لا تجد حياً من أحياء دمشق يخلو من مطاعم «الشاورما». مبالغة ليست كبيرة للدلالة على أن هذه الأكلة هي من أكثر الأكلات الشعبية إقبالاً. ويبدو ذلك واضحاً من طريقة توزّع محال بيعها في ثنايا الأزقّة وزوايا الحارات ونواصي الشوارع، ومن الحشد أمامها في أوقات مختلفة من النهار... والليل. وعلى رغم وجود مطاعم الوجبات السريعة بأعداد كبيرة، لا سيّما تلك التي تقدم «البيتزا» و«الهمبرغر»، تظل مطاعم «الشاورما» تفوقها عدداً لكثافة زبائنها، وسهولة إقامتها حتى في الأماكن الضيّقة. والسيّاح في دمشق لا بد أنهم يشمّون رائحتها باستمرار فيتدافعون إلى تذوقها. والشاورما نوع من أنواع المأكولات، يُصنع بشيّ اللحم على «شوّاية» تعمل بالغاز أو الكهرباء أو الفحم. ومن الشائع أن تحضر الشاورما من لحم الدجاج أو لحم الضأن أو العجل. لكن ثمة أنواعاً أخرى من اللحم يمكن أن تصنع منها الشاورما مثل لحم السمك والجمل إلا أن هذه الأنواع لا تلقى رواجاً كثيراً. وتلخص طريقة تحضير الشاورما بوضع اللحم مرصوصاً على «سيخ» معدني، بحيث يكون اللحم المعد للشي بأقطار مختلفة، فيوضع اللحم بصورة عمودية مقابل الموقد، ثم يدوّر عمود اللحم، لتنال كل جهة نصيبها من الحرارة، فينضج اللحم تدريجاً. ويعتمد اعداد الشاورما على الخبرة في اختيار اللحم الطازج والطري، مضافاً إليه مقدار من خلطة من البهارات وفق نوع اللحم الذي تعد منه، فشاورما الدجاج تحتاج إلى بهارات خاصة تتكون من القرنفل والزنجبيل والزعتر البري وجوزة الطيب والكاري، في حين أن شاورما لحم الضأن أو العجل لها خلطة بهارات مختلفة مكونة من الفلفل الأبيض والقرنفل، والهيل الناعم، بينما تحتاج شاورما السمك إلى الثوم مخلوطاً مع الكمون الناعم والكزبرة وشرائح الليمون. ويستغرق نضج الشاورما وقتاً يتوقف على نوعية اللحوم والدهون وحجم السيخ وقوة النار. يروي بعض أصحاب المهنة القدامى أن أكلة الشاورما جاءت من تركيا مع الحجاج الأتراك الذاهبين إلى أرض الحجاز عبر الأراضي السورية، إذ يُحكى أنَّ الأتراك كانوا أثناء استراحاتهم في الأراضي السورية ينصبون أسياخاً من اللحم أمام النار، وهكذا أخذ السوريون عنهم الفكرة وانتشرت «الشاورما» لتصبح من الأكلات الشعبية، التي ازداد الطلب عليها في السنوات الماضية إلى أن وصل عدد محال بيع الشاورما إلى أكثر من 200 محل في دمشق وحدها. وفي بقية المحافظات السورية، تتركز محالها في الأماكن القريبة من الأسواق والأحياء السكنية الأكثر اكتظاظاً. وتختلف الشاورما المصنوعة في دمشق عنها في المحافظات باختلاف أنواع اللحوم ونكهاتها والتوابل المستخدمة، وخصوصاً لحوم المراعي من البادية السورية. ويعتبر أصحاب المطاعم الأكثر شهرة بتقديم الشاورما أن كرم الضيافة والنظافة من أهم عوامل نجاح المهنة، ويوضح العاملون أن الشاورما حافظت على طبيعتها في سورية، بخلاف دول أخرى تقدمها مع الرز والسلطة، بينما يفضل السوريون تناولها مع البطاطا والمقبلات كالحمص والمتبل والمخللات والمايونيز. حافظ السوريون على طريقة إعداد الشاورما كما اقتبسوها عن الأتراك، وطوّروها حتى ظهر طبق «الشاورما العربي»، الذي يشترط فيه أن يلف لحم الشاروما بعد «تقميره» بخبز التنور أو الصاج، ثم يقطع السندويش إلى قطع صغيرة ويزين الطبق بالمقبلات، ويرش عليه قليل من دبس الرمان. ويبدو أن شهرة الشاورما فتحت باب رزق لبعض من أتقنها، فمن الشائع أن تنشر الصحف المختصة بالإعلانات المبوبة: «مطلوب معلم شاورما للعمل في محل جديد». وهنا يبحث الإعلان عن طاهٍ يمكنه الإشراف على انطلاقة محل جديد، وقد تحمل هذه المهمة طابع التحدي، إذا كان المحل محاذياً أو مواجهاً لمحل شاورما آخر، ويتنافسان على استقطاب الناس بطرق مختلفة. ومن مؤهلات بائع الشاورما أن تكون لديه الخبرة في الجزارة، والقدرة على تحمل حرارة وهج النار لمدة قد تصل إلى 10 ساعات وقوفاً. الطلب على الشاورما يستمر على مدار السنة، ويزداد في أيام العطل وفصل الصيف، اذ تشكل عطلة نهاية الأسبوع ذروة الإقبال على شرائها. وواضح أن هذه الأكلة التي تؤكل «على الماشي»، أصبحت بشهرتها وانتشارها تنافس الأكلة الشعبية التي كانت أكثر رواجاً في الماضي، وهي سندويش الفلافل، إذ تراجع عدد محالها والعاملين فيها، مقابل تزايد أعداد محال الشاورما التي تقترب من الصدارة في المأكولات المفضلة.