إن المتأمل في مجريات الأحداث ليقف حائراً عاجزاً عن فهم بعضها أو تحليل بعضها الآخر أو حتى استيعابها بهذا التسارع المحموم فضلاً عن تشكيل خارطة ذهنية تعيد ترتيب وتجميع تلك الشظايا المتناثرة من أحداث جسام تعصف بالأمة. وليست بلادنا -حفظها الله- بمنأى عن مسرح تلك الأحداث والتطورات، وما نعيشه من فتن التكفير والبغي والتفجير كفيل بقرع أجراس الإنذار لمَنء لم يستشرف هذه الفتن أو يتوقعها بناء على معطيات وإرهاصات قديمة كانت تلوح في الأفق حتى أفرزت هذه الأعمال المرفوضة شرعاً وعقلاً. إن الفتن إذا أقبلت كانت كقطع الليل المظلم كما وصفها رسولنا عليه الصلاة والسلام، وفي ظلمة الليل لا تكون الأشياء واضحة المعالم معروفة الكُنءه وبالتالي فلا تُعءرف حقيقتها وتكثر التكهنات والتخرصات والإفتئات والقول بغير علم، وكما قال بعض الصالحين: (لو أن الناس كانوا يعرفون منها -أي الفتن- إذ أقبلت ما عرفوا منها إذ أدبرت لعقل فيها جيل من الناس كثير). وبنظرة عجلى إلى ما يكتب اليوم في الصحف والمجلات أو في مواقع الإنترنت تجد مصداقاً لما يقال من جنوح في الأفكار وتخبط في الآراء وتعسف في الفهم والتحليل وكلام في نيات الآخرين وكأنهم قد كشفت لهم الحجب !! وصار يتكلم في قضايا الأمة المصيرية وأحداث الساعة مَنء ليس أهلاً لذلك إلا لكونه يملك جهاز كمبيوتر ولديه إشتراك في بعض المواقع والمنتديات ورصيده من التجارب صفر ومن الفهم والتدقيق العدم. إني أرى الناس من حولي في هذا الموج المتلاطم من الأحداث والفتن تتجاذبهم شواطئ أربعة: شاطئ يقف عليه المهيّجون المتحمسون وبعضهم تكفيريون لا يرون لمسلم حرمة ولا لمعاهد عصمة، يرمي أحدهم سهام التكفير في كل اتجاه، ويضع عدسات التكبير على كل خطأ أو تقصير حتى يصير عنده كجَبَل أُحد، خالط حماسَهم جهلٌ فأفسده وضحالةُ فكرٍ فشوهته. وشاطئ آخر -في الجهة المقابلة- تكدس فيه العصرانيون المنهزمون من الذين ينادون بإسلام جديد ممسوخ على الطريقة الأمريكية. وثالث الشواطئ ذلك الذي اجتمعت فيه أبواق الشيطان من "الوزغ" الذين ينفخون على نار الفتنة ليشتد أوارها ويزداد سعيرها، لا همَّ لهم إلا التشكيك في النوايا. وقريب منك شاطئ الأمان حيث يجتمع فيه الوسطيون المعتدلون المتزنون العقلاء من بني قومي، الذين يرفعون لهم شعاراً (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله)، تكلم فيهم النواقص من الناس فلم يلتفتوا إليهم ورماهم "الوزغ" بسوء النيات وأقذع الأوصاف فلم يثن عزمهم وحاربهم العصرانيون فأعرضوا عنهم وقالوا لهم (موتوا بغيظكم)، وعلى مثل هؤلاء تعقد الآمال ويرجى الخير والفلاح.