المفاوضات بين قياديين كبار في معسكر اليسار الإسرائيلي وقياديين فلسطينيين، مرحلة تلو أخرى: الخلافات حول (غفعات زئيف) وحق العودة، الصراخ بين بورغ وعبد ربه، التدخل السويسري.. أربعة أيام في أكتوبر... خلاصة موجزة لما يسمى اتفاقية سويسرا. جلسوا حول الطاولة في إحدى غرف الفندق غير مصدقين أن الأمر قد انتهى وأنه تم التوصل إلى اتفاق. الأديب الإسرائيلي، عاموس عوز، عبّر جيدًا عن شعور الحاضرين، إسرائيليين وفلسطينيين، حين قال بهدوء: (إن المعركة ستبدأ، عمليًا، اليوم). ويبدو أن التوقيع الاحتفالي على الاتفاقية سيتم في الرابع من نوفمبر، (في الذكرى السنوية الثامنة لمقتل الرئيس الأسبق للحكومة الإسرائيلية، إسحاق رابين) في العاصمة السويسرية، جنيف، وبحضور الرعاة السويسريين واليابانيين، وشخصيات مثل رئيس الولاياتالمتحدة السابق، بيل كلينتون، وربما، أيضًا، رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير. ترى هل ستؤول هذه الوثيقة إلى مقبرة التاريخ في الشرق الأوسط، أم أنها ستصبح حدثًا مفصليًا؟ إن ذلك يتوقف على الحملة العالمية المخططة لنشر هذه الاتفاقية، وعلى ردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية الرسمية، وعلى تعامل الحكومة الإسرائيلية، التي سبق لها أن عقبت بغضب على مسودة الاتفاقية. اليوم، تنشر التسلسل المفصل للمحادثات التي جرت في الأردن نقلا عن موقع ArabYnet اعتماداً على رؤوس أقلام تم تدوينها داخل غرف مغلقة. ويشمل ذلك الصراع الذي دار هناك حول كل بند وحول التسويات والتفاهمات التي تم التوصل إليها. هكذا حدث ذلك في فندق موفينبيك في الجانب الأردني من البحر الميت خلال أربعة أيام من شهر أكتوبر 2003. يوم الخميس 9 أكتوبر وصل الإسرائيليون إلى الفندق حوالي الساعة الثامنة مساءً، وكانت بانتظارهم مجموعة من الشخصيات الفلسطينية، وعقد المشاركون اجتماعًا أوليًا بهدف التعارف والتقارب وبث شعور بالألفة، وقام كل واحد منهم بتعريف نفسه باللغة الإنجليزية، وقد خيّم التفاؤل على اللقاء. وقال ياسر عبد ربه لقد أدرك الناس ماذا سنفعل وأدركوا أهمية الخطوة التي قد توجد وضعًا جديدًا. أما الجانب الإسرائيلي فقد أعرب، في البداية، عن تخوفه لكنه تشجع كثيرًا من ردود الفعل التي جاء بها الفلسطينيون، وانتهت أمسية التعارف قبل منتصف الليل بقليل. وتفرقت الطواقم إلى الغرف، بينما واصل عبد ربه ومتسناع وبيلين حديثهم الدافئ حتى ساعة متأخرة من الليل. يوم الجمعة 10 أكتوبر بدأت المحادثات حوالي الساعة التاسعة صباحًا في الطابق الأرضي من الفندق الذي تم تخصيصه للمفاوضات، واهتم حارس بمنع دخول الفضوليين. لقد تم التوصل إلى كثير من التفاهمات قبل عقد اللقاءات، ولم يتبق إلا الشيء القليل، حسب وصف أحد المشاركين. وفي تمام الساعة 12:00 تم تقسيم المشاركين إلى طاقمين، حيث تولى الطاقم الأول المسؤولية عن الخرائط وترسيم الحدود. وضم هذا الطاقم كلا من متسناع، بونداك وأريئيلي، وعن الجانب الفلسطيني كلا من سميح قراقرة (نائب نبيل قسيس)، ياسر عبد ربه، ثم انضم بعد ذلك حوراني الذي حل محل عبد ربه بعد وجبة الغذاء بالإضافة إلى خبير خرائط فلسطيني يدعى بشار جمعة. أما الطاقم الآخر فهو طاقم الصياغة الذي قاده يوسي بيلين وعبد ربه، بالإضافة إلى حاييم أورون وعاموس عوز من الجانب الإسرائيلي. وبدأت الطواقم بالعمل حتى وجبة الغذاء. وظهرت نقاط خلاف منذ البداية، غير أن الحاضرين شعروا بأنه يمكن التغلب عليها. واجتمع الإسرائيليون للاطلاع على التقدم في عمل الطواقم ثم عادوا بعد ذلك إلى المحادثات. وانضمت نحاما رونين برفقة شلومو بروم لطاقم الخرائط. وارتبطت إحدى نقاط الخلاف المعقدة بالتجمعات السكنية في منطقة القدس، وفي مقدمتها غفعات زئيف وبيت صفافا وجبل أبو غنيم. فقد طلب الفلسطينيون إخلاء هذه التجمعات سوية مع بقية المستوطنات، الأمر الذي رفضه الجانب الإسرائيلي. وتبادلت نحاما رونين، قبيل وجبة العشاء، الحديث مع حوراني في الممر وقالت له: لن يوافق الإسرائيليون على التنازل عن غفعات زئيف، وهز حوراني رأسه موافقًا. وفي الساعة السابعة مساء، التقى متسناع وبيلين بقسيس وعبد ربه ولخصوا التقدم الذي حصل حتى تلك اللحظة، واتفقوا على توزيع المشاركين إلى مجموعات صغيرة بعد وجبة العشاء. وأصبح متسناع، عمليًا، رئيسًا لطاقم الخرائط، بينما ترأس يوسي بيلين طاقم الصياغة. وبقي موضوع التجمعات السكنية في منطقة القدس مفتوحًا، وقرر الطاقم الإسرائيلي عدم التنازل في هذه المسألة. وكان الحسم الإسرائيلي استراتيجيًا للحفاظ على غفعات زئيف كجزء من حزام التوطين حول مدينة القدس. وفي الساعة العاشرة والنصف اجتمع الإسرائيليون والفلسطينيون ثانية لبحث المعضلات المحيطة بمدينة القدس. وقال أحد المشاركين الفلسطينيين: إن هذه التجمعات تخنق كل توسع طبيعي لرام الله ولمدينة القدس أيضًا. إنها عالقة في الوسط. وتواصل النقاش حتى الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل دون أن يتم التوصل إلى حل، وازداد ارتفاع الأصوات الناشزة، ووصلت إلى حد تبادل الصراخ بين بورغ وعبد ربه، في ساعة متأخرة من الليل. وطلب عبد ربه من الإسرائيليين تقديم تنازلات أخرى. وقال بورغ: ليس بإمكاني التنازل أكثر مما فعلت. لقد ضحيت بالماضي لصالح المستقبل. وعندما سمع أن الفلسطينيين يريدون فتح موضوع حق العودة مجددًا قال: لن أقبل اتفاقًا يتضمن حق العودة. وتفرقت الطواقم دون التوصل إلى اتفاق. وقال أحد المشاركين إن الشعور الذي ساد خلال اللقاء هو أن المتحاورين جربوا كل الطرق القديمة. السبت 11 أكتوبر هرع الدبلوماسي المخضرم، الموظف السابق في وزارة الخارجية، دافيد كيمحي، في صباح هذا اليوم الذي ساد فيه شعور صعب، إلى تشجيع المتفاوضين على التقدم. وقال كيمحي للمشاركين: لقد حقق الجانبان تقدمًا كبيرًا، لقد وصلنا إلى المرحلة النهائية، ما زالت هناك بعض المشاكل يجب التوصل إلى حل بشأنها. لقد قدم كل طرف تنازلات معينة، تنازلات مؤلمة وحساسة من منطلق إدراك أهمية التوصل إلى حل. إننا نجتاز المئة متر الأخيرة وهي الأكثر صعوبة في كل مفاوضات. وتنازل الفلسطينيون عن طرح موضوع حق العودة مجددًا، لكن على الرغم من شعور الجانب الإسرائيلي بالارتياح إلا أن الأطراف واصلت تمسكها بمواقفها في مجالات أخرى، مثل مصير غفعات زئيف. وعلت الأصوات ثانية. ووصف أحد المشاركين الأجواء بأنها بغيضة، وبدأ الحديث عن تفجير محتمل للمحادثات. إلا أن السويسريين تدخلوا في ساعات الظهر، إذ انضم سفير سويسرا في إسرائيل وشخصان آخران واكبا المحادثات منذ سنة، واقترحوا تليين الصياغة. وفي مرحلة معينة، بدأ السويسريون يتنقلون بين غرفتي الطواقم الإسرائيلية والفلسطينية. وأبدى الطرفان ليونة، في ظل الضغوط الأوروبية، وفي حوالي الساعة الثانية والنصف، وصل إلى الفندق وزير الخارجية الأردني، مروان المعشر، الذي شغل في السابق منصب سفير الأردن لدى إسرائيل ويعرفه الحاضرون. لقد حضر لتشجيعهم على المضي قدماً، وقال: أنا أؤمن بمقدرتكم على التوصل إلى اتفاق. إنه اتفاق يهم جميع الدول العربية، وأطلب منكم ألا تتوقفوا الآن. وأجابه بيلين: آمل أن نمتلك الشجاعة المطلوبة للتغلب على الفجوات الموجودة بعد أن قطعنا شوطًا طويلاً واتفقنا على الأمور الجوهرية. وأعرب حوراني عن موافقته، قائلا: قد يكون هذا الاتفاق بمثابة نقطة تحول. وغادر زير الخارجية الأردني الفندق ليسود الشعور بأنه تم إنقاذ المحادثات. لكن التقدم ما زال صعباً، خاصة في طاقم الخرائط. وفي الساعة الثامنة، تناول المشاركون وجبة العشاء، ويدور حديث بين الإسرائيليين حول احتمال عودتهم إلى إسرائيل دون التوصل إلى اتفاق. بعد وجبة العشاء، عقد طاقم الخرائط جلسة مناقشات مراثونية، بينما جلس الآخرون في دهليز الفندق وتبادلوا أطراف الحديث الروتيني. وكان حوراني، الذي ينتمي إلى حركة فتح متفائلا: لا تقلقوا، في النهاية سنوقع، قال، في محاولة منه لطمأنة الإسرائيليين. وحدثهم عن أبناء عائلته في الضفة الغربية. وعند منتصف الليل، بدا أن المفاوضات تقترب من نهايتها، إذ تنازل الفلسطينيون في قضية غفعات زئيف وتنازل الإسرائيليون عن بيت صفافا وجبل أبو غنيم، وبقيت نقاط خلافية أخيرة، غير أن الخوف من لحظة التوقيع دفع الأطراف إلى تأجيل النهاية. وأخيرًا قدم الجانب الإسرائيلي، خلال الليل، اقتراحًا نهائيًا حول الخرائط، بينما ذهب الوفد الفلسطيني لإجراء محادثات داخلية، وفي تمام الساعة الثالثة والنصف قبل طلوع الفجر أعلن الفلسطينيون: لا نقبل الاقتراح. وانتهى الاجتماع في الساعة الرابعة والنصف قبل الفجر دون التوصل إلى اتفاق وبشعور صعب. يوم الأحد 12 أكتوبر اجتمع طاقم الخرائط الساعة التاسعة صباحًا لآخر مرة، وأجواء من التشاؤم تخيم على الطاقم الإسرائيلي. أحد الحاضرين وصف ذلك بقوله: ساد شعور بأن الأمر لن ينتهي. وأوضح الإسرائيليون للفلسطينيين، في النهاية، أنهم لا يعتزمون المماطلة لمزيد من الوقت وأنهم سيعودون إلى إسرائيل في الظهيرة. ونجح تكتيك الحقائب القديم، وتم، خلال ساعتين، تلخيص حميع النقاط المتبقية. وعكف أريئيل وجمعة على رسم الخرائط النهائية كما اتفق. وتم التوصل إلى اتفاق. وهدأ كل شيء في آن واحد. وظهرت الابتسامات على وجوه الجميع، وتناولوا القهوة، ثم استعدوا لحفل التوقيع في ساعات الظهر. وكانت تلك بمثابة لحظة تاريخية، حسب وصف أحد الحضور. وجلس متسناع وبيلين وعبد ربه وحوراني وقسيس وعبد الرازق ورونين وأورون وبورغ وعاموس عوز حول الطاولة، وطلب جميعهم إلقاء كلمات. وقال حوارني للحاضرين: اليوم يختلف عن أمس. ما حدث حتى اليوم لن يكون شبيهًا بما سيحدث بعد اليوم. وقال بورغ: في هذه اللحظة، أشعر بفخر كبير لأنني أعرف يوسي بيلين. منذ اليوم، أدين له بمستقبل دولتي وشعبي. إني أقدر استعداده للوقوف دائمًا أمام الذين لا يؤمنون. وحاول الأديب عاموس عوز، تهدئة الحاضرين وحذر: المعركة ستبدأ عمليًا اليوم. وقالت نحاما رونين التي أشاد الجميع بحضورها كممثلة وحيدة عن حزب الليكود: لقد تم إنجاز أمر عظيم هنا، وعلى الرغم من أنني قد أدفع الثمن بمستقبلي السياسي، غير أنني راضية عن نفسي. إنني أومن بأن هذا الأمر هو الصحيح. إن مؤيدي الليكود، أيضًا، يريدون السلام ويعرفون أنهم سيضطرون لدفع الثمن مقابل هذا السلام. وقال عبد ربه: هذه لحظة مهمة لنا جميعًا. وقال متسناع: أدعو الجميع إلى النهوض في الصباح وتجنيد ما تحلينا به من شجاعة قادتنا إلى هنا، لاستثمارها في دفع الاتفاق قدمًا. في النهاية تم التقاط صورة جماعية للمشاركين. وأصبحت اتفاقية سويسرا، أو وثيقة جنيف، حقيقة - لكنها لا تزال، حاليًا، على الورق فقط. @المشاركون: من الجانب الفلسطيني: ياسر عبد ربه، نبيل قسيس، سمير رنتيسي، هشام عبد الرازق وعبد القادر الحسيني (نجل المرحوم فيصل الحسيني).. محمد حوراني من القيادة الشابة لحركة فتح في الخليل وقدروة فارس، أحد المقربين من مروان البرغوثي. من الجانب الإسرائيلي: عضو الكنيست عمرام متسناع، ترافقه مستشارته عنات روط، والدكتور يوسي بيلين، يرافقه المستشاران، دنيئيل ليفي وأوري زخي، وعضو الكنيست أفراهام بورغ، والعميد غيورا عنبر، والدبلوماسي المخضرم، دافيد (دييف) كيمحي، والبروفيسور أرييه أرنون، ونحاما رونين (ليكود)، والدكتور رون بونداك، والبروفيسور مناحيم كلاين، وعضو الكنيست حاييم أورون، والأديب عاموس عوز، واللواء (احتياط) شلومو بروم، وشاؤول أريئيلي، رئيس دائرة السلام في مكتب رئيس الحكومة السابق، إيهود براك، ورجل الأعمال آفي شكيد. ياسر عبدربه متسناع