نظرية الارتقاء المعرفي ل " جان بياجيه" "1896- 1980" هي واحدة من أهم النظريات في علم النفس الحديث، واذا كان مقياس اي نظرية يقاس بقابلية فروضها للتحقق من صحتها وامكانية الحصول على نفس النتائج في ظروف مشابهة مع وضوح التعريفات المتعلقة بالنظرية الى جانب ما يمكن للنظرية أن تثيره من بحوث جديدة، فاننا نستطيع ان نقول أن أغلب هذه الشروط - ان لم يكن كلها - قد توافرت لنظرية "بياجيه" بطريقة لم تتوافر لأية نظرية اخرى مشابهة في مجال علم النفس ، فقد حصر "مدجل" حتى عام 1976 ما يزيد على 35 ألف بحث ودراسة أجريت حول المفاهيم الاساسية في نظرية "جان بياجيه". وإذا نظرنا نظرة متأنية الى نظرية "بياجيه" سنجد أنها تقابل النظرية السلوكية في تسفيرها تعلم الكائن لمهارات معينة، فبينما اهتمت نظريات التعلم والمدرسة السلوكية عموما بالقوانين التي تحكم التعلم والشروط الواجب توافرها لحسن هذا التعلم، فانهم أهملوا في ذات الوقت أهمية نضوج الجهاز العصبي المركزي، فالقوانين التي خرجوا بها علينا من تجاربهم على الحيوان سرعان ما اتجهوا لتطبيقها على الانسان متجاهلين الفروق الواضحة في تكوين الجهاز العصبي. وهذا عكس ما يسلم به "بياجيه" حيث يؤكد على أن العلم انما هو دالة للارتقاء. منهج البحث في نظرية بياجيه: استخدم "بياجيه" المنهج الاكينيكي حيث يعرض على المفحوص اسئلة ذات نهايات مفتوحة وتحدد اسئلة الفاحص تبعا لما يجيب به المفحوص . فالفاحص لا يحصر نفسه في مجموعة معينة من الاسئلة داخل نطاق ضيق من الاجابات المنمطة انماا يخرج الى ساحة أوسع وأرحب للبحث العلمي حيث يتعمق بأسئلته محاولا اكتشاف المزيد وفهم وادراك تفاصيل اكثر .. ويمكننا ان نلخص اطار المنهج الالينيكي كما يلي: " يلاحظ الباحث سلوك طفلا ما وما يحيط به من اشياء أو موضوعات ، ويستنتج بعض الفروض المتعلقة بسلوك الطفل وما يحيط به، ويبدأ الباحث في اختيار هذه الفروض ومعرفة وفهم الظروف التي تتغير فيها وعلاقتها بالاشياء المحيطة بالطفل، كذلك بمحاولة وضع المشكلة المطروحة في عدة طرق، وذلك بغرض مزيد من الفهم".واذا كان اهتمام منحى الفروق الفردية يهتم اساساً بكم الاجابات الصحيحة للفرد، فان اهتمام "بياجيه" انصب حول الاجابات الخاطئة التي يقع فيها الاطفال واختلاف الاجابات الخاطئة من عمر لآخر ،بل انه وجد تشابهاً في الاجابات الخاطئة يتميز بها كل عمر، وكيف تختلف هذه الاخطاء من عمر الى آخر، فالفروق الكيفية في الاستجابات الخاطئة التي يقع فيها الاطفال في ادائهم لمهام مختلفة يبدو انها تكتشف عن اختلاف في عمليات التفكير. واهتمام بياجيه في نظريته للارتقاء المعرفي ينصب على ايضاح كيفية تكيف الطفل في بيئته وتفسيره للأشياء والوقائع في العالم المحيط به ويهتم بكيفية تعلم الطفل لصفات ووظائف الاشياء المحيطة به من الدمى والاثاث والطعام، وكذلك بالنسبة للأشياء الاجتماعية مثل ذاته ووالدته وأقرانه، وعن كيفية تعلم الطفل تجميع الاشياء، والتعرف على جوانب التشابه والاختلاف فيما بينها وفهم أسباب التغيير التي تعتري الاشياء الوقائع. وينظر "بياجيه" للطفل باعتباره كائناً نشيطا يحاول اضافة المزيد لبنائه المعرفي عن طريق خبراته في العالم المحيط به، وأن إضافة هذه الخبرات الى بنائه إنما تعدل من طرق تعامله مع من حوله، وتساعد الطفل في اعطائه تفسيرا للمعلومات الجديدة التي يتعرض لها. وسوف نحاول أن نقدم لمراحل ارتقاء الذكاء لدى جان بياجيه في الموضوعات القادمة إن شاء الله. @@ محمد محمد عودة اخصائي نفسي الاحساء