لحظات عصيبة تلك التى حبس فيها المصريون انفاسهم خوفا وهلعا على الرئيس محمد حسنى مبارك بعدما ألمت به وعكة صحية، اثناء القاء كلمته في افتتاح الدورة البرلمانية السنوية لمجلسي الشعب والشورى، بلبلة زادها غموضا انقطاع البث الاذاعي والتلفزيوني المباشر، ثم ظهور المنصة من دون مبارك الذي عاد بعد نحو 40 دقيقة ليستأنف خطابه لخمس دقائق وينصرف وسط تهليل الحاضرين، فيما أعلنت واشنطن انها تتعامل مع المسألة بهدوء. وعلى الرغم من ان المسؤولين المصريين شددوا على ان الوعكة الصحية التي ألمت بمبارك، كانت بسيطة وطبيعية، بسبب صيامه واصابته بالانفلونزا، الا ان الوعكة من شأنها تجديد التساؤلات حول عدم تعيين نائب لرئيس الجمهورية حتى الآن. قال الدكتور حمدي السيد نقيب الاطباء ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب واستاذ جراحة القلب والصدر بكلية طب عين شمس والذى هرع لاسعاف الرئيس "ان قلب الرئيس مبارك سليم جدا وأحسن ما يكون بعد اجراء الفحوص الكاملة"، وأرجع نقيب الاطباء سبب الوعكة الى أن الرئيس مبارك لم يعط نفسه حقها من الراحة بعد اصابته بالانفلونزا. وقال الدكتور حمدي السيد ان الرئيس مبارك داعبه عندما قال له: ان الانفلونزا تخاف منكم يا أطباء. وأوضح الدكتور حمدي انه سأل الرئيس لماذا لم تأخذ مصل الانفلونزا فرد الرئيس نحن معرضون للاصابة ولكن الانفلونزا تخاف منكم. وكشف الدكتور السيد عن اللحظات القاسية التي عاشها هو شخصيا منذ لحظة خروجه من قاعة البرلمان حتى وصوله الى الحجرة التي يوجد فيها الرئيس بعد اصابته بالوعكة وقال: "كنت في حالة قلق شديد تبددت الى حد كبير عندما دخلت الحجرة، ووجدت الرئيس يبتسم لمن حوله ويطمئنهم على نفسه وكان هذا الموقف شيئا جميلا وعظيما ويليق فعلا بقائد عظيم". وأضاف "لقد قمت بعمل رسم قلب للرئيس، وثبت منه ان القلب والحمد لله سليم تماما، وبعد فترة من الزمن طلبت رسم قلب ثانيا فقال لي الرئيس لماذا، لا داعي أنا كويس فقلت له ياسيادة الرئيس أنت شخص غير عادي وهذه فرصة لزيادة الاطمئنان، وبالفعل أجريت رسم القلب للمرة الثانية وتأكدنا جميعا أن الضغط وصل الى معدله الطبيعي بعد أن كان الرئيس قد فقد الكثير من الماء نتيجة العرق الشديد، والحمد لله أصبح كل شيء تماما". ورغم هذه التأكيدات مازالت تفاعلات هذا الحادث مستمرة في مصر وخارجها. وأعادت بقوة فتح ملف منصب نائب الرئيس الشاغر. وتعد الأنباء الخاصة بصحة الرئيس عادة من النوع غير المرغوب فيه والمسكوت عنه بالنظر الى سرعة تأثر الحياة السياسية والاقتصادية للمصريين بها على نحو مباشر، وعلى الرغم من تعرض مبارك في السابق لعدة محاولات اغتيال فاشلة ومروره بأزمات طبية مفاجئة أكثر من مرة فإنها المرة الأولى التي يجد فيها المصريون أنفسهم في حالة قلق عملي على صحة الرئيس على نحو أعاد إلى الأذهان الساعات العصيبة التي شهدها الشارع المصري عقب اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981. وقد اثارالحدث تساؤلات عديدة بين اوساط السياسيين ورجالات القانون والمثقفين المصريين حول مستقبل مصر السياسى واسلوب انتقال السلطة وقضية انتخاب الرئيس وكيفية (سد) هذا الفراغ اذا ماتعرضت له الحياه السياسية فى مصر مرة اخرى . ورغم ان الدستور المصري يحدد آليات انتقال السلطة في حالة وفاة رئيس الجمهورية أو عجزه عن اداء مهامه، فان عدم وجود نائب رئيس للجمهورية يثير تساؤلات ما بين الحين والآخر. كما ينص الدستور على ان يتولى رئيس مجلس الشعب رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة لمدة 60 يوما يتم خلالها تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية من قبل مجلس الشعب ويشترط حصوله على تأييد ثلثي النواب لطرح اسمه في استفتاء شعبي. ولا يزال الرئيس مبارك يحتفظ بحقه في تعيين نائب له. وكان الرئيس قد أعلن العام الماضي انه يدرس ملفات بعض المرشحين لشغل هذا المنصب. إلا أن البعض يعتقد أنه يفضل ألا يوقع باسمه قرارا محددا في هذا الصدد حتى لا يصادر رأي الشارع المصري بشأن الرئيس القادم، وسبق للرئيس مبارك أن أعلن أكثر من مرة أن الدستور لا يلزمه بتعيين النائب في وقت محدد. من جانبهم اوضح خبراء القانون الدستورى ان عدم تعيين نائب للرئيس لايؤدى بالتبعية الى اى نوع من الفراغ السياسى لان الدستور بين كيفية انتقال السلطة ومسارها فيما اكد السياسيون ان هذا الحدث ينبغى ان يكون درسا للحزب الحاكم فى مصر ومبررا للاسراع بالتحول الديمقراطى المنشود. فى البداية اوضح الدكتور جورجى شفيق- استاذ القانون الدستورى جامعة القاهرة - ان الدستور المصرى بين طريقة انتقال السلطة باسلوب لايدع مجالا لاحداث فراغ سياسى او دستورى فبين انه فى حالة غياب الرئيس لاى سبب من الاسباب يتولى رئيس مجلس الشعب يليه رئيس المحكمة الدستورية العليا ادارة شئون البلاد لمدة 60 يوما تتخللها انتخابات رئاسية جديدة ولايعنى ذلك حتمية تولى نائب الرئيس للسلطة وانما يمكن توليه اياها اذا فاز فى انتخابات حرة تجرى بين اكثر من مرشح. وحول قضية تعيين نائب للرئيس وموقف الدستور المصرى منها اوضح شفيق ان الدستور لم يلزم الرئيس بتعيين نائب له وترك له المسألة اختيارية على ان المادة "139" منه اعطته الحق فى تعيين نائب له او اكثر وبجانب ذلك بين الدستور انه من حق الرئيس تفويض نائبه للقيام بمهام السلطة وذلك فى حالة وجود مانع مؤقت يحول دون مباشرة الرئيس مهامه مشيرا الى ان الاسلوب الذى كان متبعا منذ صدور دستور عام 1956 وحتى اوائل الثمانينيات هو تعيين الرئيس لنائب له. واعتبر شفيق ان تعيين نائب للرئيس من عدمه ليست هى القضية التى يجب ان ينصب الاهتمام عليها فى الوقت الراهن وانما الاهم من ذلك هو تحقيق الديمقراطية بمفهومها السياسى والذى يتضمن اختيار الرئيس عن طريق الانتخاب بين اكثر من مرشح وان يكون تداول السلطة قائما بين كل الاحزاب الموجودة على الساحة السياسية وهو مايتطلب بدوره ضرورة اتباع اسلوب انتخابات حرة ونزيهة تعطى الفرصة لتولى اى حزب سياسي السلطة وعدم جعلها قاصرة على حزب بعينه. ويعرب شفيق عن اعتقاده بان مصركغيرها من الدول تمر بظروف ومتغيرات دولية جديدة تتطلب منها تعديل الدستور فلم يعد النظام الاقتصادى العالمى والذى تعتبر مصر جزءا منه يتماشى مع الدستور المصرى الذى ينص على ان مصر دولة اشتراكية فى حين انها تتبع النظام الرأسمالي ولم يعد ايضا مقبولا ان تكون مصر دولة جمهورية تتركز السلطتان التشريعية والتنفيذية فى يد الحكومة وانما ينبغى ان تكون دولة برلمانية يلعب فيها البرلمان الدور الاساسى فى التشريع والرقابة على اعمال السطلة التنفيذية بالشكل الذى يجعله قادرا على سحب الثقة من الحكومة وهو ما لم يحدث فى تاريخ البرلمان المصرى خاصة فى فترة مابعد الثورة. اما الدكتور حلمى المراغى - استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - فيرى ان مجرد تعرض الرئيس مبارك لوعكة صحية ليس هو السبب الوحيد لضرورة الحديث عن التحول الديمقراطى فى مصر وانما هناك اسباب اخرى كثيرة اهمها ان مصر تعتبر جزءا من المنظومة الدولية الجديدة التى تتحكم فيها قوة عظمى وحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وهى الولاياتالمتحدةالامريكية التى تسعى من خلال رؤيتها الخاصة الى اعادة ترتيب الاوضاع فى دول الشرق الاوسط بما فيها مصر بحيث تتخلى عن انظمتها الحالية التى تعتبر غير ديمقراطية من وجهة النظر الامريكية الى انظمة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان ولاتحض على كراهية امريكا وهو الهدف الذى تسعى له الادارة الامريكية بشتى الطرق وعلى ذلك فان مصر ملزمة سواء الآن او بعد الآن بالتحول الديمقراطى وذلك بغض النظر عن كونه وفقا للاجندة الداخلية ام الخارجية الا انها مطالبة باحداث هذا التحول. ويرى المراغى ان الدستور المصرى بوضعه الحالى لايستطيع مواكبه التحديات العالمية الجديدة ولذلك فان تغييره هو الاساس نحو التحول الديمقراطى وفقا للاجندة المصرية وهو ماطالبت به القوى السياسية فى مصر منذ زمن بعيد حيث نادت باحداث تحول ديمقراطى وافساح المجال امام الشعب المصرى لمشاركة عملية فى السياسة المصرية. من جانبه يؤكد الدكتور رفعت أحمد- مدير مركز يافا للدراسات والابحاث - ان الاوضاع فى مصر أصبحت تتطلب تعديلا فى الدستور بما يكفل العدالة بين ابناء الشعب دون تمييز طبقة على اخرى او مجموعة افراد على غيرهم مشيرا الى ان تولي السلطة والمواقع الهامة اصبح بنظام التوريث وأصبح قاصرا على ابناء الرؤساء والوزراء دون اتاحة الفرصة امام باقى ابناء الشعب مشيرا الى ان توريث الحكم فى مصر منصوص عليه فى الدستور وذلك بغض النظر عن اختيار الرئيس نائبا له من عدمه ويظهر ذلك فيما نص عليه من تولي رئيس مجلس الشعب مهام السلطة بعد الرئيس وهو مايعنى تحديد الرئيس سلفا لانه غالبا مايتم اختيار النائب فى حالة وجوده وهو ماتم فى عهد الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وانور السادات. وفي رأى الدكتور احمد فان تعديل الدستور واقرار مجموعة مقترحات حول سبل تداول السلطة وانتخاب الرئيس هى الضمان لعدم حدوث فراغ سياسي او دستوري والضمان ايضا لانتقال السلطة بشكل سلمى. ويقر الكاتب الصحفى حسين عبد الرازق - امين التثقيف بحزب التجمع المصرى- بان هناك فراغا سياسيا فى السلطة فى مصر واكدته الوعكة الصحية التى تعرض لها الرئيس مبارك مؤخرا والتى أصابت الناس بالحيرة ليس حول من هو النائب المنتظر وانما حول مستقبل مصر السياسى ويقول: يعتقد البعض خطأ ان الحيرة التى اصابت الشعب سببها ان الرئيس مبارك لم يعين نائبا له ولكنها فى مستقبل الديمقراطية فى البلاد لان اختيار النائب يعد شكلا من اشكال توريث الحكم ولايمت للديمقراطية والاستقرار الحقيقى للمجتمع المصرى بشيء ويوضح عبد الرازق ان المشكلة الحقيقية فى مصر ان النظام السياسى والدستورى القائم بها والمتعلق برئاسة الجمهورية لابد ان يؤدى لفراغ سياسى خاصة فى ظل وجود رئيس الجمهورية على رأس حزب واحد يحتكر السلطة منذ بدء تجربة التعددية الحزبية فى عام 1976 حتى الآن ليس نتيجة تحقيقه شعبية وانما نتيجة عدم نزاهة الانتخابات فى مصرهذا فى الوقت الذى تنحصر فيه رئاسة الجمهورية فى شخص واحد يرشحه ثلثا اعضاء مجلس الشعب الذى يحتكر الحزب الوطنى مايزيد على90% من مقاعده. وحول عدم تعرض الاحزاب السياسية لقضية التحول الديمقراطى خاصة المتعلق منها بتوريث الرئاسة قال عبد الرازق ان كل الاحزاب السياسية طالبت بتغيير نظام انتخاب رئيس الجمهورية الحالى بحيث يتم انتخابه بالتصويت المباشر من بين اكثر من مرشح بل ان الاحزاب والقوى السياسية طرحت هذا الامر وبرنامجا للاصلاح السياسى فى عام 1997 فى وثيقة وقعت عليها احزاب الوفد والتجمع والاحرار والاخوان المسلمين والشيوعيين وفى مايو من العام الماضى وقع رؤساء احزاب التجمع والوفد والناصرى والعمل على وثيقة لجماعة الدفاع عن الديمقراطية اشتملت على 7 نقاط اولها انتخاب رئيس الجمهورية ونوابه بالاقتراع الحر المباشر بين اكثرمن مرشح وعدم جواز تولى شخص واحد منصب رئيس الجمهورية طوال فترة توليهم مناصبهم وتقليص السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الجمهورية فى الدستور والغاء المادة 74 من الدستور لمنع اساءة استخدام السلطة المطلقة على ان تتم التعديلات الدستورية قبل انتهاء فترة الرئاسة الحالية فى عام 2005 بفترة كافية. واعرب عبد الرازق عن اعتقاده بانه لاتوجد لدى الحزب الحاكم نية التغيير وانه لن يستفيد من الدرس الذى وقع مؤخرا وارجع السبب فى ذلك الى عدم وجود نية لديه نحو التحول الديمقراطى منذ البداية وان كان قد وجه دعوة للحوار مع الاحزاب السياسية من اجل الاصلاح الا انها لاتعدو ان تكون مجرد شعارات لحفظ ماء الوجه. وعلى العكس مما سبق فان الكاتب الصحفى صلاح عيسى - رئيس تحرير جريدة القاهرة- يؤيد الرئيس مبارك فى فكرة عدم تعيين نائب للرئيس ويعتبر ان تعيين نائب للرئيس يعنى قراءة خاطئة للمستقبل السياسى للدولة الذى ارتبط فى الماضى بعهود انتقالية بدأت منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى حين ان الشعب المصرى يسعى الى عهد مستقر لاتكون فيه سلطات الرئيس بالشكل التى هى عليه الآن. ويرى عيسى ان المشكلة فى النظام الدستورى فى مصر انه قائم على اساس الجمهورية الرئاسية التى يجمع فيها شخص بين سلطة الدولة وسلطة الحكم وتعطى دورا مركزيا للرئيس وهو مايعتبر عائقا امام الاصلاح السياسى والتحول الديمقراطى الذى يتطلب اولا الفصل بين سلطة السيادة والتى يجب ان تكون لرئيس الجمهورية وسلطة الحكم التى يجب ان تشكلها الاحزاب التى تفوز فى الانتخابات وان يكون نظام الحكم قائما على التداول. ويصف عيسى ماحدث للرئيس مبارك مؤخرا بانه قد اثر بالسلب من ناحيتين الاولى تتعلق بشخص الرئيس على اعتبار انه لعب دورا هاما فى استقرار مصر ومن ثم فان تعرضه لمشكلة يؤدى بالتبعية لمشكلة تتعلق بالاستقرار اما الناحية الثانية فتتعلق بالمستقبل السياسى للدولة والذى لم تتضح معالمه حتى الآن مؤكدا ان امام الرئيس مبارك عامين كى يضع التصور لما بعد فترة ولايته الحالية والتى تنتهى عام 2005 سواء تم ترشيحه للرئاسة ام تنازل عنها لاى سبب يراه الا ان تلك الفترة تفرض على السياسيين والمثقفين والمعنيين بالشأن الداخلى ضرورة التحرك من اجل اقرار اوضاع ديمقراطية لمرحلة ما بعد انتهاء فترة الولاية الحالية للرئيس مبارك. وفي واشنطن، قال مسؤول في وزارة الخارجية ان الولاياتالمتحدة لا ترى ما يدعو للقلق، موضحا. لا أحد مصاب بالهلع بسبب هذا الامر. واضاف نعتقد انه أصيب بنوبة سعال وترك المنصة لبعض الوقت. الخلافة مسألة يتساءل المصريون بشأنها. الرئيس المصري يلوح بيده لاعضاء مجلس الشعب قبل استئناف كلمته