كنت أستمع الى ما قاله وزير الخارجية الأمريكي كولن باول خلال تصريحه لشبكة التلفزيون الأمريكية (NBC) 1424/8/30ه الموافق 2003/10/26م) وتناقلته وسائل الإعلام الأخرى حين أكد ان الولاياتالمتحدة لم تتوقع التعرض لهذا الكم من الهجمات في العراق بعد انتهاء المعارك الرئيسية الذي اعلنته واشنطن في أول مايو الماضي. وقال تعقيبا على الهجوم الذي استهدف فندق الرشيد في بغداد حيث كان ينزل نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز: (لم نكن نتوقع أن تكون (الهجمات) بهذا الحجم ولا ان تدوم كل هذا الوقت). ثم تخيلت مشهدا لذلك الجندي الأمريكي الذي أتى (محررا) حين ينفجر لغم ارضي اثناء مروره عليه فتنلقب عربته ويمطره (الارهابيون) بوابل من الرصاص لثوان معدودة قبل ان يلوذوا بالفرار, فيصاب بجروح خطيرة وينزف بغزارة ثم يرى ألسنة اللهب تتصاعد من عربته فيتحامل على نفسه ليهرب منها ولكن اطرافه لا تسعفه, فيرتمي على الارض ويزحف على بطنه مبتعدا ثم يلتفت ليلقي نظرة على صديقه الذي حبسته اصابته داخل العربة فيرى النار تأكله وهو يستصرخه ويمد اليه يده لينقذه ولات حين مناص, فما هي الا دقائق معدودة حتى تفحم.. ثم تضيق انفاسه من هول ما رأى ويشعر بالموت يحاصره من كل مكان فيغمض عينيه مستسلما يائسا من كل معنى للحياة ليتذكر صورة رسمها له مخططوا حربه وقادة جيشه لفتيات عراقيات يستقبلنهم بأكليل الزهور, ونساء يرفعن الزغاريد ورجال يصيحون لهم بالهتافات و(التكبير) وصيحات (جاء الحق وزهق الباطل)!!ثم يفتح عينيه ثانية ليرى الحقيقة ماثلة أمامه في مقاومة شرسة وعمليات مستمرة فيتمتم بصوت متهدج: الا لعنة الله على الكاذبين. انني اعجب ولا ينقضي عجبي من ذلك الصلف الأمريكي والغرور المطغي الذي انساهم تاريخ الشعوب في مقاومة المحتل الغاشم الذي لا يرحم صغيرا او شيخا هرما او امرأة ضعيفة ولا يراعي حرمة لزمان او مكان. ان التاريخ على امتداده ليثبت لكل صاحب لب ان الشعوب وان كانت فقيرة مستضعفة الا أنها لا ترضى بهيمنة الأجنبي (المستعمر) وسيطرته على خيرات البلاد ومقدراتها مهما كان غطاؤه الرسمي وراياته التي جاء تحتها من القضاء على الأنظمة الديكتاتورية وارساء مبادىء الديمقراطية او تحرير الشعوب من ربقة التسلط وذل الاستعباد او باسم مكافحة الإرهاب المنظم او غير ذلك من الذرائع والأسباب. ان شرذمة من المسيحين المتصهينين قد اغرت شعوبا وخدعتهم بأكذوبة (أسلحة الدمار الشامل) لتلقي بقواتها في أتون معركة غير مبررة وليس فيها عدو ظاهر او حتى مقاومة منظمة بل جيوب مقاومة تتحرك مجموعات او فرادى حتى ظنهم بعض الجنود (الفاتحين) اشباحا لا وجود لهم على أرض الواقع. ان حرب الشياطين التي خاضتها الولاياتالمتحدة في فيتنام والسحل على أرض الصومال والمقاومة المستمرة في جبال أفغانستان وكهوفها كفيلة ان تنتصب درسا قاسيا للعقلاء من بني الأحمر أنهم عسيرو الهضم تلفظهم الأكباد ولا تستسيغهم, ولو اعتبروا من غيرهم لكان خيرا لهم, ففي جهاد الأفغان ضد الروس سنوات طويلة لحين اخراجهم يجرون أذيال الخيبة ويتجرعون مرارة الهزيمة صوت صادق يصيح في كل مغتصب للأرض ناهب للثروات ان لا مكان لك بيننا.ان حمائم البيت الأبيض وصقورة حين يستغربون من شعب العراق الأبي ستة اشهر من المقاومة والتحدي والمواجهة لهو دليل جهلهم وسخافة عقولهم وقلة اعتبارهم من التاريخ القريب زمانا ومكانا, ولو نظر بول وولفوفيتز (مهندس الحرب) من شرفته في فندق الرشيد ناحية الغرب لوجد ما يدعو الى الاستغراب ويثير الدهشة حقا ومالم يكن متوقعا اطلاقا من مقاومة فتية باسلة شجاعة لأكثر من سبعين سنة يخوضها ابطال اشاوس من شيب وشباب واطفال بل وحتى النساء على أرض فلسطين الحبيبة التي انقلبت جحيما مستعرا ومستنقعا داميا للعدو الغاصب المحتل من بني صهيون.