عندما يدعو معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ الى مشروع وطني لترسيخ الوسطية ومحاربة الغلو والتطرف الديني, ويوجه بتنفيذ برنامج الحملة الشرعية الوطنية لمحاربة الغلو, فانه ينطلق من ركيزتين أساسيتين هما العلم والمسؤولية, العلم بمخاطر الغلو ومجافاته لمقاصد الشريعة ونصوص الكتاب والسنة, والمسؤولية النابعة من الوعي بان حماية مقاصد الشريعة وصورة الإسلام وترسيخ منهج السلف الصالح واجب على كل مسلم. وفي هذا الحوار الذي أجري مع معاليه لمجلة (الغلو) الصادرة عن الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بالوزارة, يتحدث فيه معالي الشيخ صالح آل الشيخ عن مخاطر الغلو سواء فيما يتعلق بالعقيدة, او الغلو في العبادات, مطالبا الجميع باليقظة والحزم في مواجهة الفكر الغالي دون أدنى تساهل او تقليل من حجم هذا الخطر, مؤكدا ان هذا الواجب ليس مسؤولية العلماء وولاة الأمر فقط, بل مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة والمدرسة والمجتمع, دلينا في هذا القرآن الكريم والسنة المطهرة ومنهج السلف الصالح, وفيما يلي وقائع الحوار: @ بداية نسأل عن برنامج الحملة الشرعية الوطنية لمحاربة الغلو والانحراف والتي أعلنتم عنها مؤخرا.. وهل هي استجابة للأحداث التي شهدتها المملكة في الآونة الأخيرة؟ بداية نحمد الله على آلائه العظيمة ونعمه التي لا تعد ولا تحصى ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا صلى الله عليه وسلم عبدالله ورسوله.. وبعد. نقول ان برنامج الحملة الشرعية الوطنية لمحاربة الغلو والانحراف هي خطوة على طريق توحيد الجهود لمواجهة خطر الانحراف الفكري, والذي يحيد بالبعض عن الطريق المستقيم ومنهج السلف الصالح وهذه الحملة بمشيئة الله لن تكون قاصرة على العلماء وطلبة العلم بل يمكن ان يشارك فيها اساتذة الجامعات والمعلمون والأدباء والأطباء وكل من تتوافر فيه متطلبات البرنامج. وفيما يتعلق بتوقيت بداية هذه الحملة وعلاقاتها بالأحداث التي شهدتها بلادنا المباركة, نقول: ان الغلو موجود منذ عهد الرسول صلى الله عيه وسلم وحتى يومنا هذا. لكن ابتلى الناس في بلادنا بمسائل الغلو على غفلة منهم وعلى غفلة من علمائه واساتذته وأئمة مساجده وموجهيه والآباء والمعلمين, وحين أقول على غفلة منا فاننا نرغب بمشيئة الله ان لا تتكرر هذه الغفلة لأننا مؤمنون والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين, وربما تكون الأحداث قد عجلت بان نقف جميعا لمواجهة هذه الدعاوى الضالة التي كثيرا ما جنت على مجتمعات المسلمين. @ وما وسائل محاربة الغلو والانحراف الفكري المقرر تطبيقها من خلال هذا البرنامج؟ المسألة كما أشرنا تحتاج الى يقظة, وولاة الأمر حفظهم الله قاموا بواجبهم في هذا الصدد والواجب اليوم ان يقوم أهل العلم وحملته وطلبته بواجبهم وان يقوم خطباء المساجد والأئمة والدعاة بواجبهم وكذلك المعلمون والاستاذة. ونأمل ان تكون ندوة القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو خطوة على هذا الطريق. فالقرآن الكريم لو امتثلناه امتثالا كاملا لوجدنا مثل هذه الانحرافات والغلو بعيدة كل البعد عن مقاصد الشريعة السمحة, وان هذه الانحرافات وغيرها نتجت في الغالب نتيجة الجهل بالقرآن والسنة او من تأويل القرآن والسنة على غير تأويلهما او غير فهم بمنهج السلف الصالح. @ هل توسيع قاعدة محاربة الغلو والتطرف يعني انها مسؤولية جماعية وليست مسؤولية العلماء فقط؟ هذا صحيح, وان كانت مسؤولية العلماء والدعاة والأئمة أكبر, إلا ان الجميع يجب ان يشاركوا في ذلك, كل قدر طاقته وفي حدود امكاناته والواجب هنا ان نكون على يقظة من كل قول او تصرف, فلا مجال اليوم ولا بعد اليوم من أحداث.. ليس استحسانا له, فلا أحد يستحسن مثل هذه الجرائم, لكن تساهل نفسي وتقليل ولهذا نقول ان الحرب على الغلاة وأصحاب الفكر الضال والأخذ بالوسطية في جميع أقوالنا وأعمالنا وسلوكنا وتصرفاتنا واجب ومنهج يجب ان ننشره بين الجميع وان يساهم الجميع في ترسيخه. وعندما يحدث الغلو والتطرف وما يترتب عليه من إرهاب وإهدار للدماء المعصومة وترويع للأمن في بلد الإسلام, فانه يجب ان تتوافر الجهود جميعا من ذوي الرأي والحكمة ومن ذوي العلم والفطنة ومن كل صغير وكبير الى مواجهة ذلك وصده بقوة وحزم وجرأة, وهذا وان كان واجبا عاما بالنسبة لكل إجرام او انحراف فانه مخصوص, ومشار اليه في الإجرام المتعلق بالانتساب لهذا الدين, فان من أجرم إجراما متلبسا بالدين ويرى بإجرامه بانه ناصر للدين او انه يحقق أمرا شرعيا, يحدث كثيرا من الشبه التي تحتم مواجهته بالحجة والدليل, والمؤمن لا يجب ان يتساهل في هذا الأمر, ولا سيما طلبة العلم وحملة هذا الدين, والرسول صلى الله عليه وسلم حذر من هذا عندما قال: (من احدث فيها حدثا او آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا). @ من الثابت ان الغلو وجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم واتخذ عدة صور, فما هي الأسباب المؤدية للغلو وهل تتغير من عصر الى آخر؟ هناك عدة أسباب تؤدي لوقوع البعض في دائرة الغلو, من حيث يشعرون او لا يشعرون, وليس كل من أراد رضا الله جل وعلا يحصل عليه حتى يأتي بالقرآن وهو اتباع المصطفى صلى اله عليه وسلم في قليل الأمر وكثيره من جهة تحكيمه على الهوى وعلى ما تريده النفس.. فكثير ممن أرادوا الطاعة الكاملة جهلوا بوسطية الشريعة التي لا إفراط فيها ولا تفريط, نتيجة لعدم الفهم الصحيح للقرآن الكريم, ويؤخذ هذا من وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للخوارج وهو وصف عام لكل أهل البدع, وقال: (يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم), يعني انه لا يجاوز حناجرهم, يعني انه لا يجاوز كونهم يتلفظون به, فإذن هو لا يدخل الى القلوب على وجهه الصحيح ولو دخل القلوب فانما يدخل على فهمهم الذي اخطأوا فيه وضلوا به, وهذا لا يعني ان القرآن دخل القلوب لانه اذا دخل القلب على حقيقته فانه يهدي مصداقا لقوله تعالى: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم). والخوارج يأبون الأخذ بفهم الصحابة للقرآن الكريم, بل أخذوا بما يعن للذهن والفهم من غير تأهيل لأحدهم لأن يكون مفسرا او مستوعبا لمعاني القرآن الكريم, ولا يسأل أهل العلم عما أشكل عليه وهو ما يقود الغلاة الى الضلال والانحراف, وليس أدل على ذلك من ان عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي بن ابي طالب رضي الله عنه حين اقتيد للقصاص، قال: لا تقتلوني بالسيف مرةواحدة، بل قطعوا اطرافي لانظر الى جسدي يقطع في سبيل الله. والسبب الثاني للغلو وجود المتشابه في الكتاب والسنة قال تعالى: (هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا..)، المحكم البين الواضح، والمتشابه يشتبه معناه الا على الراسخين في العلم فيردون المتشابه الى المحكم فيتبين المعنى، فأهل الزيغ الذي وقع في قلوبهم الزيغ يذهبون الى القرآن يتبعون المتشابه ليخرج الحجج لهم، وليس لهم حجة فيما ذهبوا اليه لوجود الزيغ في قلوبهم اولا، وهو الذي يجعلهم يتبعون المتشابه وهذا خلاف التسليم لأمر الله وهو ان تأتي القرآن وليس في قلبك اعتقاد الا ما دل عليه القرآن. اما ان يأتي بشيء في قلبه ثم يبحث في المتشابه من القرآن ليجد له حجة فانه قد يجد الحجة في القرآن بحسب فهمه مثل النصارى الذين احتجوا على خصوص بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى: أهل العلم الراسخين فينزلون كل آية منزلتها الصحيحة فيجعلون لها معناها الذي يجعل القرآن مؤتلفا غير مختلف، وكذلك المتشابه من السنة فهناك احاديث لا نعرف معناها بمفردها، لو اخذناها كذلك لوقعنا في امر منكر مثل: من قال لا إله إلا الله فقد حرم ماله ودمه هل بكلمة لا إله إلا الله يكتفي أم لا بد من الشهادة والشروط الى آخر ذلك؟ واذا كان كذلك فمن باب اولى أن يوجد المتشابه في كلام الصحابة رضوان الله عليهم أو في افعالهم وفي كلام العلماء وفي كتبهم وفي تصرفاتهم بعض اهل العلم في التاريخ. اذا ليست الحجة قائمة بوجود نوع احتجاج لمن يذهب اي مذهب من مذاهب الغلو لكن الذي يكون حجة هو ان تكون الحجة صحيحة في نفسها محكمة وان يكون قول العالم له دليل من الكتاب والسنة او من اجماع اهل العلم او من مذاهب اهل السنة والجماعة، والا فأهل الغلو لهم كتابات وربما الفوا كتبا، وعندهم نقول، لكن الحجة ليست في وجود النقول، بل الحجة في ان يكون هذا النقل صحيحا يعلمه اهل العلم، فالواجب على المسلم اذا اتى بشيء من المتشابهات التي لايعلمها فلا بد ان يردها الى اهل العلم ليبينوا له المعنى، لأنه من القواعد المقررة انه لايجوز ان يخلو زمان من قائم لله بالحجة لان معنى ذلك اندثار الدين وهذا ليس في الامكان وهذا هو السبب الثالث من اسباب ظهور الغلاة وهو ترك الرجوع الى الراسخين في العلم اذا اشكل شيء من الاحوال والاحكام والاحاديث وكلام العلماء. @ يرى البعض ان الغلو هو نوع من رد الفعل لبعض السلوكيات والممارسات التي تخالف الشريعة في بعض الدول الاسلامية؟ لاشك ان ظهور اوضاع واحوال لاترضى، تستفز من ذهب الى الغلو كما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما قسم المال ولم يرض ذلك الرجل وما حدث في عهد علي رضي الله عنه في ظهور غلو الخوارج لابسبب فساد في الصحابة ولكن بسبب فساد في الخوارج. هذا قسم والقسم الثاني تغير في الاوضاع والاحوال بسبب ذنوب أناس خالفوا الشريعة وظهرت اوضاع مخالفة الشريعة فهذا الذي غلا نظر اليها بغير النظرة الشرعية الصحيحة فغلا في الحكم عليها مما قاده الى الغلو، اذن اذا رأينا تغيرا في الأحوال والاوضاع وظهور الفتن او جاء شيء لانعلم وجهته فلا بد ان نحذر لان هذا من اسباب ظهور الغلو في التاريخ كله من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما قبله الى زماننا هذا. @ أشرتم الى بعض صور الغلو، لكن هل ثمة تقسيمات لهذا النوع من انحراف الفكر وهل تختلف درجة خطورتها من قسم لآخر؟ مظاهر وصور واحوال الغلو في المجتمع تنحصر في بابين عامين، الأول في العقائد والثاني في العبادات. ففيما يتصل بالعقيدة الغلو اقسام فمنهم من غلا في حبه وتعظيمه لبعض بني آدم كالاولياء والمرسلين فجعلوا لهم بعض الصفات الالهية، غلا النصارى في عيسى وغلا اليهود في عزير وغلا بعض هذه الامة في محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، فقالوا: انه عليه الصلاة والسلام يملك ان يغيث من استغاث به بعد موته، ويملك ان يجير من استجار به بعد موته، اذهب اليه فاستغفر يغفر لك اطلب منه غفران الذنوب يغفر لك لانه لا يرد له طلب، فجعلوا النبي عليه الصلاة والسلام له علوم مختصة بالله عز وجل. كذلك غلت طائفة في بعض الاشخاص والاولياء والصالحين فجعلوا الاولياء والصالحين يذبح لهم وينحر لهم ويدعون ويستغاث بهم.. الخ من مظاهر الشرك الاكبر. وكذلك غلت طائفة من العلماء فجعلوا قول العالم مقدما على النبي صلى الله عليه وسلم، وغلت طائفة من الولاة والامراء الوالي يطاع في غير المعصية اما اذا امر في معصية. ومن مظاهر الغلو الموجودة اليوم وما قبله الغلو في مسائل التكفير، فهناك من جاوز الحد فقال: كفر الحاكم بغير ما انزل الله. ومن مظاهر الغلو في جعل المجتمعات الاسلامية جاهلية ويترتب على ذلك ان الفرد في داخل هذه المجتمعات الاسلامية جاهلية اصبح الاصل فيه ان يكون جاهليا فيه حتى ولو كان ظاهرها الاسلام، فيقولون الاصل في الناس والكفر والجاهلية فهذا والعياذ بالله غلط وباطل لانه لايصح ان نقول اليوم ان الاصل في الناس الجهل بالاسلام، والأصل فيمن اظهر الاسلام انه مسلم، فلا ينقل عن هذا الاصل الا بشيء بين واضح، اما الحكم بالعموم فانه من مظاهر الغلو لانه لابرهان عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان هذه الامة لاتزال منها طائفة علىا لحق ظاهرة لبيان حكم الله. والغلو في مسألة التكفير جاء من جهة انهم جعلوا لوازم للاشياء فطبقوها حتى خرجوا بان المجتمعات جاهلية، ومن المعلوم ان هناك قواعد عند اهل العلم تضبط حكم المجتمع وحكم غير المسلمين في دار المسلمين.. الخ. هذه كلها لها احكام ينتج من هذه المظاهر الغالبة انه يستباح الدم ويستباح المال، وهي راجعة الى مسألة الغلو في التكفير ولهذا يجب على كل احد الحرص على ان يكون علمه بهذه المسائل علما سنيا واضحا سلفيا على طريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم هذا اولا، والثاني انه من كانت عنده شبهة فليذهب الى من يحاوره فيها ويرده الى الحق ويناصحه ويبين له الحجة. القسم الثاني الغلو في العبادات ومن امثلته الغلو في الاذكار ومجاوزة الحد فيها والذهاب الى البدع والمخالفات في الصلوات او احداث انواع من التعبدات، والطقوس واشباه ذلك مما لم يأت في السنة، وغيرها من انواع الغلو التي سببها مجاوزة الحد فمجاوزة المشروع تؤدي الى غير المشروع. @ أشرتم الى ان ترسيخ الوسطية المستمدة من هدي القرآن الكريم والسنة المطهرة هو امثل الحلول لمواجهة الغلو والتطرف، فهل يكون اللجوء للوسطية فقط لمواجهة ظواهر الغلو او حتى التفريط؟ من سمات المنهج الوسطي الذي هو منهج الشريعة انه موافق للشرع وموافق للعقل السليم، والشريعة والصحيح بنصوصه وقواعده واجتهادات العلماء فيه يدعو الى الوسطية والاعتدال وينهي عن الغلو والمبالغة، وكذلك مقتضيات العقل السليم، فان حياة الناس لاتستقيم الى بهذه الوسطية لان الانحراف عن الجادة بغلو او جفاف لا يكون معه العيش مستمرا فمصالح الناس تقتضي ان يكون هناك منهج متوسط يجتمعون عليه ويدفعون عنه. من سماتها ايضا ان الوسطية والاعتدال بريئان من الهوى ويعتمدان على العلم الراسخ والعلم اما ان يكون نصا من كتاب اوسنة، واما قولا لصاحب فيما لم يرد فيه النص او يكون من اجتهادات اهل العلم الراسخين في ذلك، فاعتماد الوسطية على العلم الراسخ الصحيح مظهر من مظاهرها وسمة من سماتها. من سمات الوسطية ان الوسطية تراعي القدرات والامكانات فليس صاحب الوسطية معجزا للناس في طلباته او ذاهبا الى خيالات في آرائه وتنظيراته، وهؤلاء يبتعدون عن الوسطية المرادة لان الوسطية والاعتدال يؤثران في حياة الناس واقعا ملموسا، هذا يعني ان تراعي في ذلك القدرات والامكانات، سواء كانت قدرات الافراد او قدرات المجتمع، كذلك من سمات الوسطية والاعتدال ان فيهما مراعاة للزمن والناس، فالزمن يتغير والناس ايضا يحتاجون الى تجدد، فمحافظتهم على المنهج الوسط هذا تقتضي ان تكون هناك مراعاة لاختلاف الازمنة والامكنة ولاختلاف الناس، ولهذا نص اهل العلم على ان الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والوقائع والاحوال والناس. وعندما نقول بالوسطية يجب ان نسأل انفسنا هل هي لعلاج مشكلة قامت ام لاجل ايجاد حلول لمشكلات ام لغير فغالبا يكون طرفا الجهتين اما الغلو واما الجفاء، اما التفريط واما الافراط، ثم هوى يحركه، اما الوسط والاعتدال المبني على العدل والحق فانه يبرأ من الهوى، والهوى مأمور ان نبرأ منه وان نسعى في تجنب اثره على النفس في الفكر والحكم والتحاكم، قال الله جلا وعلا: (افرأيت من اتخذ الهه هواه)، اضافة الى كون الوسطية موصلة الى تحقيق مقاصد الشريعة في الدين والدنيا، معلوم اننا نحتاج الى تحقيق الشريعة. أن نرعى مقاصد الشريعة وان نحقق مقاصدها في الناس، فالشريعة جاءت لتكون حياة الناس على ضوئها ولم تأت الشريعة نظريات بباهي بها او تكون خيالات يفتخرون بها دون ان تكون تطبيقا لواقع، بأحكامها ومثلها وعقائدها، لذلك فالوسطية على نحو ما ذكرنا موصلة الى تحقيق الشريعة في الدين وفي الدنيا، وهي ابعد من الفتن ما ظهر منها وما بطن، فالفتن في تاريخ الاسلام منذ ان نبع ظهر المعترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله اعدل يا محمد، ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ويحك من يعدل اذا لم اعدل.