحلفاء الأخيرة ضد العراق، تطلبت باستمرار مستويات أعلى من الأهبة والاستعداد من جانب خبراء البنك الوطني، كي لا يرتفع سعر الفرنك السويسري مقابل اليورو ارتفاعا صاروخيا في ركب كل حدث من هذه الأحداث. وإلى أواسط هذه السنة نقل المراقبون والمحللون عن مصادر رسمية في البنك الوطني السويسري أن السعر التكافئي الأفضل بين العملتين الأوروبيتين، هو ألا يزيد ثمن اليورو على 1.46 فرنك سويسري كحد أقصى. لكن الواقع هو أن سعر الصرف الحالي يقع بحدود 1.55 فرنك لليورو هذه الأيام، مما يعادل خسارة في قوة الفرنك السويسري مقابل النقد الأوروبي الموحّد الذي لا يزال يسجل الرقم القياسي تلو الآخر مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العام. ويعني هذا التراجع في سعر الفرنك السويسري مقابل النقد الأوروبي الموحد نجاح السياسات النقدية للبنك الوطني السويسري الحريص على تثبيت سعر الفرنك ومكافحة التضخم وترويج الصادرات إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، أهم شريك تجاري لسويسرا قبل الولاياتالمتحدة بالذات.لكن هذا التراجع الذي يقارب 7% من سعر الفرنك السويسري مقابل اليورو، يزيد أيضا من قدرات الصادرات السويسرية على المنافسة في أسواق الاتحاد الأوروبي، في حالة تراجع الكساد الاقتصادي وانتعشت الأسواق في البلدان الأعضاء. كما تقوم أهمية هذه التطورات على نجاح السياسات النقدية للبنك الوطني السويسري والتي يقول المراقبون إنها اتسمت خلال الأزمات السياسية الأخيرة بقدر أكبر من المرونة من سياسات البنك المركزي الأوروبي، وذلك رغم الطابع النقدي المحافظ للمؤسستين. وبفضل هذه المرونة تمكن البنك الوطني السويسري الذي أعرب مرارا عن الاستعداد للتدخل عند الضرورة في الأسواق للحد من غلاء الفرنك، من الحد من دور الفرنك السويسري كعملة ملجأ بعد صدمة الحادي عشر من سبتمبر أو صدمة حرب الخليج. لكن هذا لا يعني أن الفرنك قد فقد تماما هذا الدور التقليدي الذي يُُنسب جزئيا للمعدن الأصفر في الوقت الحالي.ولا يصبح هذا الرأي في دور الفرنك السويسري وقوة جاذبيته يقينا، إلا بعد تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، أي بعد انتعاش الأسواق ومعدلات الفائدة التي أصبحت على أدنى المستويات منذ عقود في سويسرا وأوروبا والولاياتالمتحدة. يضاف إلى ذلك أن الحفاظ على سعر الفرنك على مستوى مقبول بالنسبة للدولار الأمريكي أيضا، لا يُبدّد تماما تطلعات صناعات التصدير السويسرية لأسواق أكبر قوة اقتصادية في العالم، وثاني الأسواق للصادرات السويسرية بعد الاتحاد الأوروبي. جدير بالملاحظة أن تألق نجم اليورو على الدولار، لا يرجع في الدرجة الأولى لقوة النموّ الاقتصادي المتوقع في بلدان الاتحاد الأوروبي، وإنما للمديونية الفيدرالية المتراكمة من جهة، وللعجز المتصاعد في الميزانية السويسرية وفي ميزان التجارة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية من جهة أخرى.