سماها البعض (ثورة الفلافل) ورأى قسم آخر انها فورة طبيعية، كون الفلافل تشكل الوجبة الرئيسية لمعظم سكان المدن السورية خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات حيث انتشرت محلات بيع الفلافل انتشار النار في الهشيم مترافقا مع انخفاض في مستوى المعيشة فشكلت الفلافل، ملاذا لاصحاب الدخل المحدود وذلك لسعره المنخفض وسرعة تحضيره وسهولة اعداده وذاع صيت الفلافل ليشمل انحاء البلاد من اقصاها الى اقصاها كما طارت شهرة بعض المحلات حتى بات القادمون من المدن السورية يقصدون تلك المحلات تحديدا ودون غيرها في كل زيارة للعاصمة. واليوم هدأت ثورة الفلافل بل انها خمدت تقريبا مفسحة المجال لثورة (الشاورما) و(الهمبرغر) وغيرهما من الوجبات السريعة ومع ان تلك الوجبات كانت موجودة خلال ايام العز التي عاشتها الفلافل الا انها لم تكن لتحتل مرتبة متقدمة في لائحة طعام السوريين ويعود ذلك الى ارتفاع ثمنها اذا قيست بالفلافل اضافة الى انتفاء الرغبة حينذاك بالتشبه بالمجتمعات الغربية اذ كان تناول الهمبرغر والبيتزا نوعا من الترف ومحاولة لمحاكاة المجتمعات الغربية ينظر اليها السوريون بعين الريبة بل وحتى الاشمئزاز. فما الذي حدث؟ تراجعت اعداد محلات الفلافل الى اقل من الثلثين في حين قفزت محلات الوجبات السريعة الواجهة بشكل سريع ومفاجىء وذلك بالرغم من كون الفلافل وجبة سريعة ايضا بل وسريعة جدا ففي حي الميدان المعروف بانه اكثر احياء دمشق تمسكا بالتراث والتقاليد، اغلق نحو 100 محل فلافل في الوقت الذي يتم فيه افتتاح 132 محلا للشاورما في شارع (هو زقاق في الحقيقة) لا يتجاوز طولة المائة متر بحيث تنتشر المحلات على الجانبين ويدهشك الازدحام على ابوابها اذ يقف الناس جماعات منتظرين دورهم في الحصول على (الجائزة). تطأطىء الفلافل رأسها وتندس في النسيان وربما ترى في عيني كل قرص فلافل نظرة عتاب شديدة من الذين انكروا فضلها واداروا ظهورهم لها راكضين نحو النكهات القادمة من الغرب. هذا التبدل السريع (ربما بتأثير من الوجبات السريعة) له مدلولاته الهامة هنا فالمزاج العام في البلد تغير، وتفكير الناس تبدل فجأة, فقد كان الجميع يهزأ من آكلي البيتزا والهمبرغر متهمين اياهم بالتأثر بالحضارة الغربية وبالتنكر للتراث وحتى بالاستعلاء الاجتماعي في كثير من الاحيان والآن تغير كل ذلك واصبحت البيتزا امتيازا وسندويش الهمبرغر رقيا وحضارة اما الفلافل فهو تقليد قديم عفى عليه الزمن وتناوله يشبه الرغبة في العودة الى أيام الطربوش والفلافل تخلف والتفات رجعي للوراء. ويرى البعض ان هذا التبدل في التفكير العام يحمل في طياته الكثير من المعاني والدلالات ليس اولها ان الغرب دخل الى بلادنا ليس فقط عبر منجزاته الحضارية الحقيقية كالانترنت والكمبيوتر والكم الهائل من التطور الصناعي وانما تعدى ذلك حتى الى لقمة عيشنا ليتحكم فيها فالغرب بات يطعمنا ما يشتهيه لا ما نشتهيه نحن وتبدلت المواقف ومن يمرر طبق البيتزا يمرر معه ما يشاء من الفكر والعادات والتقاليد ومن يتحكم في تدفق الهمبرغر يتحكم في تدفق المعلومات والافكار وفي توجيه دفتها كيفما يشاء. ويعتقد المتمسكون بالبساطة والوجبات التقليدية ان الفلافل كانت الافضل على جميع الصعد وان كانت ثورة البيتزا انتصرت ونجحت في القضاء على اهم معاقل الفلافل فان قرص الفلافل سيدور ليضع اسفلها عاليها.