عندما تتصفح الادب العربي وابداعاته العميقة والثرة منذ عقود طويلة من الزمن والتي تسنى لنا ان نصل الى سبر أغوار انتاجاتها والتي قسمها المؤرخون بحسب ظهور الاسلام فما قبله كالآتي: العصر الجاهلي - العصر الاسلامي او ظهور الاسلام - العصر الأموي - العصر العباسي وعصر المولدين إلى آخره، ومنها نستطيع ان نستشف ومن خلالها كيف عكس ذلك الادب حقيقة العرب وواقعهم بكل سلبياته وايجابياته قبل ان تندس الايدي بينهم او تتسرب الافكار والمفاهيم المشبوهة اليهم. استوقفني العصر الجاهلي ذلك الزمن الذي عاشه العرب خارج الزمن لكنه كان اعمق واغزر اذ كانوا فيه على فطرتهم وعلى غريزتهم ومع ذلك سجلوا اكثر القيم الانسانية مصداقية خصوصا عندما تقرأ لشعراء الصعاليك امثال تأبط شرا والشنفرى منفيين خارج قبائلهم وجميع القبائل العربية وقد اخذوا الصحراء على امتدادها متنفسا لهم وسجلوا من الابيات الشعرية ارقى ما يمكنك سماعه واروع ما يمكنك الاطلاع عليه فانت حين تقرأ تلك القصائد لهؤلاء الشعراء تشعر وكأنك تصغي الى سمفونية من اعذب ما عزف ومرة تشعر وكأنك ترى مشاهد درامية من ابدع ما الف ومرة ثالثة تشعر وكأنك امام لوحة فنية هي ابرع ما صور لكنك ومرة رابعة تشعر وكأنك تخوض تلك التجربة التي تتعرف من خلالها على انسان بكل تلك المعاني التي لم يعرفها ارباب الحضارة الجدد او ربما عرفوها وحاولوا تشويهها، فهذا الانسان العربي كأنما جبلت نفسه على ان تكون اكثر ابداعا كلما حاصرته المحن واكثر قوة كلما احاطت به المعاناة بما يشبه حافز الحياة الذي يتحدى الموت في حالات الولادة والمرض. ويظل العربي ذلك الانسان المتأصل الهوية كالموشور الذي يتشح بكل الوان قوس قزح دون ان تعرف أهو من يلونها ام هي التي تلونه في نسيج اختزالي منسق لا يمكن ان تضيع ملامحه ولاسماته.