لقد تصرف الوزير باول من خلال الانزعاج الذي أبداه من تصريح الوزير الشرع، "كالمريب الذي يقول خذوني". فما كانت إسرائيل لتعتدي على سوريا لو لم تطلب منها الولاياتالمتحدة ذلك. وما كانت الولاياتالمتحدة لتطلب من إسرائيل الاعتداء على سوريا لو لم تكن الإدارة الأميركية قلقة على تداعيات احتلال العراق، حيث تتسع المقاومة ضد الاحتلال وحيث يدفع الجنود الأميركيون أرواحهم هباء ثمناً لهذا الاحتلال. وزير خارجية الولاياتالمتحدة كولن باول منزعج من التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية السوري فاروق الشرع وحذر فيه من أن سوريا سوف تتعامل مع أي عدوان إسرائيلي جديد عليها بقصف المستعمرات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان. وقد اعتبر باول هذا التصريح تصعيداً للتوتر بين سوريا وإسرائيل. طبعاً لم ينزعج الوزير الأميركي من العدوان الذي تعرضت له سوريا عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية مخيماً في إحدى القرى السورية. وهو لم يعتبر الهجوم الإسرائيلي عدواناً ولا حتى مثيراً للتوتر. فالعدوان العسكري لا يزعج إذا جاء من إسرائيل، ولكن التهديد بالرد على العدوان يفجر غضب الوزير الأميركي ويثير قلقه واستياءه!! أكثر من ذلك... لقد نسي الوزير الأميركي والأرجح أنه تناسى أن الجولان أرض سورية محتلة وأن قرارات الأممالمتحدة نصت على وجوب انسحاب إسرائيل منها، إلا أن إسرائيل المتمردة دائماً على الشرعية الدولية بنت وتبني في الجولان مستعمرات لتوطين اليهود الذين تهجرهم من الدول التي يعيشون فيها. وبدلاً من أن يقف الوزير الأميركي مع الشرعية الدولية ويطلب من إسرائيل الانسحاب من الجولان، ووقف العدوان على سوريا، يغتاظ لمجرد أن الوزير السوري حذر برد يستهدف هذه المستعمرات غير الشرعية التي تقيمها إسرائيل على الأرض السورية المحتلة. إذا كانت الولاياتالمتحدة صادقة فعلاً في دعوتها إلى ضبط النفس وإلى منع تصعيد التوتر، فلماذا لا تطلب من إسرائيل الانسحاب من مرتفعات الجولان السورية ومن مزارع شبعا؟ أو على الأقل لماذا لا تطلب منها التوقف عن القيام بما تقوم به من أعمال عدوانية واستفزازية ضد سوريا ولبنان؟ هل يعقل أن تشد الولاياتالمتحدة على يد المعتدي تشجيعاً وتحريضاً، وأن تنزعج لأن المعتدى عليه، استناداً إلى حقه في الدفاع عن النفس، حذر من الرد على العدوان؟ لقد تصرف الوزير باول من خلال الانزعاج الذي أبداه من تصريح الوزير الشرع، كالمريب الذي يقول خذوني . فما كانت إسرائيل لتعتدي على سوريا لو لم تطلب منها الولاياتالمتحدة ذلك. وما كانت الولاياتالمتحدة لتطلب من إسرائيل الاعتداء على سوريا لو لم تكن الإدارة الأميركية قلقة على تداعيات احتلال العراق، حيث تتسع المقاومة ضد الاحتلال وحيث يدفع الجنود الأميركيون أرواحهم هباء ثمناً لهذا الاحتلال. في الأساس، لم يكن لعدوان إسرائيل على سوريا أي علاقة مباشرة بالصراع بينهما. فالعدوان الإسرائيلي يعكس أكثر من أي شيء آخر سوء العلاقات السورية الأميركية. وهو يقع في إطار محاولات التهويل والضغط التي تقوم بها الإدارة الأميركية لحمل سوريا (وكذلك ايران) على التعاون معها لإقفال الحدود في وجه الذين تعتبر أنهم يتسللون عبرها للقيام بأعمال استشهادية ضد قواتها المحتلة. إن الرسالة الأميركية واضحة. فهي تريد من سوريا أن تسكت على الاحتلال الإسرائيلي للجولان. وأن لا ترد على العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف العمق السوري. وفوق ذلك تريد من سوريا أن تتعاون لتسهيل مهمة القوات الأميركية التي تحتل العراق. وإذا لم تستجب سوريا لهذه الرسالة الأميركية وهي لن تستجيب بالتأكيد فإن الولاياتالمتحدة تهدد بالمقاطعة والحظر (من خلال تطبيق قانون المحاسبة الذي أقره الكونغرس) كما تهدد بالعدوان المباشر عبر إعطاء الضوء الأخضر لتصعيد الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية. ومع ذلك يتساءلون في واشنطن: لماذا يكره العرب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟! @@ عن المستقبل اللبنانية