(حين يتوطن السرد بين ما نطق به ويظل ينطق به، وما لم ينطق به بوصفه حياة تسرد من دون أن يكتمل ابتعاثها، حينئذ يتفتح جسد السرد على خلايا لا تكرر نفسها، ولا تستودع ذاكرة ينشد معمارها ماضيا قد تم تنجيزه فاكتفى، ولا تبتهل في حرم الواقع إذ سرعان ما يتبين أنه التاريخي في صيغته و تعييناته القولية). بهذا المقطع قدم الشاعر حسين العبود لمجموعة القاص عبدالله النصر (بعث في خلايا مستقيلة) وهي المجموعة الأولى التي تصدر للكاتب حيث جاءت في سبع وستين صفحة، واحتوت على تسع عشرة قصة قصيرة منها:(للأمس رائحة حمقاء) و (صعاليك) و (جمر يتنفس النار). ومعظم قصص المجموعة نشرت في جريدة (اليوم) وفي جريدة (الجزيرة) وقد فاز الكاتب بجوائز قصصية عديدة من مؤسسات ثقافية مختلفة وحصل على المركز الثالث في مسابقة نادي جازان الادبي، وله أمسيتان قصصيتان في النادي الأدبي بالدمام والنادي الأدبي بالرياض (أمسية مشتركة) كتب فيها مجموعته بلغة عزفت على أوتار مختلفة لفنون القصة، فالنصر لم يقيد أو يكبل قلمه باتجاه معين لكتابة القصة. ويتضح من عنوان المجموعة أن الكاتب يحاول أن يجعل من اللغة كائنا قادرا على فتح روح الخيال في الذاكرة ويعيد خلاياها لجسد الكتابة بعد الاستقالة في التراكيب اللغوية فالقاص يعتبر الكتابة وجوده من خلال إهدائه إلى من (كان يشبهني أو استطعت أن أحوله الى من يشبهني أثناء وبعد قراءة كل نص). ويقول عبدالله النصر عن علاقته بالكتابة:(إنني لا أعتبر نفسي كاتبا، أي أنني لا أعتبر الكتابة مسؤولية كحياة أو موت، فالكتابة بالنسبة لي مجرد هواية للبحث عن الذات فإذا فقدتها فربما لا أتأثر بالقدر الذي يتأثر به الكاتب الحقيقي الذي يعتبر الكتابة مصيره وحياته. نعم هي جزء من همومي وربما أصبحت جزءا مني لكنها لم تصبح ولن تصبح في لحظة همي الأكبر أو إثبات للوجود أو الذات). مضيفا: إن تجربتي في البدء كانت لمجرد إثبات علاقتي ووجودي الثقافي وتبلورت أو تفتحت موهبتي الكتابية في ربوع قريتي الصغيرة (الجبيل) وما اختمر في ذاكرتي من مشاهد لهذه القرية وأهلها، وما عشته من بساطة وشظف في العيش حاولت أن أتنفسه برئة الكتابة.. ولعل قصة (صعاليك) تعكس ما ارتسم من صورة في ذهني عن أحلام أطفال فقراء القرية. ومما أنضج تجربتي الكتابية رحيلي عن هذه القرية الوادعة مثل أي كاتب يغادر قريته (أو ما يسمى الرحلة من القرية إلى المدينة) فانتقالي إلى مدينة (الخبر) أشعرني بالعزلة والإحساس بالوحدة فلم أجد هناك أنيسا ولا صديقا سوى القلم أتسامر معه، وأبث به نجواي وشكواي. وعن اختباره جنس القصة القصيرة من بين بقية الأجناس الأدبية قال: إن القصة القصيرة هي الأكثر قربا إلى نفسي من غيرها عن باقي الفنون، فللقصة جمالياتها وتقنياتها الأكثر تحررا من الشعر، ولأنها هي الأكثر جاذبية واستجابة من القارىء، ولمناسبتها إيقاع العصر السريع وضيق وقت القارىء الذي يسعى للحصول على اللذة الذهنية والترف العقلي في شكل مركز وفي وقت قصير، ولأنها تحرك ذهنية القارىء وتجعله يشارك الكاتب فنه ويتفاعل مع أبطال القصة ويعيش في أجوائها. وعن توظيف التراث قال: انه يشعر بالأسى لعدم توظيف التراث الاحسائي في القصة وربما يعود السبب لإبتعاد كتاب المنطقة عن قراءة البيئة والثقافة الأحسائية، وكانت هناك ما نسميها مجازا الرواية وهي محاولة لبهية بوسبيت في قصتها (درة من الأحساء) مشيرا الى أنها قد تكون أساءت للأدب السعودي لضعفها الفني وأسلوبها الركيك وربما يشفع للكاتبة ذلك أنها المحاولة الأولى لها. وما كتب في هذا المجال كان مجرد محاولات فاشلة كمثال على ذلك ما كتبه القاص حسن الشيخ لأن قصصه امتلأت بمخزون من الذاكرة وابتعدت عن الفنيات والتقنيات الكتابية. لذا كنت على حذر من الوقوع فيما وقع فيه من سبقني، لأن الكتابة عن البيئة الأحسائية تحتاج إلى ثقافة واسعة وامتلاك للأدوات الكتابية وتجربة طويلة وخبرة ومراس وهذا ما يفتقده من سبقنا في الكتابة عن الأحساء.. نستثني من ذلك بعض قصص (فهد المصبح). وعن التنوع في مدارس القصة قال: أقولها بكل صراحة: قراءتي ضحلة في مجال القصة القصيرة ولذلك لم أحاول الدراسة أو التأثر بأي مدرسة أو اي كاتب قصصي وأنا سعيد بذلك لأنه يحقق لي التمرد والتميز دون التأثر بأي من الكتاب منذ خطواتي الأولى.. والمشكلة لدي أني لا أزال أبحث عن القالب الذي أسكب فيه حبر قلمي ليتناسب مع إبداعي.. فإن شكل القصة أو أسلوبها لايزال يمثل لي هاجسا ربما حتى أكثر من الفكرة.. أو بما يتناسب مع اختلاف الفكرة أو عمقها.. ومحاولة الموازنة بين تعدد الأذواق تمثل عبئا كبيرا للكاتب خصوصا إذا أراد أن يوازن بين القراء والنقاد.. ربما أستطيع النجاح في الوصول للقارىء وإرضاء الناقد.