سلطت الأضواء في الآونة الاخيرة على ماليزيا بفعل ثلاثة عوامل تزامنت في آن واحد: التصريحات التي ادلى بها رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد، انعقاد قمة منظمة المؤتمر الاسلامي وتقاعد رئيس الوزراء بعد مكوثه في الحكم حوالي 22 عاما. وكان القاسم المشترك الذي سلطت الضوء عليه وسائل الاعلام المختلفة بما في ذلك وسائل الاعلام الامريكية ان مهاتير محمد يترك ماليزيا بعد ان حقق ازدهارا يثير اعجاب جميع حكومات العالم ويمثل نموذجا يفرض على الآخرين التوقف عنده واستخلاص الدروس والعبر منه. فماليزيا في بداية عقد الثمانينيات لم تكن تنتج سوى المطاط والقصدير. اي كان شأنها شأن كل بلدان العالم الثالث مصدرا للمواد الاولية، وسوقا لاستهلاك الدول المصنعة. وكان عدد الاسر التي تعيش تحت خط الفقر يبلغ حوالي 50% من اجمالي عدد السكان. +ولكن في غضون العقدين الماضيين اي عقدي الثمانينيات والتسعينيات عندما تسلم مهاتير محمد سدة المسؤولية في ماليزيا تغيرت احوال ماليزيا جذريا. فبدلا من الاكتفاء ببيع المطاط والقصدير بوصفها مواد اولية للدول الصناعية اصبحت ماليزيا في وضع صناعي متقدم تمكنت من انتاج رقاقات الكمبيوتر واجهزة الهاتف الخليوي والتلفزة والمكيفات وجميع السلع المعمرة الاخرى، وتتميز هذه الصناعات الماليزية بالجودة وتحتل مرتبة متقدمة من حيث القدرة على المنافسة في الاسواق العالمية لجهة نوعية المنتج او سعره الذي يتناسب مع كافة القدرات الشرائية في كل انحاء العالم. وتعد ماليزيا اليوم من بين اكبر 20 دولة تجارية في العالم. وهذا يضعها في مرتبة متقدمة على دول اوروبية وعلى دول ذات ثروات نفطية كبيرة او عدد سكاني كبير. +وقد بلغ اجمالي الدخل المحلي للفرد فيها نحو اربعة آلاف دولار. وهو ثالث معدل بين دول جنوب شرق آسيا بعد بروناي وسنغافورة. وفي الفترة ما بين عام 1985 و 1997 معدل اجمالي الدخل المحلي ما بين 8.10% سنويا، كما انخفض بشكل كبير معدل الفقر ووصل الى 6% في عام 2000 بعد ان كان حوالي 50% قبل ثلاثين عاما. وعلى مدى العشرين عاما الماضية وهي فترة تولي مهاتير محمد رئاسة الحكومة، ارتفع الانتاج الاقتصادي في البلاد بمعدل اربعة اضعاف. لاشك ان هذه النجاحات مذهلة تجعل ماليزيا نموذجا مختلفا عن الدول الاخرى ليس فقط لانها حققت كل هذه النجاحات وبهذه السرعة وحسب بل ايضا لان مؤشرات الاقتصاد الكلي تعمل فيها على نحو جيد.