احد اسس الشرعية للسلطة الحديثة هو الحرص القوي على الابتعاد عن التقاطب (Polarization) على جميع المستويات الاقتصادية والايديولوجية والسياسية والمهنية. فالتقاطب يمثل الخطر الرئيسي للشرعية متى ما استشرى ويحدث التقاطب متى ما كانت هناك درجات كبيرة من التفاوت الاقتصادي او التنافر الايديولوجي او الاقليمي او المهني كما ان المواقف المتطرفة من العناصر المختلفة لسلطة توجد التقاطب وتذكي ناره ولذلك تحرص السلطة المتنورة على مكافحة التقطيب والتقاطب وتحاول الابتعاد بدرجات متفاوتة من النجاح عن التطرف في العلاقة بين عناصر السلطة وفي التعامل مع المشكلات كما ان السلطة في البلدان المتقدمة تحاول الضغط على مصادر التقطيب الاقتصادية والايديولوجية والسياسية تمهيدا لمعالجتها قبل ان يستفحل تأثيرها كذلك تحرص السلطة الحديثة على عدم التصرف على نحو يشجع او يولد التقاطب في اختيار العناصر المكونة للسلطة فان المهم ليس طريقة الاختيار بقدر ماهو نتيجة الاختيار فان كانت الطريقة فعالة في اختيار العناصر الافضل التي تساعد السلطة في الاستمرار بأداء واجبها على افضل وجه فانها الطريقة التي ستستمر. والعنصر المناسب في السلطة الحديثة هو العنصر الذي يلعب الدور المرسوم له بدون ان يخرج منه او يحيد عنه فعصر البطل قد انتهى واتى عصر المنضبط زمن البطولة والاقدام انقضى واتى زمن المؤسسة والمعلومات. وبما ان اي طريقة للاختيار قد لا يوافقها الحظ احيانا فان المخرج المناسب لهذا الاشكال هو اضفاء نوع من الموضوعية ولو ظاهريا على الاقل على طريقة الاختيار والحرص على فعاليتها بحيث تقل اخطاؤها ففي نظم الحكم المنتخبة هناك طرق عدة للتأكد من صلاحية المنتخب قبل ان تصير الانتخابات. ولعل لهذا لاتنجح هذه النظم الا عندما تتوافر المنظمات القادرة على توفير التدريب المناسب والاختيار الموفق ولكن الكثير من هذه الاجراءات هدفها كما قلنا اضفاء الموضوعية على طريقة الاختيار تحسبا للتخلص من مسؤولية اي خطأ في النتيجة وبموجب هذا الكلام فان الهدف من الانتخاب ليس التمثيل كما هو ظاهر وانما ملء الشواغر في السلطة بطريقة يظهر عليها الموضوعية المقبولة من قطاع كبير من الناس وللحد من استفحال الخطأ يكون تداول السلطة جزءا من العوامل التي تغذي شرعيتها.